الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeاراءغرباء في الوطن : تحسين الياس حسن الدناني

غرباء في الوطن : تحسين الياس حسن الدناني

يوم غد المصادف 3 أب سوف يتجدد الجرح ألايزيدي العميق الذي لا زال ينزف ولن يندمل أبدا، بذكرى مرور السنة الخامسة على الأبادة التي تعرض لها الايزيدية في منطقة شنكال في 3 أب 2014، هذا اليوم المشؤم الذي لا يريد أحد منا أن نمر به، وأن كان بأستطاعتنا لنفيناه من التقويم والوجود لبشاعته و وحشيته وسواده القاتم، فصرخات الاطفال الصغار بسبب الجوع والعطش والحر الشديد ونواح الثكالا من الأمهات على أبنائهن وبناتهن الذين قتلوا ونحروا بدم بارد وسبين وأغتصبن لا زالت تدوي على مسامحنا لحد يومنا هذا وسوف تبقى تؤرق أذهاننا الى الابد.
شنكال هذه المدينة التي تعتبر نبض المعتقد الايزيدي ولأنها كذلك وذات أغلبية أيزيدية تختلف عن باقي المناطق المسلمة المجاورة لها عقائديا ودينيا وتاريخيا، فقد كان لها الحصة الأكبر من الفرمانات والأبادات التي تعرض لها الايزيدية على مدار تاريخهم الطويل على أيدي السلاطين العثمانيين وأتباعهم، ولا زالوا يتعرضون لها على أيدي أحفاد العثمانين من الدواعش وتوابعهم من الاسلاميين المتطرفين في دول الشرق الاوسط الاسلامية والعراق، وبعد ظهور الدولة العراقية الحديثة أصبحت شنكال وبسبب وقوعها بين الطرفين نقطة صراع رئيسية بين الساسة العرب والكورد، الذين حاول كل منهم فرض سلطته عليها سواء بالترهيب أو الترغيب، ولأنها أيضا منطقة اغلبية سكانها من الديانة الأيزيدية المهمشة كما ذكرت سابقا فأنها تعرضت الى الاهمال والتهميش في كافة مرافق الحياة الخدمية والصحية من قبل الطرفين على مدار القرن الماضي، وفي بدايات القرن الحالي أي الواحد والعشرين أصبحت ضحية لصراعاتهم وأنقساماتهم التي لم تكن لتحل أو تنتهي، وكانت النتيجة كارثية عندما تخلى عنها الطرفان وتركوها بيد الدواعش الوحوش، الذين هاجموها وهي وحيدة لا أحد يدافع عنها ولا حول لها ولسكانها ولا قوة، وأرتكب الدواعش بدورهم أبشع وأفضع الاساليب اللأنسانية بحق أهلها دون أن يتحرك أي طرف منهم ساكنا لأنقاذهم من الهلاك، وكان ما أرتكب بحق أهل قرية كوجو بعد 15 يوم من الابادة دليل واضح على أنهم بأعوا شنكال وأهلها من أجل مصالحهم السياسية!!.
هذه الجرائم التي هزت الضمير الانساني بوحشيتها وبشاعتها، أدت الى قتل وسبي وخطف حوالي 10 الف الى 15 الف شخص أيزيدي من نساء وأطفال وفتيات وشيوخ ورجال، وتشريد وتهجير حوالي 400 ألف شخص مابين جبل شنكال ومناطق العراق وكوردستان يواجهون مصيرهم المجهول، ذنبهم الوحيد أنهم كانوا سلميين لم يتعدوا على أحد ويختلفون عن الاخرين بديانتهم، هنا نستطيع أن نطلق عليها تسمية أبادة القرن المعاصر، لأنها حدثت في القرن الواحد والعشرين، قرن العولمة والعصرنة والحداثة والتطور والديمقراطية وحقوق الانسان والتسامح أن صح التعبير! ألا أننا لم نشعر بأننا في هذا القرن عندما حدثت الأبادة، فقد شعرنا بأننا في عصر الفتوحات والغزوات الأسلامية التي ترجع الى القرون الماضية عندما كانوا يغزون المدن والمناطق الغير المسلمة ويقتلون الرجال والشباب ويسبون النساء والفتيات ويجبرونهن على أعتناق الاسلام بالجبر ويأخذونهن كغنائم حرب وسبايا يوزعونهن على مقاتليهم ومجاهديهم، ويبيعونهن ويشترونهن في أسواق النخاسة!! هكذا شعرنا نحن الايزيديةّ بأننا رجعنا الى عصر الجهل والتخلف وغرباء لا حول لنا ولا قوة بين أمة تعتبر أن الله خلقهم وحدهم على هذه الارض وأنهم أهل الجنة الموحدين!!.
ولكن الشيء المثير للسخرية والأستغراب أننا نسمع كثيرا عبارة أن هذه الابادة هزت عرش الانسانية¬¬¬! أي انسانية وأي عرش! هل هناك أنسانية في وقتنا هذا تعتلي العروش! أي بمعنى أخر هل هولاء الذين يعتلون العروش الأن يمتلكون ذرة من الأنسانية!! أكيد لا، فمصطلح الأنسانية لديهم منعدم مجرد حروف رزيلة تكتب على ورق دون فعل! فلو كانت هناك أنسانية كما يدعون لما حدث ما حدث، لما سبية النساء والفتيات وأغتصبن وسلب منهن شرفهن وكرامتهن جهرا وجبرا أمام أنظار العالم أجمع ولم يفعل أحد شيئا! لما نحر الاطفال والشيوخ من الوريد الى الوريد وأعدم الرجال والشباب بشكل جماعي ودفنوا في مقابر جماعية ولم يتحرك أحد ساكنا! أهذه هي الانسانية التي هزت عرشها أبادتنا ومأساتنا!
لن أتطرق أكثر الى أحداث الابادة وماذا جرى وحصل لأنه كتب عليها الكثير الكثير والكل في جميع أنحاء العالم يعرف ما حدث وما جرى من وحشية وبشاعة بحق أقلية دينية لا يتعدى عدد أفرادها المليون فرد بين أمة تعدادها يتعدى المليار نسمة، وخاصة نحن في عصر الفضائيات والانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي جعلت من العالم قرية صغيرة يعرف الفرد من خلالها أي حدث يقع في اي بقعة من المعمورة دون مشقة، ولكن سوف أتطرق قليلا الى الشخص الايزيدي الذي شعر ويشعر دائما منذ القدم الى وقتنا هذا بأنه أنسان غريب غير مرحب به من قبل ألاخرين وهو على أرض أبائه وأجداده، ألارض التي عاش فيها الايزيدية منذ بدء تكوين الخليقة حسب تعاليم فلسفتهم ولحد ألان والأثار والدلائل والمراسيم والطقوس التي يقومون بها هي شواهد حية على أنهم أحفاد الاقوام القديمة التي عاشت في بلاد وادي الرافدين أي ما كانت تسمى أنذاك بلاد ميزوبوتاميا مثل الميثرائيين والميديين وغيرهم من الاقوام التي ساهمت بشكل جلي وواضح في تطور الحضارة الانسانية ولا زالت أثارها لحد هذا اليوم شواهد حية.
أذا تعمقنا في طبيعة الفرد الايزيدي فأننا نرى أنه وبسبب تكوينه وفلسفته الدينية وتعاليم دينه السمحاء التي تدعوا الى الخير وحب الناس على السواء دون تفرقة مهما كانت معتقداتهم وأديانهم أنسان مسالم يحب الخير وهو بعيد عن المشاكل والفتن ولا يكمن في داخله اي بذور من التطرف والتعصب، رغم أن المناطق التي نشأ وترعرع فيها والتي تعد الارض الأصل له ولابائه وأجداده منذ القدم كانت ولا زالت مسرحا كبيرا للصراعات الدينية والمذهبية والحروب الطائفية وكانت ولا زالت أرضا خصبة للتطرف والتعصب الديني الاسلامي بعد ظهور الاسلام والجماعات الاسلامية المتطرفة، ولكن رغم كل ذلك استطاع الفرد الايزيدي أن يبقى كما هو وأن يحافظ على أنسانيته وسلميته محبا للخير والسلام والأخوة للجميع دون أستثناء. أما أذا أتينا الى ناحية أخرى فأننا سوف نرى أن ذلك كانت له عواقب سلبية وخيمة عليه جعلته في نظر الآخرين أنسانا ضعيفا مهمشا مسكينا لا يستطيع التغلب على أحد سوى الحفاظ على نفسه، وفي مرات كثيرة كان لا يستطيع حتى الحفاظ على نفسه وروحه، والدليل على ذلك الإبادات التى تعرض لها ويتعرض لها.
ما تطرقت أليه أدناه وما سأتطرق أليه جعل من الانسان الايزيدي أن يشعر بأنه غريب على أرضه ووطنه، وهذه حقيقة يعرفها كل أيزيدي عاش في العراق والشرق الاوسط الاسلامي، فالعوامل الدينية العقائدية والأجتماعية والسياسية وألأقتصادية جعلته يشعر بقرارة نفسه على أنه انسان غريب عن أرضه مهمش، وهذا ما أدى به الى البحث عن مكان أو وطن اخر يشعر فيه بأنه أنسان وكذلك بالأمان والاستقرار وخاصة بعد الابادة، ونحن نرى أن الهجرة مستمرة بتركهم لممتلكاتهم وبيوتهم وأرضهم ووظائفهم وكل شيء وهجرتهم التي نستطيع ان نعتبرها جماعية باتجاه الدول الاوربية وخاصة المانيا وأمريكا واستراليا هذه الدول ذات الطابع الديموقراطي والتي تضع حق الانسان في حرية التفكير والتعبير والاعتقاد والعيش فوق كل شيء، لذلك لم يأتي كل ذلك من فراغ، فلا أحد يريد ترك أرضه وبيته وممتلكاته أذا لم يكن هناك سبب أو أسباب تجبره على ذلك، وأنما يأتي ذلك في أحساسهم بأنهم غرباء مهمشين في وطنهم ويجب عليهم أيجاد وطن اخر يعترف بوجودهم كبشر، ويحافظ على أرواحهم وارواحهم عوائلهم من القتل والسبي والتهجير.
وجميعا نعرف أن الاختلاف الديني والعقائدي والتعصب الذي يرتكب بحقهم يعتبر أكثر الاسباب تأثيرا على نفسية الفرد الايزيدي وألذي كون لديه شعورا قويا بأنه انسان غريب هامشي ليس له صلة بهذه الارض وهذا الوطن أي العراق! فالعراق الدولة التي تحمل طابعا أسلاميا بحتا، فأن الفرد الايزيدي فيها يأتي في المرتبة الاخيرة من حيث حقوقه، ويحسب في الدرجة المئة من حيث ألنظر أليه كأنسان حتى!! دائما يشعر بأن هناك كابوس يطارده أينما حل وذهب يؤرقه في حياته اليومية وفي عمله وتعامله مع الاخرين وهو كابوس التعصب والحقد الديني، فهذا يؤدي به الى ان يشعر بأن الأبادة مستمرة بحقه ولن تتوقف يوما وهو مطارد دائما ومعرض الى السؤال حول سبب أعتناقه لهذا الدين ولماذا! ومهدد بروحه وحياته بسبب ذلك، لذلك فأن الأبادة لا تنتهي بالقتل والسبي ولكن أذا تعمقنا في ما نتعرض له بشكل يومي مستمر فأننا نستطيع أن كل ذلك أيضا أبادة فكل ما يتعرض له الفرد الأيزيدي من أهمال وتهميش وتكسير في النفس والارداة هو أيضا أبادة بكل معنى الكلمة، عندما ينظر الى الفرد الايزيدي بأنه ليس من هذا الكوكب وانه من سلالة الجن والشياطين وانه نسله من الكفار لأنه لا يؤمن بنبي عاش وتزوج على هذه الارض كأي شخص اخر وأنما يؤمن بأله فهذه أيضا ابادة، عندما لا يستطيع الفرد الايزيدي في العيش والعمل بحرية مثل الأخرين ويكون مقيدا دائما بقيود وعراقيل في العمل، وكذلك عندما لا يستطيع فتح محل تجاري أو مطعم للمأكولات أو المشروبات في المدينة لانه لا أحد سوف يشتري منه شيئا ولا أحد يأكل من يده أو في مطعمه أو في بيته لأنه أيزيدي كافر يحرم أكل يده! عندما لا يحق للفرد الايزيدي أن يشارك في سن وتشريع وتنفيذ قوانين الدولة التي يعيش فيها كغيره من المواطنين ولا يحق له أن يتسنم منصب فعلي كأن يصبح وزيرا فعليا أو مسؤلا فعليا في الدولة فهذه أبادة وتهميش واضح وحتى عندما يمنح له منصب ثانوي مثلا كوزير للدولة لا يعترف به أحد، أضافة الى كل ذلك الاهمال والتهميش والظروف المعيشية السيئة والصعبة التي يعيشها أكثر من 400 الف شخص أيزيدي كما ذكرت في مخيمات كوردستان والعراق دون ان يلتف اليهم أحد والمئات من الامهات والاطفال والفتيات والرجال والشباب المفقودين والمخطوفين في بيوت الدواعش في مناطق الموصل ومخيمات سوريا ومناطقها المحررة والذين لا يهتم بامرهم احد وووو ألخ، كل هذه السياسات التعسفية اللأنسانية والتهميش والاهمال والتعصب والتطرف والحقد التي يرتكبه الساسة العراقيين من الشمال الى الجنوب وشعوبهم المسلمة بحق الفرد الايزيدي المسكين على أرضه ألاصل تعتبر أبادات ولكن بطرق وأساليب اخرى الهدف منها كسر نفسية وأرادته وخلق نوع من الخوف والشعور لديه بأنه انسان غريب على أرضه ووطنه.
تحسين الياس حسن الدناني
2019/8/2المانيا

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular