جثة مهاجر على شاطئ في جرجيس، تونس، 12 تموز/يوليو 2019. رويترز
أثارت قضية دفن جثث المهاجرين الذين قضوا في حادثة غرق المركب الأخيرة قبالة تونس عاصفة من الجدال، مع اتخاذ بلدية جرجيس قرارا بدفن جزء منهم في قبر جماعي، وامتناع باقي البلديات المحيطة عن استقبال أي من الجثث. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ذكر أن جثث المهاجرين تم نقلها بشاحنات النفايات، ما يلقي الضوء على ضرورة توفير الوسائل الضرورية لمواجهة مثل تلك الحالات.
“ما وقع أثناء انتشال الجثث ونقلها إلى مستشفى قابس ومن ثم البحث عن أماكن للدفن مخجل من حيث التعامل مع الذات البشرية بعد الموت”. بهذه العبارة، اختصر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما حصل بقضية دفن جثث المهاجرين الذين قضوا بالمتوسط قبالة السواحل التونسية.
وفي بيان أصدره المنتدى حول ذلك الموضوع، أشار إلى أنه “يتابع منذ أيام آليات التعامل مع الفاجعة البحرية التي جرت قبالة سواحل جرجيس (جنوب شرقي البلاد)”، والتي أدت إلى غرق العشرات من المهاجرين كانوا على متن قارب انطلق من ليبيا، مبديا خيبته من طريقة تعامل السلطات المحلية مع ملف دفن جثث المهاجرين.
وأثار دفن ضحايا قارب المهاجرين، ومعظمهم من جنسيات أفريقية، جدلا واسعا في تونس، خاصة بعد رفض عدد من البلديات في جنوب شرق البلاد دفنهم لديها. فضلا عن طريقة التعاطي مع جثث الغرقى.
نقل الجثث بشاحنات النفايات
وأكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنه “تم نقل عديد الجثث في شاحنات معدة أساسا لنقل الفضلات (النفايات)، إضافة إلى محاولات عدد من البلديات التخلي عن مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية في إيجاد مكان لائق للدفن”.
كما انتقد المنتدى في بيانه بلدية جرجيس، التي قامت ليلة السبت 13 تموز/يوليو “بدفن جماعي في حفرة واحدة لجثث المهاجرين”، ودعا السلطات إلى تحمل مسؤولياتها في إيجاد مقابر لجثث المهاجرين، بما يحفظ الكرامة بعد الموت ويعطي أملا لعائلاتهم في التعرف على جثث أبنائهم وإعادة دفنها.
وختم المنتدى بيانه مطالبا “بجمع وإدارة المعلومات الخاصة بالمهاجرين الموتى وتسجيلهم في قواعد بيانات مركزية يمكن الوصول إليها من جميع المؤسسات ذات الصلة وتمكن عائلاتهم من معرفة مصير أبنائها”.
رمضان بن عمر، الناشط في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قال لمهاجر نيوز إن نقص الموارد الخاصة بمواجهة تلك الحالات شكل عائقا أمام البلدية، ما أجبرها على نقل الجثث بشاحنات النفايات”. وأضاف بن عمر أن موظفي البلدية غير مدربين على مواجهة هكذا ظروف، “جثث المهاجرين متحللة بفعل مياه البحر والعوامل الطبيعية، العمال لا يعرفون كيفية التعامل معها. ليس لديهم سوى قفازات”.
وأشار الناشط في المنتدى إلى أن “المشكلة هي بعدم وجود استراتيجية وطنية، فالحكومة لا تعرف كيفية التعامل مع هذه الأزمة”.
وحول رفض البلديات المحيطة دفن المهاجرين لديها، قال بن عمر إن هناك بلديات اعتذرت كونها لا تملك مساحات كافية لاستحداث قبور جديدة، كبلديتي قابس وتوجن.
إلا أن السبب الأساسي، حسب الناشط، يكمن في النصوص القانونية التي يجب أن تلزم البلديات بدفن رفات أي كان بشكل لائق. “طبعا هناك الكثير من الروايات التي انتشرت على وسائل التواصل حول رفض البلديات دفن المهاجرين كونهم غير مسلمين، ولكنني لا أستطيع تأكيد ذلك”.
مشكلة مساحة أم اختلاف ديانة؟
شمس الدين مرزوقي، الصياد التونسي الذي عرف بمبادرته الإنسانية بانتشال جثث المهاجرين الغرقى ودفنها على البر، قال لمهاجر نيوز إن الدفن الجماعي قامت به بلدية جرجيس ليلة 13 تموز/يوليو “جاء نتيجة عدم توافر مساحة كافية لاحتواء الجثث”، وأكد أن الهلال الأحمر التونسي كان قد تبرع لبلدية جرجيس في وقت سابق، بقطعة أرض ليتم تخصيصها لدفن المهاجرين الغرقى. إلا أن البلدية لم تستلم الأرض بعد ما أجبرها على “اعتماد مبدأ الدفن الجماعي في المقبرة الحالية”.
وأشار مرزوقي إلى أن عملية الدفن جرت بشكل إنساني ولائق، حيث تم ترقيم الجثث وجمع عينات الحمض النووي منها ليتيسر لاحقا التعرف عليها.
هذا الأمر أكده رئيس بلدية جرجيس المكي العريض، في تصريحات لعدد من وسائل الإعلام المحلية، حيث شدد على أن دفن الجثث تم “في كنف الاحترام للذات الإنسانية”. وطالب رئيس البلدية “الهيئات الدولية بتسخير جميع الإمكانات” لمساعدة بلديته التي تواجه “إحدى أسوأ الكوارث التي عرفتها المنطقة”.
أما في ما يتعلق بنقل الجثث بشاحنات النفايات، فأكد الناشط التونسي ذلك، مشددا على أنه لم يأت من باب عدم احترام الجثث أو أصحابها، “ليس لدى البلدية أي تجهيزات خاصة لمواجهة هذه الحالات الطارئة. يجب على المنظمات الدولية تقديم كل ما يلزم للبلدية لمساعدتها على مواجهة حالات مماثلة”.
وحول رفض بعض البلديات دفن جثث المهاجرين لديها، أكد مرزوقي أن هناك بلديات رفضت “كون المهاجرين ليسوا مسلمين. هناك جدل كبير حول هذا الموضوع الآن. ولكن في النهاية تم دفن الجميع في جرجيس، حيث دفنت الجثث الباقية في المقبرة الجديدة على الرغم من عدم جهوزيتها بعد”.
ورفضت عدة بلديات تونسية، خاصة قابس ودخيلة توجان (جنوب البلاد)، دفن جثث المهاجرين في مقابرها، دون توضيح السبب بشكل رسمي. في الوقت نفسه، أوضح كثير من الناشطين التونسيين عبر مواقع التواصل أن رفض دفن الجثث نابع من كونها تعود لأشخاص غير مسلمين.
بدوره، صرح رئيس بلدية قابس حبيب الذوادي لصحيفة تونسية أن مجلسه البلدي لم يرفض دفن جثث الأفارقة لديانتهم، وإنما لعدم قدرة المقبرة استيعاب عدد الجثث الكبير في يوم واحد.
أما بلدية دخيلة توجان، فقالت على حسابها على فيسبوك مساء 13 تموز/يوليو أن رفض دفن جثث المهاجرين في مقبرتها جاء “بعد التشاور مع مجموعة من المواطنين والمجتمع المدني، إذ تبين اختلاف وجهات النظر حول دفن مجموعة من الغرقى في مقبرة دخيلة توجان”.
وقال الهلال الأحمر التونسي في 13 تموز/يوليو، إن الحصيلة النهائية لأعداد جثث المهاجرين التي تم انتشالها بلغت 82. أما بالنسبة للمهاجرين الأربعة الذبن أنقذهم صيادون تونسيون، توفوا في المستشفى لاحقا.
وتتكرر حوادث غرق سفن الهجرة غير الشرعية قبالة السواحل التونسية القريبة من أوروبا. وقبل الفاجعة الأخيرة، قضى 65 مهاجراً غرقاً، في أيار/مايو الماضي، أثناء توجههم من ليبيا إلى أوروبا بعد انقلاب مركبهم قبالة تونس أيضا.