دخلت الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ في 7 أغسطس (آب) 2018، ومع بدء تنفيذ هذه العقوبات يطرح هذا التقرير تساؤلًا مفاده: «كيف يستفيد العراقيون من العقوبات الأمريكية على إيران؟» الأسطر التالية تقرأ في حيثيات الموضوع وما هي المجالات التي قد يستفيد منها العراقيون؟

العقوبات الأمريكية وانهيار العملة الإيرانية

مع بدء تنفيذ الحزمة الأولى من العقوبات، شهدت العملة الإيرانية انخفاضًا حادًّا في قيمتها السوقية؛ إذ واصل الريال الإيراني تراجعه أمام الدولار وخسر 20% من قيمته في غضون أيام، ومنذ مطلع العام الحالي، خسر الريال نحو ثلثي قيمته؛ إذ بلغ سعر صرف الدولار 119 ألف ريال، بينما كان يصل سعر صرف الدولار في الأول من يناير (كانون الثاني) 2018 إلى 42.900 ريال إيراني.

https://www.youtube.com/watch?v=T-MOFbyNnL0

هذا الانخفاض في قيمة الريال الإيراني، جعل من أسعار البضائع في السوق الإيراني رخيصة جدًا مقارنة بالدول المجاورة ومنها العراق، وفي هذا الصدد، تشهد الأسواق العراقية في محافظات وسط العراق وجنوبه  تباطؤًا تجاريًا وركودًا اقتصاديًّا بسبب العقوبات الأمريكية على طهران وانخفاض قيمة العملة الإيرانية التومان (يساوي قيمة 10 ريالات وقد اعتمدته الحكومة الإيرانية عملة رسمية بديلًا عن الريال مؤخرًا، بإلغاء صفر واحد من قيمة العملة). ويتوجه الكثير من سكان محافظات وسط البلاد وجنوبها إلى المدن الحدودية الإيرانية للتسوق منها مستفيدين من فرق سعر الصرف بين الدولار والريال الإيراني، وبالتالي الاستفادة من انخفاض أسعار السلع الإيرانية.

منتظر محمد تاجر من محافظة واسط شرق العراق والمحاذية لإيران، يحكي لـ«ساسة بوست» قصة الركود الاقتصادي في المحافظات المحاذية لإيران بسبب انخفاض قيمة التومان الإيراني، ويشير إلى أن كثيرًا من مواطني محافظات البصرة وواسط وميسان باتوا يتسوقون من المدن الحدودية الإيرانية بدلًا من الأسواق المحلية مستفيدين من فرق الأسعار، بحسبه.

بنصف الثمن.. العراقيون يتبضعون من الداخل الإيراني

توجه العراقيين للتبضع من الداخل الإيراني كان له انعكاسات على الحركة الاقتصادية داخل العراق، لكنه في الوقت ذاته وفّر على كثير من العراقيين مصاريف كانوا ينفقونها على التسوق المنزلي والغذائي.

صادق الموسوي أحد مواطني محافظة ميسان يتحدث لـ«ساسة بوست» عن كيفية التبضع من الداخل الإيراني، ويقول: «كل أسبوع نسافر إلى المدن الحدودية الإيرانية، فإجراءات السفر والتنقل بين البلدين سلسة، تذهب للتبضع وتسوق مواد غذائية ومنزلية، فالمائة دولار الآن تكفي -بعد انهيار التومان الإيراني- لشراء مواد غذائية تكفيني في العراق لمدة شهر، بينما في العراق لا تكفي المائة دولار هذه مؤونة أسبوعين».

وبرغم أن تسوق العراقيين من إيران أثر سلبًا على المنتوج المحلي العراقي، وخاصة منتجات الألبان والمواد الغذائية المصنعة محليًّا، إلا أن المستهلكين يفكرون في مصالحهم بالدرجة الأولى، فيقول عبد الكريم الشويلي، صاحب شركة البرق للتجارة المحدودة في العراق والتي تتخذ من البصرة مقرًا لها، في حديثه لـ«ساسة بوست» إنه ما لم تتخذ السلطات الجمركية في العراق إجراءات جمركية صارمة تجاه تسوق العوائل العراقية من الداخل الإيراني، فإن كثيرًا من الوكالات التجارية ستضطر إلى إغلاق أبوابها بعد أشهر، مشيرًا إلى أن ذلك سيفقد الكثير من العاملين لوظائفهم ما سيؤثر سلبًا على معدلات البطالة في البلاد والمرتفعة أصلًا، بحسبه.

العراق يوقف استيراد السيارات الإيرانية

شملت العقوبات الأمريكية على إيران، قطاع صناعة السيارات الإيرانية أيضًا، وإثر فرض العقوبات، أوقفت الحكومة العراقية استيراد السيارات الإيرانية، وذكرت مصادر صحافية نقلًا عن مسؤول عراقي قوله إن: «بلاده ستمتثل للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، واتخذت قرارًا بوقف استيراد السيارات الإيرانية».

وفي هذا الصدد، يقول محمد نجيب الذي يعمل في مجال استيراد السيارات، في حديثه لـ«ساسة بوست» إن إيقاف استيراد السيارات الإيرانية سيؤثر بشكل مباشر على المديرية العامة لصناعة السيارات في العراق والتي تعمل إحدى فروعها على تجميع السيارات الإيرانية، ما سيؤدي إلى فقدان بعض العمال لوظائفهم، إلا أنه وبحسب نجيب فإن منع استيراد السيارات الإيرانية سيؤثر بشكل إيجابي على سلامة السائقين، إذ يشير الى أن السيارات الإيرانية تفتقد لأبسط عوامل السلامة المعمول بها عالميًّا؛ مما يتسبب في إصابة عشرات العراقيين.

نجيب أيضًا أشار في حديثه لـ«ساسة بوست» إلى إن أغلب السيارات الإيرانية المباعة في العراق هي من نوع «سايبا» و«طيبة» وهي باهظة الثمن مقارنة بجودتها، إذ يقارب سعرها سعر السيارات الصينية ذات الجودة الأعلى وبعض السيارات الكورية الصغيرة، مشيرًا إلى أن سعر سيارة السايبا يبلغ قرابة 10 آلاف دولار وهو مبلغ مرتفع جدًا مقارنة بجودتها وعوامل الأمان فيها، بحسبه.

انتعاش سياحة العراقيين في إيران بعد انهيار التومان

لا تقف استفادة العراقيين من انهيار العملة الإيرانية عند التبضع فقط، فقد شهدت الأسابيع الماضية انتعاش السياحة في إيران، إذ تعدّ المدن الإيرانية الوجهة المفضلة لعدد كبير من السياح العراقيين، مستفيدين من انخفاض سعر صرف التومان الذي شجع بدوره على تزايد إقبال السياح.

وكان المجلس المحلي لمدينة بدرة في محافظة واسط المحاذية لإيران،  قد أعلن عن مغادرة نحو 10 آلاف عراقي يوميًّا إلى إيران عبر منفذ زرباطية لقضاء شهر رمضان في إيران، وأكد المجلس أن إدارة المنفذ الحدودي تعمل على مدار الساعة لتسهيل إجراءات سفر العراقيين، منوهًا إلى أن غالبيتهم من العائلات والشباب، وكان كثير من المسافرين قد دعوا في وقت سابق الى إلغاء تأشيرة الدخول لتسهيل السفر بين البلدين.

تتعدد أشكال السياحة التي يقبل عليها العراقيون في إيران ما بين سياحة ترفيهية وأخرى جنسية؛ إذ نشر موقع «خبر أونلاين» الإيراني التابع للإصلاحيين، تقريرًا تحدث عن إقبال زائرين عراقيين على السياحة الجنسية في مدينة مشهد ذات الطابع الديني بمحافظة خراسان شمال شرق إيران والتي تضم مزار علي بن موسى الرضا الإمام الثامن لدى الشيعة الاثني عشرية. وأوضح التقرير الذي نشر في 20 أغسطس (آب) 2018 ، أن نسبة الخدمات الجنسية السياحية التي تقدم مقابل المال شهدت ارتفاعًا مطردًا في مدينة مشهد الإيرانية ذات الطابع الديني؛ إذ يتوافد زوار أغلبهم عراقيون للإقبال بشكل متزايد على تلك الخدمات.

التقرير أضاف أن معدلات دخول السياح من العراق إلى إيران ارتفع بنسبة 90% منذ تدهور العملة الإيرانية، مما خفّض من تكلفة الخدمات السياحية للأجانب، مبينًا أن الرجال العراقيين العزّاب وغيرهم يأتون إلى مدينة مشهد بدون عائلاتهم لـ«زواج المتعة»، وهو الزواج الذي يعده المذهب الشيعي حلالًا.