بعد نحو تسعة أشهر من الإنتخابات البرلمانية في اقليم كردستان، تشكلت الكابينة التاسعة لحكومة الإقليم التي يترأسها مسرور بارزاني نجل زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، وبمشاركة ثلاثة أحزاب رئيسية هي الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير وبغياب الأحزاب الإسلامية في حالة هي الأولى منذ العام 1992.
وتضم حكومة الكابينة التاسعة للإقليم برئاسة بارزاني الإبن 21 حقيبة وزارية مع أربع هيئات، ذهبت تسع منها إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني مع رئاسة الحكومة ومنصب رئيس ديوان رئاسة الحكومة وهيئة الاستثمار، وست وزارات للاتحاد الوطني الكردستاني مع منصب نائب رئيس الحكومة الذي تولاه قوباد جلال طالباني وثلاث هيئات أخرى.
وحصلت حركة التغيير على أربع وزارات وهذه ثاني مشاركة لها في الحكومة منذ تأسيسها عام 2009، فيما كانت حصة الحزب الإشتراكي الكردستاني بزعامة محمد الحاج محمود وزارة واحدة وهي الشهداء والمؤنفلين، وكذلك الحال مع المكون المسيحي الذي حصل على حقيبة التجارة، بينما حصل التركمان على وزارة اقليم، فيما غابت القوى الإسلامية بعد الإعلان عن اختيارهم لطريق المعارضة وعدم المشاركة في الحكومة الجديدة.
ونتيجة الخلافات العميقة بين القوى الكردية الرئيسية في كردستان على المناصب والمواقع القيادية في الحكومة تأخر تشكيل الكابينة التاسعة برئاسة مسرور بارزاني لأكثر من تسعة أشهر عقب الانتخابات التي أجريت في 30 سبتمبر من العام الماضي.
غياب الإسلاميين
وأثارت عدم مشاركة الأحزاب الإسلامية في حكومة الكابينة التاسعة بكردستان أنظار العديد من المختصين والمراقبين للوضع السياسي في الإقليم، فمنذ انتفاضة عام 1991 وتحرير الإقليم من النظام البعثي البائد والاعلان عن تشكيل أول حكومة كردية عام 1991، شاركت هذه الأحزاب في جميع الحكومات السابقة إلا أنها قررت عدم المشاركة في الحكومة الجديدة في خطوة لاعادة النظر بالكثير من القضايا والمواقف في كردستان لاسيما فيما يتعلق بالعلاقات السياسية مع الأحزاب الأخرى وفي مقدمتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وقرر الاتحاد الإسلامي الكردستاني عدم المشاركة في الحكومة، عقب ظهور نتائج الانتخابات والتي كشفت تراجع عدد أصواته ومقاعده، مفضلاً اللجوء الى المعارضة ربما أملاً في تحسين وضعه في الانتخابات المقبلة عقب تراجع شعبيته الذي أرجعه مراقبون وناخبون الى المشاركة الضعيفة في الحكومة السابقة وتخليه عن المعارضة الصريحة لأخطاء وسياسات الحكومة السابقة وانتهاجه لسياسة وصفت بالقريبة أو الموالية للحزب الديمقراطي الذي يعد الحاكم الفعلي في الإقليم، وجاء قرار الاتحاد الاسلامي بعدم المشاركة في الحكومة الجديدة بعد استطلاع للآراء داخل قواعد الحزب.
بينما غابت الجماعة الإسلامية عن الحكومة الجديدة رغم انها حققت أصوات انتخابية جيدة وحصلت على ذات عدد المقاعد مقارنةً بالانتخابات السابقة ورأى مراقبون للمشهد السياسي بكردستان ان الجماعة استبعدت عن الحكومة بقرار من الديمقراطي الكردستاني لأن مواقف الجماعة المعارضة لكثير من سياسات الديمقراطي الكردستاني في الحكومة السابقة كانت قوية وواضحة.
وحصل الإسلاميون على مناصب وزارية في الحكومات السابقة في كردستان، لكنهم لم يكونوا شركاء في القرار، ويرى بعض المراقبين والنشطاء الكرد ان عدم حصول القوى الاسلامية على مناصب مهمة مرة ثانية في الحكومة الجديدة ربما سيساهم في تراجعهم جماهيراً أكثر لعدم تمكنهم من توفير وظائف لكوادر والتالي تحقيق امتيازات لهم مرتبطة بالجانب المادي على عكس المرات الماضية حيث كانت تلك الاحزاب وفق مقاعدها تضمن تعيين العشرات من كوادرها في مواقع مختلفة.
فيما يرى اخرون ان عدم مشاركة الأحزاب الإسلامية في هذه الحكومة لن يغيّر من واقعهم كثيراً كون هذه الأحزاب كانت ضعيفة التأثير وبعيدة عن المشاركة في القرار ولم تقم بأي تغيير ملفت للنظر على الساحة السياسية في الإقليم خلال الدورات الثمانية السابقة من عمر حكومات كردستان، وقد يفسح عدم مشاركتها المجال أمام الأحزاب العلمانية للعمل بأريحية أكبر بما يضعها أمام تحدي تنفيذ وعودها وبرامجها والمشاريع السياسية التي أعلنتها.
تعدد الأسباب والنتيجة واحدة
مشاركة أي حزب اسلامي في تشكيل أية حكومة أو لجوئه الى سلك المعارضة هو خيار شخصي عائد للحزب ذاته، وما حصل في كردستان خلال تشكيل الحكومة الجديدة بعدم مشاركة أي حزب اسلامي فيها جاء بعد متابعة ودراسة دقيقة من قبل الاحزاب الإسلامية نفسها بعيداً عن تشكيل أي تحالف أو ائتلاف اسلامي معارض كما يذهب إليه بعض، بحسب ما قاله النائب عن الجماعة الإسلامية في برلمان الإقليم هورامان حمه شريف.
وأكد شريف لـ“صباح كوردستان“، ان “ما هو متفق عليه لدى الاحزاب الإسلامية في الوقت الراهن هو عدم المشاركة في الكابينة التاسعة لحكومة الإقليم، إلا أن السبب يختلف من حزب إلى آخر، وليس هناك سبب واحد متفق عليه لدى الأحزاب الإسلامية برمتها، وانما الأسباب تختلف من حزبٍ إلى آخر بحسب التوجه السياسي للحزب ذاته“.
وحصلت الجماعة الإسلامية التي قررت عدم المشاركة في الحكومة والقيام بدور المعارضة في البرلمان على سبعة مقاعد في انتخابات الدورة الأخيرة لبرلمان الإقليم وهو نفس العدد الذي حصلت عليه في انتخابات الدورة الرابعة السابقة.
وينتشر أنصار ومؤيدو الجماعة الإسلامية في مدينة السليمانية والمناطق التابعة لها بالدرجة الأولى، وفي أربيل والمناطق المحيطة بها في الدرجة الثانية، إلا أن مؤيدي هذه الجماعة قليلون جداً في دهوك ومناطق “بادينان” بشكل عام.
وفيما اذا كان عدم مشاركة الأحزاب الإسلامية في الحكومة الجديدة بالإقليم يؤثر على شعبيتها وجماهيريتها في كردستان اثر عدم حصولها على مناصب وامتيازات وظيفية على عكس الدورات السابقة، يقول النائب عن الجماعة الإسلامية في برلمان كردستان: ان العكس هو ما سيحصل اذا “استطاعت الأحزاب الإسلامية أن تشكل جبهة معارضة قوية تتمكن من خلالها متابعة ومراقبة عمل الحكومة وتصحيح مسارها، فبذلك سيزيد من جماهيرية هذه الأحزاب وعدد مؤيديها في الإقليم، لكن لو حصل العكس بالتأكيد سيؤثير ذلك سلباً على شعبيتها داخل كردستان لاسيما في المناطق التي ينتشر فيها أنصارهم بكثافة“.
وبحسب حمه شريف، فان أنصار الجماعة الإسلامية ومؤيدوها يشيدون بخطوة حزبهم في الدخول الى المعارضة، فهم يروون أن قرار عدم مشاركتهم في الحكومة الجديدة بكردستان واتخاذهم طريق المعارضة هو “توجه صحيح وايجابي بدلاً من المشاركة“.
الإلتزام بقرار القاعدة الجماهيرية
وبعد اعلان نتائج الدورة الخامسة لبرلمان الإقليم، وحصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على المرتبة الاولى من بين الاحزاب الكردستانية الأخرى بنيله 45 مقعداً ما منحه أحقية تشكيل الحكومة وقيادتها، زارت وفود من الحزب جميع الاحزاب الكردستانية للتباحث معها حول آلية تشكيل الحكومة الجديدة واقناعها بضرورة المشاركة في الحكومة الجديدة برئاسة مسرور بارزاني.
ومن ضمن هذه الأحزاب التي زارها الديمقراطي الكردستاني وحاول اقناعه للمشاركة في الحكومة هو الاتحاد الإسلامي الكردستاني الذي دخل بقائمة واحدة حملت شعار “نحو الإصلاح” في الانتخابات الأخيرة مع الحركة الإسلامية وحزب الإصلاح والتنمية الاسلاميين، والذين حصلوا مجتمعين على خمسة مقاعد فقط على عكس انتخابات الدورة الرابعة حيث كان تلك الأحزاب تملك 11 مقعداً مما أهّلها سابقاً للحصول على عدة مناصب وحقائب وزارية في حكومة الكابينة الثامنة منها حقيبة الزراعة والعديد من المناصب الأخرى في الحكومة السابقة.
ومع تلك النتائج المخيبة للاتحاد الاسلامي أعلن الحزب عن توجهه الى المعارضة وعدم المشاركة في الحكومة المقبلة، بهدف تصحيح المسار بحسب النائب عن كتلة الاتحاد الإسلامي في برلمان الإقليم سرجنار أحمد التي قالت لـ“صباح كوردستان“، ان “عدم مشاركة الاتحاد الإسلامي الكردستاني في الحكومة الجديدة لم يكن نتيجة اقصائه أو تهميشه او عدم الاعتبار له بعد خسارته لعدة مقاعد برلمانية، بالقرار جاء لتراجع عدد مقاعدنا في البرلمان من جهة وضرورة اجراء متابعة ومراجعة دقيقة وسريعة داخل الحزب، رغم من أن الحزب الديمقراطي الكردستاني طلب منا في أكثر من لقاء ولعدة مرات بضرورة مشاركتنا في الحكومة الجديدة إلا أن قرار عدم المشاركة كان الخيار النهائي والأخير بالنسبة لنا“.
وعن موقف جماهير وأنصار حزبها من عدم مشاركتهم في الحكومة على عكس المرات السابقة، توضح النائب عن الاسلامي الكردستاني ان “جماهير الحزب ملتزمون بقرار قيادة الحزب، خاصةّ ان قرار اللجوء الى المعارضة جاء من القاعدة الجماهيرية بعد استشارة جميع اللجان الفرعية للحزب“، مؤكدةً “رضا قيادة الحزب وأنصاره عن هذا القرار“.
عدم خذلان أصوات الجماهير
وعن سبب لجوء حزبها الى خيار المعارضة في الحكومة وعدم السير على نفس التوجه في البرلمان، وفق ما أعلنه مسؤولون بالاتحاد، توضح أحمد ان “الاتحاد الإسلامي قرر التحوّل الى المعارضة في سلطة الحكومة فقط من بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وسبب عدم اتخاذنا طريق المعارضة في البرلمان يعود الى اننا وصلنا الى قبّة البرلمان بأصوات جماهيرنا الذين صوّتوا لنا، ورداً على ذلك يجب ان نمثل بأحسن ما يكون لتلك الجماهير التي صوّتت لنا وأن لانخذلهم بعد أن منحونا الثقة“، لافتةً إلى أنه “ليس من الضروري أن من يتخذ طريق المعارضة في الحكومة يجب ان يتخذ نفس المسار داخل البرلمان“.
ويمتلك الاتحاد الإسلامي الكردستاني قاعدة واسعة من الجماهير في منطقة “بادينان” الى جانب قاعدة جيدة في السليمانية على عكس الجماعة الاسلامية والاحزاب الإسلامية الأخرى التي تمتلك جماهير واسعة في المناطق التي تتحدث اللغة “السورانية“وبشكل خاص السليمانية.
وأثبتت الإنتخابات السابقة انه عادةً ما تكون أغلب مقاعدة البرلمان للاتحاد الإسلامي الكردستاني من مناطق “بادينان” التي تنحصر بمحافظة دهوك والأقضية والنواحي التابعة لها بالمرتبة الاولى وتتوزع المقاعد الأخرى على مناطق أربيل والسليمانية.
وكان الخبير في القانون الدستوري لطيف شيخ عمر قد علق على الكابينة التاسعة لحكومة الإقليم في تصريحٍ له قائلاً: ان “البرنامج المعلن من قبل رئيس الحكومة الجديدة برنامج جيد وهو الأفضل مقارنةً ببرامج الحكومات السابقة، مضيفاً ان هذه الكابينة قد تكون الأفضل ولها رؤية واضحة من بين الكابينات الحكومية السابقة “لكن المهم في ذلك هو تنفيذ المنهاج الوزاري المعلن“.
تحذير من نتائج الغياب
وفيما اذا كان عدم مشاركة الأحزاب الإسلامية مرةً واحدة في الحكومة الجديدة بكردستان يدل على تراجع ثقلها السياسي والجماهيري في الإقليم، يرى الصحفي الكردي شوان محمد ان عدم مشاركتها حالة مثيرة ولم تحصل على مدى السنوات الماضية بعد انتفاضة عام 1991 “لكن هذا لا يدل بالضرورة أبداً على تراجع ثقلها السياسي بل بالعكس مازالت هذه الأحزاب تحصد أكثر من عشرة مقاعد برلمانية في الانتخابات، وربما يعود عدم مشاركتها الى عدم تطابق برنامج هذه الاحزاب مع برنامج الاحزاب الحاكمة في الوقت الحالي“.
ويضيف محمد في حديثٍ خاص لـ“صباح كوردستان“، ان “الأحزاب الإسلامية تمتلك مساحة واسعة في النسيج الإجتماعي في كردستان، ولها تاريخ طويل في المجتمع الكردي، وعدم مشاركة هذه الاحزاب في الحكومة الجديدة بالإقليم يعود الى انفتاحها وتفهمها أكثر للواقع السياسي في الإقليم“.
وحذر الصحفي الكردي من بعض “التداعيات السلبية التي ستنتج عن عدم مشاركة الاحزاب الإسلامية في الحكومة الجديدة ومقاطعتها للعمل الحكومي على المجتمع الكردي“، متوقعاً “رد غاضب من جماهير هذه الأحزاب في حال اذا كان عدم مشاركتها في الحكومة سينتج عنه تهميشهم أو اقصاءهم“.