الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتد. محمود عباس: إشكاليات التاريخ كردياً الجزء الخامس

د. محمود عباس: إشكاليات التاريخ كردياً الجزء الخامس

ملاحظة: نتوسع في هذا البعد التاريخي، كمحاولة استباقية، لتنبيه البعض من كتابنا الكرد على ما يقدمونه خلال كتاباتهم، وبدون إدراك، من خدمات غير مباشرة للمتربصين بقضيتنا وتاريخنا. ومن جهة أخرى ننبه الأخوة العرب، من أبناء قبائل المنطقة، لئلا يتم استغلاهم من قبل العروبيين ومرتزقة أردوغان من المنظمات التكفيرية في إعادة الماضي المؤلم، ولنبقى وأبناء المنطقة من العشائر المذكورة على الأخوة والتعامل الحسن والذي أستمر على مدى العقود الماضية، ونأمل ألا يتأثروا بالدعايات العنصرية التركية ومرتزقتهم كالتي فعلتها سلطة الأسد والبعث في عام 2004م، خاصة وقد شاهدنا التجمع العشائري في جرمز وتصريحاتهم العنصرية التحريضية ضد الشعب الكردي، ومثله الذي تم في غازي عنتاب وبتخطيط ودعم تركي، متناسين التاريخين، تاريخ هجرتهم من حائل وقدموهم إلى المنطقة، وتاريخ المعاملة الحسنة من أبناء الأمة الكردية المستمرة إلى يومنا هذا.

……  

   اضطرت القبائل الكردية على طول كردستان الجنوبية، دفاعا عن الذات وعن جغرافيتهم تكرار ما قام به أهلنا في عفرين في نهاية العشرينات من القرن الماضي، فوقفت أمام القبائل العربية المهاجرة من حائل، التي لم تكن تؤمن، ومنطق حياة البداوة حينها، بالجيرة والعيش المشترك، ومعاركهم المتواصلة بين بعضهم تؤكد هذه الجدلية، فرغم المراعي الواسعة كانوا على صراع متواصل، ومعارك شبه دائمة بين بعضهم، رغم أنهم جلهم كانوا ينحدرون من القبيلة ذاتها، وخير إثبات على ذلك، فحتى عندما تركوا مناطقهم في حائل، ودخلوا بادية الشام الواسعة، بين دمشق وحماه وتدمر ودير الزور، لم تتوقف المعارك بين الرولة والفدعان والسبعة والشمر وغيرهم، ولم يكن يثقون بالبعض، فكان من السهل بينهم أن يكون صديق اليوم عدوا في الغد. وظلوا على هذه الحساسية وعدم الثقة بالأخر، حتى في المرحلة التي انتقلوا فيها بمواشيهم إلى الطرف الشرقي والشمالي من نهر الفرات، فدفعوا بالعشائر الكردية على دخول معارك عديدة معهم إلى أن انتقلوا من حالة الرحل إلى حالة الحضر في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي.

  جرت من بداية القرن الماضي معارك بين العشائر الملية بزعامة أبراهيم باشا الملي وعشيرة الشمر وبعض فروع العنزة كالفدعان، والقبائل الموالية لهم في مناطق الرقة ورأس العين وجبل عبد العزيز والحسكة، ولأنهم كانوا قبائل رحل حتى في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، تركت بعضها مناطق قبيلة الملى، بعد خسارتهم، راحلين إلى شرق الجزيرة، حيث مراعي قبيلة الكوجرا الممتدة حتى جبل شنكال شمالا، وهناك حدثت مناوشات بين أل نايف باشا زعماء قبيلة الكوجرا ونفس العشائر العربية الرحل، الشمر والطي، في جنوب قرجوخ وتل كوجر إلى أن تم الصلح واقتطعت أجزاء من أراضي القبيلة الكردية، لتسكن فيها هذه القبائل المهاجرة من منطقة حائل.  

وفي المرحلة الزمنية نفسها جرت معارك بين الكابارا الكردية والبكارا والعكيدات والجبور العربية بعدما أرادوا الاستيلاء على أراضي العشيرة الكردية، ورغم أنهم طردوا إلى جنوب الخابور، إلا أنهم تمكنوا من التمركز ما بين الخابور وجبل عبد العزيز، والتي كانت مناطق رعي قطعان عشائر الكابارا والكيكية والدقورية وغيرها، مثلما كانت مناطق الملية والبرازية والكيكية والدقورية وغيرهم تمتد حتى جنوب الرقة وجنوب جبل عبد العزيز، وهي الحدود الجنوبية لغربي كردستان حتى الفرات الأوسط.

   وفي الطرف الأخر كانت مناطق مراعي العشائر الكردية المتحضرة في قرى سنجقا خلف أغا، كعشيرة، دوركا وحجي سليمانا وكاسكا وعسافاتا، وغيرها، تمتد حتى جبل شنكال مثل العشائر الكردية الأخرى المذكورة سابقا. فلم يكن هناك مركز حضري حتى نهاية الثلاثينات من القرن الماضي في جنوب قرى أل اليوسف زعماء الكاسكا، وقرية غردوكا (والتي كانت لأل عباس، وكان فيها والدي مع عمه شيخموس عباس حتى نهاية 1944م قبل أن يبني والدي قرية نصران، وينزع الفرنسيون قرية غردوكا من عمه) بل كانت بادية الجزيرة الكردستانية خالية إلى ضفاف نهر الفرات الشمالية الأوسط، ولم تسكن يوما حتى أثناء الغزوات الإسلامية.

فمن الملاحظ من جهة أخرى أن جميع هذه المواجهات والمعارك الجارية في بدايات القرن الماضي، تلي مرحلة فشلهم مع أل السعود في منطقة الحائل، وهي دلالة على عدم وجود منطقة محددة لهم بعد الهجرة، وكانوا في فوضى من تحديد مراعيهم، وبالتالي كان توجههم إلى جنوب كردستان حيث المراعي الخصبة في الطرف الأخر من نهر الفرات، ويمكن استنتاج هذه من مقولة عابرة للليدي آن بلنت في كتابها المذكور سابقا في الصفحة ((141) عن قبيلة الجغايفة فتقول: ” الجغايفة أناس مسالمون غير متبجحين يرفدون في السنوات الأخيرة قبيلة شمر، ويعيشون في العراق، ولكنهم عبروا النهر طلبا لمراعي أفضل”  وهذه تدل حتى في السنوات التي كانت تجول فيها الليدي في المنطقة أي قرابة 1877م لم تكن القبائل الكبرى قد انتقلت بمواشيها وجمالها إلى الطرف الشمالي لنهر الفرات، وما ذكرته عن قبيلة الجغايفة دلالة على محدودية الانتقال، وتأخرها إلى بداية القرن الماضي، أي بعد عقدين من الزمن. وبعد هجرتهم الجماعية من حائل ظهرت محاولة الاستيطان الأولى في جنوب كردستان، بعدما أصبحت العودة إلى مناطقهم في شمال شبه الجزيرة العربية شبه مستحيلة، وهذا ما تم بمساعدة العثمانيين في بدايات القرن الماضي، وقد بنت قرى لعشيرة العنزة لتسكنها وتمارس الزراعة لكن البيوت ظلت خالية ولم يدخلها أحد ( يمكن الاطلاع على نفس الكتاب قبائل بدو الفرات للكاتبة الليدي آن بلنت، وهي حفيدة الشاعر الإنكليزي المشهور اللورد بايرن) وأعادت هذه التجربة السلطات العروبية وبسند من المستعمر الفرنسي في بداية الثلاثينات ولكن بين القرى والمدن الكردية وليست في مناطق مراعيهم كما فعلتها السلطات العثمانية، خاصة عندما بدأت الانتخابات البرلمانية السورية، لتعيين نواب عنهم تحت صفة النواب عن القبائل العربية الحضر.

   ورغم أن تاريخ هذه الهجرات والاستيطان العربي قريب جدا، وشهد عليها العديد من أجدادنا الذين شاركوا فيها، إلا أن الكتاب العروبيون، لا يقرؤنها من منطق الوطنية أو الإخوة في التعايش، بل يحرفون التاريخ كما يلقنون من قبل أسيادهم كمحاولة للقضاء على كردستانية الجزيرة، والتي سميت في البدايات بالجزيرة السورية، وفيما بعد بالعربية، واليوم بدأت تظهر بيانات التنديد أو الامتعاض من بعض المنادين بالوطنية، من تسمية مدننا قامشلو والحسكة والرقة وعاموده بالمدن الكردية.

  ورغم كل هذه الضغوطات، وصراعاتنا مع القبائل العربية القادمة من حائل وشمال شبه الجزيرة العربية ومخططات السلطات العروبية، ومحاولات التعريب، تمكن الكرد، وبروح السلام الذي يتصفون به، من الحفاظ على جزء من جغرافيتهم، والمنتهية بعضها باتفاقيات عشائرية عينية، منها في نهاية العشرينات من القرن الماضي، وعلى أثر أحداها، سميت منطقة سنجقا خلف أغا بـ (أشيتا من أشتي) أي السلام، وبعد سنوات وكترسيخ لتلك الاتفاقية، أقام (أل عباس) في بداية القرن الماضي في قرية دوكر، وليمة للعشائر الكردية والعربية وخاصة الشمر، في الفترة التي كانوا لا يزالون يجولون المنطقة طلبا للكلأ، أي قبل مرحلة التحضر وبناء القرى، وقبل التهجير الأخير من قبل أل سعود والإنكليز من مناطق سكناهم.

 وتمت مجالس هدنة مماثلة بين القبائل الأخرى، بين الملى والشمر والعبيدات، وبين الكيكان والجبور، وبين الكوجرات والشمر، وبين الكابارا والبكارة والعكيدات، وغيرها، علما أن بعض القبائل العربية خرقت هذه الاتفاقيات وبتحريض من السلطات المركزية، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما بدأت مرحلة استقطاع أراضي الكرد وتوزيعها عليهم تحت غطاء الإصلاح الزراعي، وحصلت بعضها على دعم من السلطات العروبية وبعضها رفضت الانصياع لتلك السلطات كعشيرة الشمر.

   وأخر الصراعات الجلية بين الكرد والعرب ظهرت أثناء الثورة الكردية (أو كما يصفها البعض من كتابنا الكرد، المشكك في أبعادها وماهيتها، بانتفاضة عام 2004م حتى بعدما شملت كل سوريا، وأثرت على مفاهيم المجتمع السوري عامة) عندما هاجم أزلام النظام من بعض العشائر العربية وخاصة من الطي والجبور، على ممتلكات الكرد في مدن الحسكة وقامشلو، وهنا وللتاريخ وقفت قبيلة الشمر مرة ثانية موقفا أخويا ووطنيا ورفضت إملاءات السلطة بالتعرض للممتلكات الكردية.

وبالمناسبة تسمية ثورة 2004 بانتفاضة، ليست مبنية على تحليل منطقي بقدر ما هو عدم ثقة البعض من مثقفينا وسياسيينا الكرد بذاته وبثوراته، إلى جانب غياب الحكمة في ربط العوامل الموضوعية والذاتية بين بعضها البعض، وهذا المنطق لا يختلف كثيرا عن أساليبهم في تناول الدراسات التاريخية، وهي من ضمن الإشكاليات التي يتخبط فيها البعض من كتابنا المتناولين لماضي الجزيرة الكردستانية…

يتبع…

 

د. محمود عباس

 الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

3-12-2018م  

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular