كانت مدينة لينينغراد الروسية أحد المدن التي تضررت من الحرب العالمية الثانية بشكل كبير فقد تعرضت للحصار لحوالي تسعمائة يوم، وقد صرح الزعيم (ميونيخ) في أحد التصريحات له في شهر نوفمبر من عام 1941 أنه يجب أن تموت هذه المدينة من الجوع.
وبالفعل مات الكثير من سكان هذه المدينة في الشتاء بسبب الجوع، وحاول الكثير تناول نشارة الخشب حتى يستطيعوا الحياة، وتجمد مجموعة أخرى من السكان أثناء بحثهم في الشوارع على أكشاك لبيع الطعام، وقد دخلت القوات الألمانية إلى المدينة فقامت بنهب كل شيء فيها، فقام مجموعة من علماء النباتات بالتحصن والاختباء في داخل مخزن معهد (فايلوف) للنباتات، وكان يحتوي هذا المخزن على مجموعة من البذور والنباتات القابلة للأكل.
وكان هذا المستودع واحد من أكبر المستودعات للتنوع الجيني للمحاصيل الغذائية حول العالم، وكان يحتوي هذا المخزن على الأرز والقمح والذرة والبقول والبطاطا، وكان السبب وراء اختباء هؤلاء العلماء مع هذه البذور ليس لتأمين أنفسهم مع وجود طعام لسد الجوع لديهم ولكن كان الاختباء بسبب حماية المخزن والبذور التي تحتوي عليها من الغزاة.
وكانت هذه البذور تكفي لملء ستة عشر غرفة، وكان عليها حراسة مشددة لحماية هذه الغرف بالرغم من البرد الشديد والجوع الشديد الذي كان يتعرض له الحراس، وبعد مرور العديد من الأيام لهؤلاء العلماء داخل هذا المخزن أصبح العلماء يتوفون واحد تلو الآخر.
وفي نهاية الحصار في ربيع عام 1944 توفى تسعة من العلماء من الجوع داخل المعهد وهم يقومون بحراسته، ويعود الفضل لهؤلاء العلماء على بقاء معظم الأطعمة التي نتناولها إلى يومنا هذا، يبلغ عدد البذور في هذا البنك إلى يومنا هذا حوالي 1400 بنك من البذور.
نماذج من العلماء الموجودون في هذا المعهد
هناك عالم نباتات يسمى (نيكولاي فافيلوف) يقال عنه أنه جمع أكبر عدد من البذور للفواكه حول العالم كله أكثر من أي شخص في التاريخ، وكان هذا العالم من أوائل العلماء الذين تنبئوا باختفاء التنوع النباتي، وكان يعرف نهاية هذه القرية الروسية بموتهم من الجوع قبل أن تحدث هذه الكارثة.
وقد ترعرع (نيكولاي فافيلوف) في قرية ريفية وانتقل في أوائل القرن العشرين إلى حوالي 64 بلد تحتوي على مجموعة كبيرة من التنوع النباتي، وعينات من المحاصيل الزراعية، بعد حوالي عقد من السفر والترحال قام (نيكولاي فافيلوف) بتأسيس محطة تجارب كجزء من المعهد المخصص للاحتفاظ ببذور النباتات.
ومن العلماء الذين كانوا داخل هذا المعهد الخبير الزراعي الذي يسمى (تروفيم ليزينكو) وكان يقال عنه أنه عبقري طور تقنية الزراعة الجديدة، واستطاع أن يساهم في إنقاذ أمة بالكامل، وكانت التقنية التي وضعها (تروفيم ليزينكو) تضمنت إخضاع المحاصيل الزراعية إلى درجة برودة كبيرة من أجل إجبارها على أن تزهر في فصل الربيع، وكانت هذه التقنية تزيد الإنتاج بشكل كبير بالفعل، وكانت هذه التقنية تنفذ على الكثير من المحاصيل من جيل إلى آخر.
وفي عام 1934 سجن في عهده أكثر من ثلاثة آلاف عالم بيولوجي وعالم نباتات بسبب محاولتهم معارضة (تروفيم ليزينكو)، وذلك لأن الزعيم كان يدعمه بشكل كبير، وكان لا يسمح لأحد بمهاجمته أو مهاجمته علمه وآرائه.