ثلاث وسبعون حملة ابادة ارتكبت ضدهم، هذا ما يردده الايزيديون، ولكن المؤرخين يعتقدون ان العدد اكبر بكثير من هذا الرقم. فحملات القتل والذبح والسبي ضدهم بدأت منذ زمن بعيد وهي مستمرة حتى يومنا هذا، واخرها كانت في 3/8/2014، واثار وتبعات الابادة الاخيرة او الفرمان كم يسميها الايزيديون باقية حتى كتابة هذا المقال. فمازال هناك اكثر من 3000 شخص من النساء والاطفال مفقودين لا احد يعلم بمصيرهم، وهناك اكثر من 300 الف شخص مازالوا نازحين ويعيشون في المخيمات في ظروف معيشة صعبة وقاسية، اضافة الى هجرة عشرات الآلاف الى دول اخرى خاصة الى دول الاتحاد الاوربي حيث وصل عددهم حسب اخر الاحصائيات الى اكثر من 200 الف شخص.
لكل حملة اباد من هذه الحملات كانت له ظروفها، ولكن حملة الابادة الاخيرة تختلف عن كل الحملات الاخرى، ففي حين ان الحملات السابقة كانت تنفذ بصمت وعمليات القتل والنهب والسبي تتم دون ان يعرف عنها سوى اهالي تلك المنطقة او المناطق المحيطة بها، فان عمليات القتل والذبح في حملة الابادة الاخيرة كانت تجري تحت مراقبة الاقمار الصناعية، وكاميرات الطائرات المسيرة وعدسات القنوات الفضائية وبعلم السلطات والحكومات الاقليمية والعالمية.
عندما هاجم اوباش ومجرموا وإرهابيوا ما تسمى بدولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام (داعش) مناطق الايزيديين المدنيين الامنيين وبدأوا بارتكاب المجازر المروعة ضدهم، كان العالم كله يراقب تلك الاحداث والوقائع، وقائع ابادة معلنة تماما وعلى الهواء مباشرة دون ان يتحرك احد من اولئك الذين يسمون انفسهم عظماء العالم او اقطاب العالم المتحضر او الذين اوجعوا رؤوسنا بحقوق الانسان والدفاع عن حقوق الانسان يوميا. لقد جرت احداث هذه الحملة من الابادة ضد الايزيديين بطريقة تجعلنا نصدق او نؤيد نظرية المؤامرة التي تزعم بان كل ما حدث كان وفقا لسيناريو مرسوم سلفا، وان الجميع كان يراقب الاحداث بأفضل ما وصلت اليه التكنلوجيا من اجهزة الرصد والمراقبة للتأكد من ان الاحداث تسير وفق الخطة المرسومة.
هذه ليست المرة الاولى التي تنأى فيها دول او جهات دينية او اثنية بنفسها عن التدخل في احداث واعمال وممارسات اجرامية ترتكبها دول او منظمات او جماعات اجرامية لاعتقادهم بأن ذلك ربما سيكون في مصلحتهم لكنهم لاحقا دفعوا الثمن غاليا. ففي بداية الحرب العالمية الثانية ابرم الاتحاد السوفيتي اتفاقية عدم اعتداء مع هتلر، مع ان هذا الاخير كان قد بدا بمهاجمة واحتلال الدول المجاورة لها وارتكب مجازر رهيبة ضد اليهود، فدفعت روسيا لاحقا ثمنا باهظا (ملايين من القتلى) جراء سكوتها والنأي بنفسها عن اجرام النازيين في بداية الامر. الدول العربية وخاصة الخليجية منها كانت تصف صدام حسين ببطل الامة العربية مع علمها بإجرام نظام صدام ضد شعبه وعمليات الانفال المرعبة ضد الكورد فدفعوا لاحقا الثمن غاليا عندما بدا صدام باحتلال الكويت وكان سيحتل المنطقة كلها لولا تدخل الولايات المتحدة وحلفائها. الكثير من السنة العرب في العراق وخاصة في محافظة نينوى، فرحوا كثيرا وهللوا وكبروا بقدوم داعش واحتلال مدينتهم بل وساندوه والتحقوا به وحاربوا معه وارتكبوا ابشع الجرائم خاصة بحق الايزيديين في شنكال والتي توصف بالإبادة الجماعية ( جينوسايد)، ضنا منهم بأن هذا في مصلحتهم، لكنهم لاحقا دفعوا الثمن غاليا، دفعوا ثمن تواطؤهم وخيانتهم.
لقد عانى الايزيديون من ظلم عظيم ومازالوا يعانون من نتائج حملة الابادة الاخيرة ضدهم، ولكن العالم كله، العالم الذي كان يراقب هذه الاحداث عن بعد وبشكل مباشر سيدفع الثمن غاليا سيدفع ثمن تقاعسه عن حماية اقدم ديانة في التاريخ، والتي يصفها الكتاب والباحثين بانها اولى الديانات التوحيدية في العالم.