أقرّ الكنيست الأسرائيلي قانون القومية في 10-5-2017 بأغلبية 48 صوت ومعارضة 42 في القراءة التمهيدية الأولى ، يتكون القانون من 15 بنداً ينص على أن دولة أسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي وفيها حق تطلعهِ لتقرير المصير أستناداً إلى تراث وتأريخهِ الثقافي وتغافل المشرع الشوفيني أن الوجود اليهودي الأستيطاني طاريء حديث جاء بسياق حركة كوليونالية عنصرية متحالفة مع حركة الأستعمار ، وأصل القانون أبتدأهُ تحالف اليمين الأسرائيلي في عام 2011 والذي يسمى ب( المعسكر القومي ) والذي يشكل الحكومة الأسرائيلية اليوم بقيادة ( بنيامين نتنياهو ) والدولة في نظرهم يهودية في جوهرها وشكلها ديمقراطية يهودية سن القانون يكرس يهودية الدولة دستورياً أنسجاماً مع التوجه ذي السمات الفاشية في الكنيست الذين أصدروا عشرات القوانين العنصرية بتأييد من المعسكر القومي ومن أحزاب الوسط واليسار الصهيوني ، وقد أستهدف القانون العرب الفلسطينيين المواطنين في أسرائيل وكذا الجمعيات والمؤسسات الأسرائيلية ذات الطابع المدني اللبرالي المعارض للسياسات العنصرية والمتشددين الذين يدعون دوماً على تكريس يهودية الدولة ، وتنص صيغة قانون القومية على كون أسرائيل الوطن القومي للشعب اليهودي ، وأن حق ممارسة تقرير المصير ستكون للشعب اليهودي فقط وأعتبار اللغة العربية لغة رديفة ليست اللغة الرسمية للدولة ، وينص على أن اللغة العبرية لغة رسمية للبلاد وفي القراءة الأخيرة تبنى القانون تأييد 62 صوت مقابل 55 صوت .
كان بداية تشريع القانون في أب 2011 قدم رئيس جهاز المخابرات العام وعضو الكنيست ( أبراهم آفي ) وعضو الكنيست الآخر (زئيف إلكن )من حزب الليكود وشارك في أعداد صيغته وديباجته ونصوصه حركة ( زو أرستينو) اليمينية المتطرفة التي تضم عصابات القتل والأبادةتمكنوا من جمع تواقيع 40 نائباً من معظم الأحزاب الصهيونية كان من بينهم أعضاء من حزبي كاديما والعمل .
على كل حال هناك عوامل ساعدت على ولادة قانون القومية منها : فوز ترامب للرئاسة الأمريكية وهو عراب الفتنة الأسرائيلية في نقل سفارة بلاده إلى القدس ربما دفعت أسرائيل للأستقواء به والعامل الآخر ظهور أتجاهات تعزيز فكرة أقامة أقاليم وكيانات على أساس عرقي أو ديني في المنطقة العربية كما هو في العراق وسوريا ربما كان دافعاً قوياً لأسرائيل في تبني قانون قوميتها ، وعامل آخر أن مؤسسي ومروجي القانون أستقوو بأستذكار وعد بلفور الذي نص في ديباجته : { لأسرائيل الحق في أقامة دولتهم في فلسطين} وكان أنتقاصاً لحقوق الطوائف الغير يهودية المقيمة في أسرائيل وبالتالي أن القانون – حسب أعتقادي – سوف يلاقي معارضات في الداخل والخارج حسب ما جاء في أستطلاعات الرأي أن 67% يرفضون جملة (لأسرائيل الحق في أن تعرف نفسها بالدولة القومية للشعب اليهودي) و69% من المسلمين و78% من المسيحيين و53% من الدروز ، ومن أسباب ظهور هذا القانون كذلك التخبط والتضارب في السلوك والمواقف السياسية للنخبة الفلسطينية والتلاعب في مصير الثوابت في مفهوم الدولة والسلطة والمقاومة واللاجئين ، وقد تكون حركة حماس المتشددة في أدخالها الدين الأخواني في مفهوم الوطنية الفلسطينية وهوالضياع بعينهِ ، وتهاون الأسرة الدولية وأزدواجيتها وخصوصا في جمعيتها الغير حيادية في التعامل مع الأحتلال وأغتصاب الأرض ، وأزدياد توطين العلاقات الدبلوماسية والأعتراف بها وخاصة من بعض الدول الخليجية ، وربما تشرذم الواقع العربي وتآمره التأريخي على القضية الفلسطينية ، وتشظي الواقع الفلسطيني وعلى مستوى القيادة حتى آيديولوجياً الفتح الديمقراطي وحركة حماس المتشددة ، نمو اليمين الأسرائيلي وأستقوائه بالنمو المطرد والمتزامن لليمين المتطرف الغربي
خطورة قانون القومية وتداعياته
– أنهُ يخلُ بالتوازن الحساس القائم بين يهودية الدولة وديمقراطيتها الأسرائيلية ، ويضع مبدأ يهودية الدولة في قمة سُلمْ الشرعنة المقننة دستورياً ، والهوس الأثني يدفع بصقور العنصرية أن تعتقد أنها لحظة حاسمة في تأريخ دولة أسرائيل لتكريس لغتها ونشيدها وعلمها ، وبأعتقادي أن الدولة اليهودية تتصرف كحركة تهويدية وكوليانالية تواصل تهويد الأرض وسلب حقوق أصحابها الأصليين فهو أبارتهايد بأمتياز في أعلان الفصل العنصري ، في شطب حق العودة للفلسطينيين تحت قوة فرض يهودية الدولة فهي تحاول التنكيل بالشعب الفلسطيني لدفعهم لمغادرة البلاد بفعل التمحور الأثني والضغوط المفروضة عليهم في مجالات عديدة .
– أستثناء العرب الأسرائيليين الذين يشكلون 5-17% من أجمالي السكان ووجود 13 نائب عربي في الكنيست الأسرائيلي يعني موت الديمقراطية ، حيث لا يطلب القانون من الدولة الحفاظ على ثقافة العرب المواطنين فيها وتراثهم وأنما تترك هذه المهمة للمواطنين أنفسهم ، ويعتبر القانون تسوية ونسف وعدم أعتراف بالشعب الفلسطيني أصلاً وهم السكان الأصليون حتى وأن حمل البعض الجنسية الأسرائيلية أو سكان المناطق المحتلة عام 1967 .
– أن الكنيست نجحت في قوننة الأبارتهايد apartheid الفصل العنصري القائم على النبذ والتهميش والأقصاء والألغاء والأحتقاروالتفرقة في الخدمات وقد ترقى إلى القمع والقتل والأبادة لكون أسرائيل تستعين بالقوانين وقوّة السلاح فمنظومتا القانون المنفصلتان السائدتان في الضفة الغربية لهو أكبر مؤشرلمفهوم الفصل العنصري قانون مدني لليهود وقانون عسكري للفلسطينيين أضافة إلى أنفصال البنى التحتية الطرق والماء والكهرباء العالية الجودة والخاضعة للتطوير والحداثة والموسعة لليهود وتبقى المحددة والمنسية ذات النواقص للفلسطينيين المحكوم بنظام( التصاريح) بمعنى أن الأبارتهايد يحكم الضفة الغربية ، ويؤكد القانون حق تقرير المصير للشعب ليهودي فقط وغمط حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وتراثه وتأريخه بالوقت الذي يعتبر القانون مبدأ الأستيطان حقاً شرعيا لليهود فقط ، ثم تأريخ العصابات الأسرائيلية شاهد تأريخي على حقيقة أرهابيتها في أبادة الشعب الفلسطيني للتذكير فقط : مجزرة حيفا 37 مجزرة القدس 37 مجزرة باب العمود 47 مذبحة دير ياسين 48 مذبحة خان يونس 56 مذبحة الحرم الأبراهيمي 94 مجزرة جنين 2002 مجزرة صبرا وشتلا 82 قصف غزه 2008 عقود من التقتيل المستمر وآلاف قتلى ومعوقين واسرى على يد عصاباتها الأرهابية الأنسل وليحي والأرغون وشتيرن .
– الغاية من سن القانون هو السعي إلى حسم التناقض البنيوي القائم في مقولة ( دولة يهودية ديمقراطية ) حيث يهدف القانون إلى تكثيف الآيديولوجية الصهيونية في أرساء أدلجة اليمين القومي المشرعن بقانون دستوري كالذي ظهر اليوم إلى حيّز التطبيق رسمياً لأنهُ يدعو إلى أجهاض أي نزعة مدنية ترمي للوصول للدولة المدنية ، ويضع القانون سقفاً لتطلعاتهم وشروطاً للممارسة اللعبة، الديمقراطية الأسرائيلية في تكريس يهودية الدولة لأن حيثيات القانون تتحدث عن أرض أسرائيل ( التوراتية ) وليس أسرائيل 1947 بأعتراف الأمم المتحدة ، وأنهاء التسويات حول القضية الفلسطينية وتبرز مبدأ القومية اليهودية وليس الدين اليهودي
– أغراء الأقليات في المنطقة العربية من التوجه إلى نفس الهدف بأقامة كيانات شبيهة وبالتالي حدوث صراعات أهلية مشفوعة بأنقسامات في ذات المنطقة العربية كنموذج طموحات الكرد في العراق وسوريا إلى التأقلم القومي .
– ويعتبر القانون دعوة لليهود المتشرذمين في شتى أنحاء العالم بالعودة تحت يافطة ( لم الشتات ) ونكران هذه الدعوة على الشعب الفلسطيني المشتت اليوم ، أبجديات قانون القومية تقوية لمبدأ الأستيطان وتكريسه على عموم جعرافية أسرائيل المغتصبة وجاء مطابقاً للعقيدة اليهودية: ( أن أرض أسرائيل هي الوطن التأريخي للشعب اليهودي وأن دولة أسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي وأن القدس الكاملة والموحدة عاصمة دولة أسرائيل .
– أن صدور القانون الأسرائيلي تحدي للقوانين الأممية الدولية فقرار الأمم المتحدة رقم { 3379 } في العاشر من نوفمبر 1975 الذي نصهُ : ( أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري ) فهو تشويه للتأريخ وآنتهاك صريح للشرعية الدولية ، وربما تُفتحْ جبهات ضد هذا القانون العنصري الأثني من الرأي العام الغربي بتهمة العنصرية ولكن هذا لن يغيّر من حقيقة الدستور العنصري الغير مكتوب ، وسوف تضطر إلى أجراء بعض التعديلات عليه لأسباب ليست داخلية بل آخذين على عين الأعتبار العوامل الخارجية
كاتب ومحلل سياسي عراقي مغترب
في السابع من آب 2018