جراحات جرائم الأنفال عميقة وتكشف النقاب عن وحشية وشوفينية منفذيها وسوء أدبهم وضحالة أخلاقهم. كما تأبى الإندمال، وآلامها لا تفارقنا في الحل والترحال، ودماء المؤنفلين مازالت تنزف، والأرواح الطاهرة للشهداء تقول :
((كان نصيبنا من الشراكة في العراق، الجينوسايد والأنفال والقصف بالأسلحة الكيمياوية والتعريب والترحيل والتهجير، وتدمير أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة قرية آمنة، وجرائم القتل الجماعي بحق اكثر من 182 الف شخص، وتغييب 12 الف كوردي فيلي و 8 الاف بارزاني في (31/7/1983)، و قتل خمسة الاف برىء في القصف الكيمياوي على هلبجه)).
بعد إنتفاضة عام 1991، وفي سبيل فتح صفحة جديدة، زارت القيادات الكوردستانية بغداد أكثر من مرة، والتقت هناك بقتلة شعبنا ومجرمي البعث، ولم يستلم من كانوا على رأس السلطة هناك تلك الرسالة الراقية التي أرسلت لهم من قبل شعب كوردستان، بل إستمروا في تجاوزاتهم وإجرامهم.
وفي عام 2003، شارك الكورد بفاعلية وقوة في إسقاط نظام القمع والإجرام، وكانوا يأملون العيش في عراق جديد مبني على أسس دستورية وديمقراطية، يتنعم فيه الجميع بحقوق متساوية على أساس المواطنة، وساهموا في صياغة دستور جاء في ديباجته، وبشكل صريح وواضح، (ان الالتزام بمبادئه وبنوده هو مفتاح بقاء العراق بشكل موحد)، لكن أحدهم، ويدعى نوري المالكي، عندما كان رئيساً للوزراء العراقي أنهى كل شىء بـ(جرة قلم). وشرع، رغم إنه عاش لفترة طويلة على أكتاف شعب كوردستان، إلى قطع أرزاق الكوردستانيين، وقام بقطع حصة الاقليم من الموازنة العامة العراقية.
وجاء بعده (العبادي) الذي سار على نهج سلفه، ولم يف بالتزاماته، وأدار ظهره للوعود والإتفاقات التي وقعها. ونظر إلى الكورد بروح إستعلائية، وعندما لجأنا الى الإستفتاء على فض الشراكة، إستند في أحقاده الدفينة، على الأيديولوجيتين المذهبية والقومية، وعلى قوات وجهات أجنبية تستكثر علينا كل حقوقنا، ومارس جميع الأساليب الاستفزازية والتحريضية ضدنا، ولو لم يمرغ أنفه في تراب بردي وسحيله ومحموديه ومخمور، لكان قد أعاد الأنفال بنسخة جديدة ومنقحة، وفعل أسوأ مما فعله صدام .
في كل (31/7) نتذكر بألم عميق جريمة تغييب ثمانية ألاف من البارزانيين الآمنين، ويتبين للجميع، أكثر، أن المشكلة الأساسية في هذا البلد، هي العقلية والثقافة السائدة التي تقطع أوصال التعايش المشترك ولا تسمح بتعزيزه، ولا تلتزم بالدستور ولا تقبل بالشراكة والتوافق والتوازن. وما شاهدناه ولمسناه خلال السنوات العجاف السابقة كشفت أن نفايات صدام، وفلول وأيتام وأبناء البعث الذين وجدوا لهم أماكن في الأحزاب الشيعية والسنية، وعثروا لهم فيها على ملاذات وحصانات برلمانية، وحمايات من الإجراءات القانونية، أنهم لايختلفون عن أسلافهم الذين قاتلونا من أجل رهن مستقبل ومصير وطننا وشعبنا بمصالحهم، وأنهم ما زالوا يؤجلون ويماطلون في الحلول، ريثما يحصلوا على ما يُمكنهم من فرض نفوذهم وهيمنتهم وأحلامهم وأطماعهم. وما زالوا يعملون من أجل تقليص حضور الكورد ودورهم، وسحب إمتيازاتهم، وتحديد مستقبلهم وفق ترتيبات وتفاهمات وخرافات تصب في خانة السعي لوضعهم على هامش الأحداث، أو حتى خارج الحسابات السياسية، وتُطفيء عندهم مصادر القوة وعوامل الصمود وإضعاف روح المقاومة ومشاعر الإنتماء والولاء إلى كوردستان، بحجة مسارات المواطنة والولاء للعراق الذي كان نصيبنا من الشراكة القسرية فيه (الأنفال) والمقابر الجماعية.