توجد في سلطنة عُمان ثلاثة مذاهب متعايشة مع بعضها بدون صراع أو تكفير هي (الإباضية، الشيعة، السنة)، لكن لا توجد جوامع مخصصة لمذهبٍ دون غيره والفرد العُماني يصلي في أي مسجدٍ يشاء ووراء أي إمام جماعة بغض النظر عن مذهبه، بمعنى أنهُ قد يكون الإمام إباضياً ويصلي خلفه الإباضية والشيعة والسنة، وبالعكس، دون أن يشعر المصلي أن صلاته غير صحيحة أو يجب إعادتها، انها صلاة موحدة حقيقية بدون دعوة من أي جهة كانت.
بينما في العراق حصلت الكثير من الدعوات ومن مختلف الجهات للصلاة الموحدة بين الشيعة والسنة، لكنها صلاة بين مذهبين يعتقد كل منهما أنه (المذهب الحق) وأنه (الفرقة الناجية) الوحيدة والمذهب الآخر (مذهب الظلال)، وبعد أن يتم تصوير الصلاة وينتهي البث المباشر يعيدون صلاتهم فرادى أو في بيوتهم لأنهم لا يعتقدون بصحة صلاة إمام الجماعة المختلف مذهبياً!
لماذا يختلف الوضع في عُمان عنه في العراق؟
توجد أسباب عدة جعلت التعايش والتسامح في عُمان حقيقة واقعة، منها:
أولاً: طبيعة الشخصية العُمانية المسالمة والمتسامحة وغير المتعصبة والتي تقبل الآخر مهما كان دينه ومذهبة، بل من غير المستساغ إجتماعياً سؤال أي شخص عن دينه أو مذهبه.
ثانياً: شرّعت السلطنة قوانين مشدّدة ضد كل من يثير النعرات الطائفية ونشر الكراهية في البلد تصل عقوبتها إلى السجن لأكثر من (10) سنوات، ويحظر القانون كل أشكال التمييز على أساس الدين أو المذهب.
ثالثاً: تشجع المناهج التعليمية الوحدة بين المذاهب وتحارب الانقسامات المذهبية، وتقتصر موادها على موضوعات عامة ومشتركة بين المذاهب، ولا يتدخل المعلم في القضايا السياسية أو الدينية أو المذهبية ويُعاقب المخالف.
رابعاً: يغلب الإعتدال على علماء الدين في السلطنة ولا تصدر منهم فتاوى تكفر الآخر، ولا يشترطون أن يكون الإمام من مذهب بعينه لتجوز الصلاة خلفه، بل حتى أساتذة كلية العلوم الشرعية من مذاهب مختلفة وليس من مذهب الأغلبية الإباضية فقط.
خامساً: يعمل الإعلام العُماني على نشر قيم الإعتدال والوسطية ويبث برامج تركز على المشتركات الإنسانية ولا يسمح بوجود منابر طائفية، ولا وجود لمناظرات بين أشخاص يحاولون إثبات أن مذهبهم هو الصح والآخر المختلف هو الخطأ بدلاً من البحث عن مشتركات تسهل التعايش بين الناس.
سادساً: سياسات الدولة التي لا تفرق بين المذاهب، وخاصة في الوظائف العامة، فالمعيار الوحيد هو المواطنة وعدم التمييز بين العُمانيين، وقد صرح أحد المسؤولين بقوله: «العلاقة بين الإنسان وخالقه علاقة شخصية وخاصة لا دخل للدولة بها، وليس من حقها أن تفرض التديّن على الناس».
نعم فأن أهم واجبات الدولة هي: الدفاع عن البلد وتشريع القوانين وفرض الأمن وتوفير الخدمات، وليس من بينها إدخال الناس إلى الجنة!
هل هذه الأسباب توافرت في العراق؟
أنها المقدمات الصحيحة التي تؤدي إلى نتائج صحيحة، فقد أنتجت مجتمعاً متجانساً متعايشاً مع بعضه يقبل الآخر كما هو ويمارس الصلاة الموحدة بشكل يومي وعن قناعة تامة بدون توجيه، رغم الاختلافات الموجودة في الصلاة من كيفية رفع اليدين في تكبيرة الإحرام إلى التسليم، لكن بعد انتهاء الصلاة لا تجد مَنْيتفلسف على الآخر أو يدعي صحة فعله دون الآخر.
أما في العراق فلا يوجد تأثير لهذه الصلوات ولم تحقق الفائدة المرجوة منها في التقريب بين المذهبين ولا أقول الوحدة بينهما، لعدم وجود الأسباب التي أشرت إليها في النقاط أعلاه، ولهذا بقي الوضع كما هو عليه، بل وصل الحال إلى أن اتباع مرجعٍ ما لا يصلّون وراء إمام جماعة يتبع مرجع آخر ضمن المذهب الواحد!فعن أي صلاة موحدة يتحدثون؟
إذن الصلاة الموحدة على الطريقة العراقية تدل على وجود المشكلة وتعمقها، انها ليست حلاً ابداً، وقد أصبح الهدف منها إعلامي فقط وليس ديني أو وحدوي، فالمسلم العراقي، مهما كان مذهبه، رازح تحت إرث ضاغط من الفتاوى التي تراكمت عبِر السنين وبالتالي لا يستطيع أن يتوحد مع الآخر المختلف مذهبياً، وعلى كل حال فهو يعتقد عن قناعة راسخة أنه وحده وليس غيره (الفرقة الناجية)، وبالنهاية ليس مضطراً لتقديم تنازلات لمذهب يعتقده على خطأ، ونسى أن الجنة «عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ» وتتسع للجميع.
إذن ما الحل؟
الجواب: أبحث عن عُمان.