كشف تقرير صحفي، اليوم الأحد، عن أبرز نقاط الخلاف حول مقترح إنشاء «المنطقة الآمنة» على طول الحدود السورية – التركية ضمن أراضي غربي كوردستان (كوردستان سوريا).
وأشار تقرير نشرته صحيفة ‹الشرق الأوسط› اللندنية في عددها الصادر اليوم، إلى أنه ما إن انتهت المحادثات الأخيرة للوفد الأميركي برئاسة السفير جيمس جيفري مع المسؤولين الأتراك في أنقرة قبل أيام، إلى الفشل، حتى ذهب كل طرف إلى الميدان بحشد قواته وفصائل موالية له على خطوط التماس. أنقرة تريد الضغط على واشنطن، والأخيرة تريد «ردع» الجيش التركي.
وكان مصدر كوردي سوري مطلع، قد أكد السبت، أن استعدادات جدية تجري على جانبي الحدود بين الوحدات الكوردية والجيش التركي، لافتاً إلى تصاعد حدة توتر في المنطقة برمتها.
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته لـ (باسنيوز)، إن «الوحدات الكوردية تقوم بحفر الخنادق في تل أبيض/ كرى سبي ورأس العين / سرى كانيه على الحدود مع تركيا»، مضيفا أن «الجانب التركي يقوم بالإجراءات نفسها على الحدود مع المناطق الكوردية في سوريا».
المصدر أشار إلى أن «التحركات التركية على حدود غربي كوردستان (كوردستان سوريا) ازدادت بالفترة الأخيرة وخاصة من طرفي تل أبيض/ كرى سبي ورأس العين / سرى كانيه».
ولفت المصدر إلى أن «هناك استعدادات جدية من الطرفين وربما هذه المرة التهديدات التركية حقيقية أكثر ما هي إعلامية أو دعائية» مشيراً إلى تصاعد حدة التوتر في غربي كوردستان.
ويذهب تقرير ‹الشرق الأوسط› إلى أن الجولة الأخيرة من المفاوضات كشفت عمق الفجوة بين موقفي واشنطن وحلفائها في قوات سوريا الديمقراطية (تشكل الوحدات الكوردية نواتها) من جهة وأنقرة من جهة أخرى إزاء إقامة «منطقة أمنية» شمال شرقي سوريا وبدرجة أقل حول تطبيق «خريطة الطريق» في منبج شمال حلب.
بالنسبة إلى «المنطقة الأمنية» التي اقترحها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال اتصال هاتفي نهاية العام الماضي، هناك عقد تتعلق بعمقها والسيطرة عليها ومصير «وحدات حماية الشعب» الكوردية، المكون الرئيسي في «قوات سوريا الديمقراطية». وهنا مواقف الأطراف من كل عقدة:
عمق «المنطقة الأمنية»:
تطالب أنقرة التزام تعهد الرئيس ترمب لنظيره التركي بأن يكون العمق 20 ميلاً ما يعني بين 30 و35 كلم على أن تمتد على طول الحدود من جرابلس على نهر الفرات إلى فش خابور على نهر دجلة قرب حدود العراق.
لكن واشنطن، أبدت استعدادها لمنطقة بعمق خمسة كيلومترات مع احتمال قبول عمق 14 كيلومترا في بعض المناطق شرط الالتفاف على بعض المدن والمناطق الكوردية وألا تشمل قامشلو وألا تمتد في شكل كامل بين جرابلس وفش خابور، في وقت تتمسك قوات سوريا الديمقراطية بعمق خمسة كيلومترات فقط، وتشترط عدم ضم أي بلدة أو مدينة ذات غالبية كوردية. ويعني موقف واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية التمسك بعمق خمسة كيلومترات نسخ اتفاق أضنة بين دمشق وأنقرة للعام 1998 الذي سمح للجيش التركي بملاحقة حزب العمال الكوردستاني بعمق خمسة كيلومترات شمال سوريا.
مصير الوحدات الكوردية:
تطالب أنقرة بإخراج عناصر الوحدات الكوردية من «المنطقة الأمنية»، إضافة إلى إخراج جميع السلاح الثقيل الموجود في المنطقة الذي قدمه التحالف الدولي ضد داعش إلى حلفائه العرب والكورد في قوات سوريا الديمقراطية. ووافقت واشنطن على إبعاد الوحدات الكوردية وأنواع محددة من السلاح الثقيل. وقال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية: «سنسحب كافة الأسلحة الثقيلة التي يصل مداها إلى داخل تركيا، مثل المدافع والدبابات، حتى إننا نمتلك أسلحة يصل مدى رميها إلى 20 كلم، سنسحبها هي أيضاً إن كانوا (الأتراك) يقولون بأنها تشكل تهديداً».
وقال مصدر كوردي سوري لـ (باسنيوز) في وقت سابق، إن مباحثات المنطقة الآمنة تراوح مكانها وليس هناك تقدم فعلي ملموس فيها نتيجة لاختلاف رؤية الطرفين التركي والأمريكي كليا حيالها.
مضيفاً بالقول: «لا يزال الطرف التركي متمسكا بصيغته ويسعى إلى ضرورة إدارتها من قبل القوات التركية وحدها وتطالب بإعادة جميع اللاجئين السوريين إليها، مع القضاء على وحدات حماية الشعب وجمع أسلحتهم الثقيلة كلها التي يزعم الأتراك أنها تمثل تهديدا لأمنها القومي».
المصدر أشار إلى أن «الجانب الأمريكي يريد الحفاظ على حلفاءها المحليين في سوريا وحماية الكورد من التهديدات التركية التي سترتقي إلى مجازر بحق الشعب الكوردي إذا سيطرت القوات التركية وفصائلها من السوريين على هذه المنطقة»، مردفاً «تجربة عفرين شاهدة وماثلة أمام أعين الجميع».
وأوضح المصدر، أن «التحالف الدولي يسعى إلى إبقاء الوضع في شمال شرق سوريا كما هو دون إحداث تغييرات كبيرة فيها خشية إسهام ذلك في إعادة إحياء داعش والتطرف»، مبيناً «كذلك لمنع ايران من استغلال الفرصة والتمدد في المناطق الجنوبية منها وبذلك تذهب جهود التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب والتمدد الإيراني في سوريا سدى وتعود المنطقة إلى حالة الفوضى السابقة أو ربما أكثر تأزما».
السيطرة على «الأمنية»:
تطالب أنقرة بدور رئيسي للجيش التركي وإمكانية التوغل وملاحقة «الإرهابيين»، فيما تقترح واشنطن إقامة دوريات مشتركة على الحدود السورية – التركية كما هو الحال في أطراف منبج مع بقاء السيطرة الجوية للتحالف الدولي ضد داعش.
من جهتها، تطالب قوات سوريا الديمقراطية بدوريات من قوات محايدة. وقال عبدي: «يجب أن تكون هذه القوات الدولية من ضمن التحالف الدولي أو من قوة دولية أخرى، فالدولة التركية هي طرف في مسألة الحدود هذه ونحن نطالب بجهة حيادية».
تريد أنقرة أن تكون إدارة المناطق في «المنطقة الأمنية» لأهلها بحيث تكون القيادة عربية في المناطق العربية وكوردية في المناطق الكوردية من دون هيمنة للوحدات، الأمر الذي توافق عليه واشنطن. لكن هناك خلافا في تفسير «السكان المحليين». من جهتها، تقول قوات سوريا الديمقراطية بأن «القوات المحلية تعني أن تكون من أهالي وأبناء كوباني (عين العرب) وسري كانيه (رأس العين) وقامشلو (قامشلي) وكري سبي (تل أبيض) وصولاً إلى ديريك (المالكية)».
منبج:
قياساً إلى العقد في إقامة «المنطقة الأمنية»، تبدو الخلافات إزاء تطبيق ما تبقى من «خريطة منبج» أقل عمقاً. وتقول أنقرة بضرورة إخراج ألف عنصر من الوحدات الكوردية إلى شرق الفرات وتشكيل مجلس مدني جديد بدل المجلس الحالي وتسيير دوريات مشتركة عبر حدود التماس، فيما تقول واشنطن بأن عناصر الوحدات خرجوا من منبج وأن الموجودين هم مقاتلون محليون وأن المجلس المحلي منتخب ويمثل أهالي المنطقة. وقال عبدي بدوره: «خروج تركيا من عفرين شرط أساسي لقبولنا بمشاركة تركيا في دوريّات مراقبة الحدود».
وبعد انتهاء المحادثات الأميركية – التركية من دون اختراق، واصلت أنقرة تصعيد موقفها سياسيا وحشد قواتها وفصائل موالية على الحدود. وفتح الجيش التركي ثغرات قرب الحدود في مناطق مقابلة لتل أبيض وأبلغ فصائل سوريا معارضة بالاستعداد لمعركة شرق الفرات. كما حشدت قواتها على أطراف منبج.
في المقابل، زار قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي شرق الفرات كما عزز التحالف دورياته في تل أبيض ومدن كوردية ومناطق أخرى لإيصال رسال عدة بينها «ردع» تركيا.
أمام الحشد العسكري، الأميركي والتركي، شرق الفرات واستمرار التصعيد السياسي بعد فشل المحادثات حول «المنطقة الأمنية» و«خريطة منبج» وسط بيئة من التوتر بين واشنطن وأنقرة حول صفقة إس 400 الروسية وملفات داخلية تركية وإقليمية تخص إيران والعراق، لا تزال العلاقة الشخصية بين ترمب وإردوغان «تضبط إيقاع» التوتر.