يرتبط تطور تحالف ( سائرون) بطبيعة المهام التى تواجهها وبقدرة اطرافه في تغذية هذا التحالف بعوامل الحياة المستمرة. يشكل (الصدريون) القوى الاكبر في هذا التحالف ومن ضمن خصائصهم، نفوذهم الواسع وتاثيرهم في اوساط واسعة من الجماهير. أن تنشيط وجرّ الناس الى المشاركة في عمليات الاحتجاج المطلبي او ذو الابعاد السياسية ، يقود – بشكل أو اخر – باتجاه مطلب الدولة المدينة، حيث تصطدم جموع الاحتجاج ومن خلال تجربتهم العملية بجهاز حكومي ومنظمومة سياسية فاسدة وغير وطنية ومتعسفة، تتخذ من الايدلوجية الدينية والطائفية تعبيراً لها وكاشفاً عن حجم الاستبداد الديني بكل اشكاله. لهذا الامر أهميته في ظروف بلد محطم، تتنازعه ارادات وإدرات فاشلة، في ظل محدودية اندفاع الناس للمشاركة في تغير الواقع المريع، وشيوع روح الانتظار والترقب واللاأبالية وغيرها. للحركة الصدرية اشكاليتها الخاصة، تنبع من خصوصيتها. ربما ابرزها عدم تحول ( حزب الاستقامة ) الى حزب سياسي حقيقي لحركتها. بالاحرى افتقادها الى هيكلية محددة، وغيرها من تصورات الاخرى، لست الان في صدد التطرق اليها.
مشاركة الشيوعيون في ( سائرون ) هي اشبه بالمغامرة، التي لو اجادوا ادراتها، باعتقادي ستفتح لهم افاقاً جديدة وجادة لبناء تحالفات اساسها أعادة الهيبة للوطينة العراقية وللمواطنة.
للشيوعيين الحق في خوض هذه المغامرة وهي الان أمراً واقعاً، وللاخرين حقهم المشروع في ابداء المخاوف من هذا الامر أو معارضته، خاصة أن تجربة تحالف الحزب مع قوى كبيرة وبراغماتية، سواء كانت متنفذة او تمسك زمام السلطة كما في الدعم والدفاع عن سلطة الجمهورية الاولى وعبدالكريم قاسم او تحالف الجبهة الوطنية في 1973، قادت الى نتائج كارثية. فما بالك بقوى متناقضة وبراغماتية لاوسع الحدود كالحركة الصدرية.
واقع الحال، هذه هي القوى المتواجدة في الساحة، في ظل ظروف تتواجد فيه أوساط جماهيرية واسعة ، متذمرة ولكن غير مستعدة للمشاركة وللتفاعل مع ما يجري ولأسباب عدة. هذا لا يعني، الخضوع لهذا الواقع ولا يعني أن يبقى الشيوعيون يعلقون امالهم على قوى تهبط من السماء كي يتحالفوا معها؟. خوض غمار الواقع هو الذي يمكن القوى الحية التي تجيد وتبحث وتطور أساليبها، في تلمس الطريق لتغير موازين القوى، مما يفتح أفاق لتغير واقع الحال. كان الافضل لو كان هناك قوى مدنية فاعلة، لكن هذه القوى مازلت لها اشكالاتها الخاصة ولم تستطيع هذه القوى بناء تحالفات حيوية، ويبدو ان سلوك الشيوعيين متناقض الى حد ما في التعامل مع الجبهتين، إذ يحتاج الشيوعيون، كما اعتقد، سياسة رصينة وفعالة أو استراتجية واضحة في التعامل مع التيار المدني او منظمات المجتمع المدني.
هناك أمران يشغلان بال معظم الشيوعيين والديمقراطيين ومناصريهم في الموقف من ( سائرون ):
الاول هو الموقف المستقل للحزب الشيوعي والذي تصاعد بحدة بعد بيان سائرون الاخير.
الثاني وهو مترتبط بالاول وهوالى اي حد، يستطيع الحزب المواصلة أو الانسحاب من هذا التحالف وبالوقت المناسب، دون ان يكون في نهاية المطاف، خالي الوفاض..؟ اي أن يستطيع أن يحرز في المحصلة الاخيرة، ما يعزز هيبته ووجوده بعيداً، عما كان، قد نفذ برنامجه بشكل كامل أو جزئي مع سائرون. بمعني التقييم الواقعي وبدون أية أوهام لفعالية ودور سائرون ودرهم الفعال فيه.
تحالف ( سائرون ) هي الان امر واقع، لكن القلق مشدودً الى قدرة الشيوعيين في ادارة هذه العملية، وهو الوجه الاخر لهذه العملية، وهو امر، ليس سهلاً على الاطلاق في ظل الاوضاع العراقية.
يبدو السؤال مشروعا عن جدية مساعيهم، باتجاه توفير وخلق أو تطوير هذه القدرات أو الكفاءات والاساليب الجديدة والمتنوعة والفاعلة وبشكل عقلاني ومحكم الى حد ما، في خوض وأدارة هذه العملية، بما يسهم بتركيز قواهم باتجاه اهداف واضحة وملموسة وتعزيز سمعتهم ونفوذهم بين الجماهير وكسر الحواجز التي سعت القوى الاخرى فرضها عليهم، وتعزيز ثقة ومصداقية الناس بهم وباختلافهم عن الاخرين وقدرتهم على التصدي والتحدي وغيرها.
يبقى السؤال الاهم وهو موضوع مقالتي هذه: هو، هل هناك موقف مستقل يمكن صاغتية أو متابعته بدون حياة داخلية سليمة..؟
لا تبدو المؤشرات طيبة في هذا الصدد فمنذ البداية شعرت اوساط حزبية عديدة وجماهيرية، بانها اوساط متلقية وليست فاعلة، اي قلما تعرف عما يدور في الكواليس، وبعد الانتخابات اصبحت قضية (سائرون) وما يجري وما حولها، محاطة باسوار. لم يستطيع الهرم الحزبي ولم يسعى، أن يحولها الى حوار فكري سياسي بل على العكس من ذلك إذ هناك امتعاض وتشكيك في كل معارضة أو ملاحظات حول سائرون وكأن البعض يريد أن يحولها الى شباك العباس كما يقال. كان هناك خلل واضح في نظام التواصل على مستوى حياتهم الداخلية او مع أوساط جماهيرهم. زاد في الطين بلّه، الطريقة، التي عرض فيه الحزب مواقفه بعد الانتخابات والتي لم تكن موفقه في حالات غير قليلة. منها مقالات النائبين الشيوعيين بصدد ترشيح عبد المهدي كرئيس للوزراء، جاء بعدها التصريحات والتغريدات الغريبة وكلها بقيت بدون ايضاحات وبدون ردود بما فيها تغردة سكرتير الحزب حول ( الصدر) و(ولي الفقيه) وغيرها.
بقيت ( سائرون ) ودور الشيوعين فيها، في اطار سياسية (النخبة) داخل الحزب ولم تبرز اتجاهات للخروج لافاق أوسع. الوقائع والبحث فيها هي المرآة الحقيقة للبحث عن الحقائق. طريقة التصويت او اجتماعات الكادر وغيرها لا تعني تزكية لهذه السياسية . هناك شحة في توفير هذه الوقائع والتصورات وغيرها.
من الضروري أن يجري تقدير سليم لدور الافكار والملاحظات المعارضة أو المتحفظة لتحالف (سائرون ) وهي أحدى صمامات الامان الهامة لعدم الاندفاع خارج اطار برنامجنا أو برنامج ( سائرون) في حدود المعلن والمتفق عليه. تكتسب المحافظة على هذه المعارضة وصيانتها وتوفير بيئه أمنة لتعبير عن نفسها، أهمية خاصة، سواء كان ذلك، في رأس الهرم القيادي أو في كل المفاصل والبنى الاخرى. تاريخنا محمل بمصادقات وتزكيات لمؤتمرات وأجتماعات موسوعة وغيرها للاجماع على سياسات معنية، منها محطة المؤتمر الثالث وغيرها ولكن الواقع استهزأ بها وحملنا ثمناً باهضاً. نحن لم نتعلم أو لم نمارس بعد رعاية معارضة لفكرة أو سياسية معينة خارج أطار المتعارف عليه لدينا وهو فن وعلم لم نطرق بابه بشكل جاد وفي احيان كثيرة نتحاشاه، في الوقت الذي تتطلب علنية الحزب ومتطالبات تطور الحياة وتطور الحزب كظاهرة اجتماعية حية، السعي لامتلاك ألياته. لم نتعلم إن يتخلي من يقودنا الى الفشل للمعارض له، أو يتخلى عن موقعه. هناك الان انقسام ورغم محدوديته في اللحظة الراهنة، وهو امر طبيعي في انعاطفة في سياستنا وتوجهنا ولكن الخطورة تمكن في العمل على تكريس هذا الانقسام والتواني عن البحث في اساليب للخروج من هذا المنعطف ، هذا الامر يترافق مع صعود غير مسبوق للبيرقراطية الحزبية وبشكلها الجلف والاندفاع نحواساليب غير مجدية ولا يعكس الكثير منها رؤية سليمة لمعالجة هذا الجانب أو غيره. يتطلب أدارة الصراع الداخلي، فن التمكن من اساليبه في الكثير من مستوياته ، ربما ابدو مبالغا، أن قلت بان هناك أزمة تتخمر، ممكن أن تجد ملموسياتها في العديد من الجوانب . هذه الامور وغيرها، لا تتطلب فقط تقييم أوضاعنا وانما خلق وتطوير إرادة جادة للبحث أو لتطوير أساليب الادارة والعمل. هذا الامر لا ينجزه قرار او كونفرس أو أجراءت معينة. هو عمل شاق ويتطلب قدرة ومثابرة ورؤية علمية وأن يكتسب برنامجية واضحة وإعادة تقيم وتجريب وتدريب وغيرها، مما يسهم التاثير ليس في طريقة التفكير وانما في تغير سلوكيات معينة من خلال التدريب والممارسة وخلق ضمانات ومصدات ليس لعدم التراجع عنه فقط وانما لمواصلة تعزيزه وتطويره، بما يضمن دور الحزب الشيوعي، كحزب ثوري، مجدد ومتربط بحياة العراقيين المنكوبين على كل اصعدة الحياة.
هناك ثقة تتلبسني فيما لو توجه الحزب لامتلاك ناصية هذا الامر، سيجد العديد من الاقتراحات والدراسات والمشاريع من الشيوعيين ومحبيهم ومن عناصر مستقلة وخاصة تلك التي عملت في اوربا، تدعم هذا الامر بحيوية.
تبقى ( سائرون ) محطة لاعادة تقيم كل اوضاعنا. هي وبكل نتائجها التي ستوؤل اليه، ستبقى محطة هامة في بناء أو تطوير، قاعدة أو تصورات أو صياغات أخرى، في بناء معارضة مؤثرة، وبالتالى يبقى أمر تدقيق وتطوير أليات هذا الامر، أمراً ذو اهمية خاصة، رغم أن هذا الأمر يحتاج الى أرادة صادقة وجادة وواعية.