حين اتصل بي اخي الأكبر فجر الأول من أيلول عام 1997 لينقل لي خبر وفاة والدتي، التي عانت كثيرا من النظام البعثي المقبور بسبب كون لها ثلاثة أبناء شيوعيين، رفضوا الرضوخ لسياسة التبعيث الفاشية، وان يطأطؤوا رؤوسهم بمذلة لنظام العهر الدموي، وغادروا البلاد مضطرين تباعا مشيا على الاقدام عبر الصحراء الى الكويت، لم أبك ساعتها بقدر شعوري بالغضب، فغادرت المنزل لأجري في الغابة القريبة من بيتي حتى عثر علي راكبو دراجات منهارا من التعب عند جذع شجرة.
اليوم، وانا اطالع ما نقلته الاخبار ووسائل التواصل الاجتماعي من صور العظام لأطفال ونساء، في مقبرة جماعية، اكتشفت في صحراء مدينتي السماوة، لم أستطع حبس دموعي واجهشت بالبكاء، وانا اكتب هذه السطور الغاضبة.
قبل أيام، في ذكرى ثورة ١٤ تموز، كتبت مع نشر بوستر للفنان فراس البصري عن المناسبة، هتافا طالما سمعته من ناس أحبهم ” تموز عايش للأبد.. موتوا يا بعثية “، فوصلتني رسائل ومكالمات وهناك من كتب على صفحتي العامة، يطالبني بان اتجاوز هذه اللغة واني ” مثقف” وعلي تجاوز لغة الموت والخ، بل هناك من يذكرني بنيلسون مانديلا وسياسته في التسامح، وهناك من …
يا بشر … حين أعلن مانديلا سياسته في التسامح كانت مقرونة باعتذار الجلادين، ومحاسبة المجرمين. هاتوا لي بعثي واحد اعتذر عما جرى للناس من مآس بسببه أو بسبب حزبه. هاتوا لي مثقف صفق وردح ودجل وغنى وكتب شعرا ـ حتى لو كلمة ــ وقال اعذروني كنت مخدوعا، خائفا، جبانا أو على الأقل كنت أبن كلب!
وانا انظر الى العظام في الصور، واقرا سطور، بعض من اهالي من غيبت عوائلهم بالكامل ــ اقروأ ما يكتبه مثلا الأخ كفاح كنجي الذي فقد عائلته وافراد قرية كاملة من اقربائه ولا يزال يبحث عن عظامهم ـ اريد ان أمزق ثيابي والطم وجه كل من يشفق على أي بعثي حقير، وسأبول على راس كل من يدافع عن بعثي حقير من حملة الفكر العفن الدموي الفاشي الذي خلف أخلاقيات خرا. سأنعل ابو حتى الشريف منهم. وأبصق على كلمة “مثقف” إذا تستر خلفها من صنعوا امجاد الديكتاتور العفن “ابن أم الرجولة”. قولي عني ما شئتم فأنا غاضب جدا الان، لكني في وعيّ الكامل. لن ارحم بشتائمي كل من يفتح بابا للتسامح مع من لا يريد الاعتذار من هؤلاء البعثيين السفلة الذين لبسوا ثوب الدين وثوب الوطنية واندسوا في كل الأحزاب ـ كل الأحزاب!-، وعملوا من أنفسهم ضحايا، ويتباكون أولا الحرام على “الزمن الجميل”. كان المجرم صدام حسين يتنعم في قصوره مع جواريه وخدمه وكنتم أنتم يا أولاد الحرام من ترتكبون الجرائم باسمه وتصنعون أسمه ديكتاتور. فتف على كل من يترحم لكم!
انظر الى هذه العظام وانا احبس دموعي واتخيل هل هي عظام أطفال قرية مراني الذين عرفتهم وعايشتهم، ومزحت معهم واخرجت لهم مسرحية، أطفال قرية مراني: هل هذه عظام زخاروف، زوزك، فيدل، خليل، وفاء، عاصف، خمي، ديمتروف، فؤاد، حبيب، سيتاف، ريناز، زكي، فينوار، رينوار وسلسلة الأسماء طويلة يا أولاد الحرام. إكرمونا بسكوتكم ودعونا نكفف دموعنا بصمت.