مقدمـــــــــــــــــــة:نشر الأستاذ الدكتور محمود محمد علي أستاذ الفلسفة و عضو مركز دراسات المستقبل في جامعة أسيوط سلسلة مقالات مهمة في المثقف الغراء تحت عنوتن :كيف سعت أمريكا للسيطرة على منطقة الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثاني] قدم فيها معلومات مهمة و وجهة نظر محترمة حول موضوع مهم و حساس في هذا الوقت بالذات…و ارغب ان ابين وجهة نظري لا فيما طرحه الأستاذ الفاضل انما في نفس الموضوع…قد نلتقي في نقاط و قد نبتعد…اعترف اني سجلتها بانحياز سياسي و ايمان بنظرية المؤامرة…تبقى تصورات و استنتاجات و تفسيرات و تحليلات عن كيفية احتلال الولايات المتحدة الامريكية لمنطقة الخليج ما جرى خلال الفترة من عام 1947 الى عام 2003 حيث تحطيم العراق قبل و بعد احتلاله وقد قسمتها الى اربعة مراحل زمنية هي:
1.من عام 1947 إلى عام 1967
2.من عام 1968 الى عام 1988
3.من عام 1989 الى عام 1999
4.من عام 2000 إلى عام 2003
5.اتمنى ان يتقدم من يكتب لنا عن الحال من 2004 الى 2014 حيث احتلال الموصل و قيام “داعش”…شخصياً سأحاول عسى ان اُوفق.
هي مساهمه متواضعة اسجل في بدايتها احترامي وتقديري لكل من يتفضل ويصرف جزء من وقته للاطلاع عليها وتقبلي باحترام لكل ما قد يُكتب عنها من ردود…هي اجتهاد قد يُذَّكِرْ البعض بما مضى أو قد يُحفز البعض للنقاش أو قد تُضيف للأجيال التي لم تعاصر الحدث بعض الرغبة لإعادة تصفح الماضي القريب أو قد تثير فضول الجيل الجديد ليسأل الذي قبله سواء شفاهياً أو من تقليب العتيق من الكتب أو قد تحفز الأم و الأب أو الجد والجدة ممن عاصروا/نه تلك السنين من أن يقصوا/صن لأبنائهم/ن أو أحفادهم/ن بعضاً من تلك البطولات أو الآلام أو الانفعالات كل حسب الجهة التي نظر/ ينظر بها لما جرى. ونحن نعيش أيام ذكرى ثورة 14 تموز 1958 والاختلاف في وجهات النظر عنها.
…………………………………………………………..
الجــــــزء الأول: من عام 47 ـ إلى عام 1967
في خطابه امام الكونكَرس عام 1947 حدد الرئيس الأمريكي المرقم (33) ترومان سياسته الخارجية/صيانة المصالح القومية/مبدأ ترومان في احتواء الاتحاد السوفييتي اي منع التمدد الشيوعي تحت شعار “على الولايات المتحدة الامريكية دعم الشعوب الحرة” والمتضمنة منع الاتحاد السوفيتي من التمدد فتم انشاء حلف شمال الأطلسي و اطلاق مشروع مارشال اوربياً… ومنعه من الوصول للمياه الدافئة في الخليج حيث منابع النفط وخطوط الإمداد وكانت خطة منع الاتحاد السوفييتي و الشيوعية من الاقتراب من الخليج تتضمن أنشاء حائطي صد:
الأول: يشمل أو يضم تركيا واليونان: حيث كانت تركيا تتعرض لضغوط هائلة من الاتحاد السوفييتي بخصوص الملاحة في الدردنيل و كانت اليونان تعيش حرب داخلية يلعب فيها الحزب الشيوعي اليوناني دور كبير. تم دعم الدولتين عسكريا وتم ضمهما الى حلف شمال الاطلسي
الثاني: يضم إيران والعراق وسوريا كحائط صد داعم للأول حيث إشراف إيران والعراق على الخليج فتم بهما و مع تركيا بوجود بريطانيا و تشكيل حلف “بغداد” بخطوة خطيرة من الولايات المتحدة الامريكية وبالذات اشتراك تركيا وبريطانيا في الحلفين الذي يعني دفاع امريكي اوربي عن تركيا و ايران و العراق في أي خطر يواجه تلك الجبهة… ووجود سوريا الغرض منه إكمال الحائط في جنوب تركيا و مشارف اليونان.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت لها قاعدة أساسيه ومهمة في الخليج من خلال أرامكو عام 1933 و دور السعودية فيما حصل عام 1936 في فلسطين و اللقاء السري بين روزفلت و عبد العزيز عام 1945 على متن الطراد كوينسي في البحر قرب قناة السويس و تصاعد انتاج النفط الذي يعني تصاعد العلاقات بين البلدين.
أما إيران فقد كانت ضمن الخط العام لمفاهيم أمريكا والغرب وتعزز ذلك بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإجهاض حكومة مصدق كما اعترف بذلك أخيرا الرئيس الأمريكي أوباما وأصبحت إيران خلال فتره قصيرة (شرطي الخليج)وخامس جيش في العالم
أما بالنسبة للعراق وسوريا حيث كان البلدين تحت التأثير والتبعية البريطانية والفرنسية رغم الاستقلال الشكلي فبعد الاطمئنان لحائط الصد الأول من خلال اشراف حلف شمال الأطلسي عليه جاء الدور على الحائط الثاني الذي يجب ترتيب الأوضاع فيه بالشكل الذي يضمن إسناده للحائط الأول وأن يكون له العمق الجغرافي وأن لا يسمح بأي حال من الأحوال للسوفييت من القفز وتأسيس قاعدة لهم تشرف على الخليج وكان أكثر ما يقلق الأمريكان وحلفائهم السعوديين هو الأتساع المستمر للمد الشيوعي في كل من العراق وسوريا فكانت الفكرة هي كيفية إيقاف المد الشيوعي وتحجيمه ومن ثم الانقضاض عليه لتحطيم ما قد يكون أساس لقاعدة قد يثب عليها الاتحاد السوفييتي في لحظه من الزمن
وكان العمل يسير باتجاهين:
الأول: محلي يتضمن تأجيج الحس الديني لمواجهة ما يسمى بالإلحاد الشيوعي فتشكل حزب الدعوة.
الثاني: تأجيج الحس القومي الذي كان متنامي فكان تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي وذلك بعد فترة قصيرة جداً على خطاب الرئيس الأمريكي وكان هذا الاسم يحمل إيحاء عند البسطاء وهم السواد الأعم ببعث أمجاد الأمة العربية من خلال بعث الرسالة المحمدية أي أنه أسم فضفاض شمل الاشتراكية ايضاً وهذا الحزب كان بين كل الحالات فهو له موقف من الشيوعية وموقف من الدين وموقف من القومية/جمال عبد الناصر. انا لا أقول هنا ان الامريكان التقوا رجال دين والتقوا السياسيين القوميين وحفزوهم، لذلك اخترت كلمة “تأجيج” ثم اُعلن عن قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية لتكون القاعدة المتقدمة للإمبريالية العالمية وأعقب ذلك حرب 1948 التي مني فيها العرب بالهزيمة على أيدي العصابات الصهيونية بدعم بريطاني مفضوح ودعم أمريكي شبه خفي لتعم حاله من الهيجان بوجه بريطانيا والحكومات العميلة لها وانتشرت أكذوبة السلاح الفاسد لتبرير الهزيمة ووضع ألّوم على مصدر هذا السلاح وهي بريطانيا ونتيجة ذلك توالت الانقلابات العسكرية كحالة انتقام للهزيمة والمتسببين فيها فكانت ثورة 1952 في مصر وبعدها ثورة 1958 في العراق.
سنترك مؤقتاً ثورة 1952 في مصر ونعود إليها بقدر تأثيرها على حائط الصد الثاني.
خلال الفترة من 1947 الى1958 كان العراق يغلي معاهدات تُوَّقَعْ وتسقطها الجماهير، إضرابات، انتفاضات، احتجاجات، إسقاط حكومات حيث لم تصمد الكثير من الحكومات أكثر من ستة اشهر وكان حلف بغداد سيء الصيت ولكن الحدث الأهم هو قيام الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن ومطالبته بضم الكويت إليه هذا الحدث هز المنطقة بعنف شديد وبالذات السعودية والكويت لما له من وزن بشري واقتصادي وسياسي وموقع جغرافي والذي سيُثير حتماً ما اطلق عليه “سلب الحجاز”.
هذا العامل والوضع الداخلي المتفجر وامتداد تأثير العدوان الثلاثي على مصر ونجاح مصر في التصدي له كلها حركت كل من كان يفكر بالقيام بعمل عسكري لإسقاط النظام الملكي في بغداد.
فكانت ثلاث خطوط تتحرك الأول بتأثير الاتجاه القومي الذي أنفرد فيه ذلك الوقت اعلامياً جمال عبد الناصر و على الأرض حزب البعث العربي الاشتراكي والثاني وطني داخلي يريد إشاعة العدل والانتصار للعراق وأهل العراق والثالث سعودي كويتي متطير من الاتحاد الهاشمي الذي يعتبره مُوَّجَهْ ضد السعودية( والسعودية عملت نفس الشيء ضد الوحدة المصرية السورية وبعدها محاولة الوحدة بين العراق وسوريا عام1978 ومن ثم بالتعاون العربي بين العراق والأردن ومصر واليمن).
كان ما يجمع الخطوط الثلاثة غير المفروزة بوضوح هو إسقاط النظام الملكي والشيء الثاني أن مثل هذا العمل غير مضمون النجاح من دون الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يفكر بالموضوع بشكل يلتقي قليلاً ويبتعد كثيراً عن خطط وتوجهات الضباط الأحرار وربما “حدس أفكار الآخرين وتوجس منها” هو و العقيد عبد السلام عارف لذلك لم يخبروا الاخرين بساعة الصفر وترك الوقت للظروف التي أحسنوا استغلالها.
وقد كان لمقتل العائلة المالكة في صباح الثورة أثر كبير في مستقبل العراق فلم يكن في بال من قام بالثورة او البعض منهم ان يحصل ذلك ولم يكن من داعي آني له لأن العائلة المالكة اقتنعت بنتيجة ما جرى وارادت تسليم نفسها ولكن تصرف الملازم أول عبد الستار العبوسي لم يكن وليد لحظته كما أشيع لأنه لا هو ولا من معه تعرض للخطر ولا يوجد على مدى حركة الشارع العراقي كل تلك السنين ما يسيء أو يمس بالعائلة المالكة وبالذات الملك فيصل الثاني والنساء بالحد الذي يدفع الى حصول ما حصل وإنما كانت الحركات السياسية توجه جام غضبها على الحكومات المتعاقبة وقد مست الوصي عبد الاله في بعض الحالات وكان يستحق ذلك لما كان له من دور فيما حصل عام 1941 و 1947.
فرحت الجماهير لأنها تخلصت من الملكية/الاقطاع وفرحت السعودية لأنها حطمت الاتحاد الهاشمي و انتهى موضوع “سلب الحجاز” وبقتل العائلة المالكة أصبح من المستحيل أن يلتقي العراق والأردن مرة أخرى وفرحت الكويت لأنها تخلصت من كابوس الضم القسري للعراق الذي لَمَّحَ اليه الملك غازي و بعد ذلك الاتحاد الهاشمي وفرحت إسرائيل لأن الملك حسين أدار لها ظهره وتوجه للانتقام لدم أولاد عمومته وفرحت أمريكا لأن الثورة طردت بريطانيا من العراق وسنحت الفرصة لنزول القوات الأمريكية إلى المنطقة وفرح عبد الناصر لأنه توقع سيطرة المقربين منه على السلطة.
كل تلك المؤثرات دفعت إلى فرز سريع جداً لموازين القوى وتوجهاتها ولهذا ظهر جلياً الاختلاف بين توجهات المساهمين في الثورة وأرادت كل مجموعه السير بالأمور بالاتجاه الذي تريد وهذا ما يفسر تعرض الثورة لمحاولات الإجهاض والتآمر عليها وعلى شخص الزعيم عبد الكريم قاسم منذ أيلول 1958 أي بعد أقل من شهرين من قيام الثورة وتصاعد ذلك مع ما كانت تنجزه الثورة من قرارات لصالح عامة الشعب مثل قانون الإصلاح الزراعي وقانون العمل وقانون الأحوال الشخصية إلى -أن وصلت ذروتها إلى إصدار قانون 80 لتنظيم حقوق الشعب في ثروته النفطية هذه القوانين الجديدة على المنطقة في إقرارها وتنفيذها والتفاف الشعب لحمايتها جعل الثورة تتجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها الإمبريالية والرجعية العربية رغم إن مثلها قد نفذته الثورة المصرية لكن مصر بعيده عن حائط الصد الثاني.
وهنا كان القرار حاسماً بقتل الثورة والثوار والشعب أو الطليعة التي تحمي الثورة فاصطفت لذلك الإمبريالية العالمية والرجعية العربية المتمثلة بالسعودية والبحث عن الثأر الأردني وحامي القومية العربية عبد الناصر وحزب البعث والكويت بعد مطالبة عبد الكريم قاسم بها و اكيد شاه ايران.فكان التنفيذ للبعث والأموال من السعودية و الكويت والأسلحة من مصر والدعم المتنوع المتعدد من أمريكا حيث يصف شاهد عيان هو الدكتور علاء بشير في كتابه (كنت طبيب لصدام) صفحه 53 السطر 5 كيف كانت طائرات النقل الأمريكية تحط في القاعدة الجوية في الحبانية لتفريغ ما تحمله من أسلحه وعتاد جلبته من مصر ورشاشات البور سعيد شاهد على ذلك وكان الانقلاب وعناصره ودوائره متوجهين بكل حقد لقتل الثورة وحُماتها وبالذات الحزب الشيوعي العراقي لتأمين حائط الصد الثاني فكانت مجزرة 8 شباط 1963 ولتامين كامل الحائط حصل انقلاب 8 آذار 1963 في سوريا أي بعد شهر واحد من انقلاب 8 شباط في العراق. وبذلك تم تحطيم أو تحجيم ما كانت تتصوره الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية أنه القاعدة التي قد يقفز إليها الاتحاد السوفييتي في لحظه من الزمن ليقترب من المياه الدافئة. هذا الوضع فتح فرصه كبيره للأمريكان لترسيخ تواجدهم في المنطقة والعمل على اخراج القوات البريطانية بالتدريج منها وبالذات بعد أفول الإمبراطورية البريطانية. استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية خلال فتره وجيزة من الاقتراب من عقول حكام الخليج وبالذات بعد اعتراف العراق بدولة الكويت وانضمامها للأمم المتحدة. أي أن الأمريكان فعلوا ما عجز عنه البريطانيين.
في هذه الفترة تحركت الولايات المتحدة الأمريكية بخطين متوازيين في هذه المنطقة الحساسة والمهمة والقلقة هما:
الأول: التركيز وبشده على إبعاد الاتحاد السوفييتي عن المنطقة والاستمرار باعتبار ذلك مهم جداً للأمن القومي الأمريكي.
والثاني: متابعة إخراج بريطانيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً من المنطقة والحلول محلها لحماية منابع النفط وطرق الإمداد.
ولتحقيق ذلك تحركت بخطين متوازيين أيضاً هما:
الأول: تمثل بدعم الحكومات في الدول الهامدة سياسياً وتدعيم نظم الحكم فيها مثل دول الخليج وإماراته.
الثاني: إيجاد ما اُطلق عليه شرطي الخليج بعد فشل محاولات احياء حلف السنتو/حلف بغداد…فكان تعاظم دور شاه إيران.
كيف سيتم تحطيم محاولات الاتحاد السوفييتي دخول المنطقة التي استمرت ووجدت لها بعض المواقع هنا وهناك وبالذات في مصر فلا بد من عملية كبرى تهز المنطقة تكون بحجم كارث تستمر في سيطرتها على تفكير الناس والنفوس في المنطقة فكانت كارثة 5 حزيران 1967 التي رُسمت بدقة وحرفة عالية لتكون نقطة الغلت ما قبلها لتطرح أخرى جديدة وهي حدود عام 1967 التي دخلت جديداً على الشرق الأوسط والعالم وهذا الطرح يحتاج الى دعم امريكي كبير وتام وبشكل مباشر وغير مباشر… ما نتج عن هذه الهزة …هذه الكارثة…هذا الزلزال هذا التسونامي سيكون في الجزء التالي.