منطقة الشرق الأوسط تعاني من حروب عدة، أشدها سخونة الحرب في اليمن والحرب في سوريا، وتمنيات بعدم اندلاع معارك جديدة في السودان، وخاصة في دار فور، إن أصر العسكر على الاحتفاظ بالسلطة وعدم تسليمها للمدنيين وإقامة نظام ديمقراطي علماني في البلاد. وقد نشأت هذه الحروب عبر تحالفات إقليمية ودولية متباينة كان قوامها تركيا والسعودية وبعض دول الخليج وباكستان ومصر والسودان والولايات المتحدة من جهة، وإيران وروسيا الاتحادية، إضافة إلى مشاركة قوات من حزب الله اللبناني–الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية–الإيرانية في معارك سوريا، وغير معروف إن كانت لهذه القوات جماعات متطوعة في اليمن أيضا. وهذه الحروب التدميرية كلفت حتى الآن عشرات الألاف من القتلى والجرحى، إضافة إلى الملايين من النازحين والمهجرين قسراً بسبب المعارك الدائرة في مناطق سكناهم، فضلاً عن خسائر مالية وعمرانية فادحة وتدهور حضاري شديد لاسيما في الخدمات التعليمية والصحية والنقل والاتصالات وتفاقم الفقر والجوع والحرمان.
واليوم يعيش العالم على حافة حرب إقليمية جديدة في الخليج، بين إيران والولايات المتحدة، التي يمكن أن تنزلق إليها دول أخرى مثل السعودية والإمارات العربية والبحرين، بل حتى لبنان والعراق وإسرائيل، وبالتالي يمكن أن تشتعل المنطقة في حرب تدميرية جديدة ومهلكة للكثير من البشر. ويوماً بعد آخر يُصَّعد الطرفان الرئيسيان من حملاتهما الإعلامية ويهددان بالويل والثبور لكل منهما. وقد تفاقمت هذه التهديدات في أعقاب احتجاز سفينة بريطانية قرب مضيق هرمز الدولي واعتقال طاقمها كرد فعل على اعتقال سفينة إيرانية محملة بالنفط في جبل طارق متجهة إلى سوريا. لم تكتف الولايات المتحدة بالتهديدات اليومية، بعد أن انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران بخلاف الدول الأوروبية وروسيا والصين، بل أقدمت على تنفيذ إجراءات اقتصادية بحق إيران شملت بشكل خاص تصدير النفط الخام، مما جعل النظام الإيراني يعيش أزمة مالية مستعصية قادت حتى الآن إلى مشكلات معيشية للشعب الإيراني، وعجز النظام عن تزويد أعوانه في حرب اليمن وسوريا وحزب الله والميليشيات الشيعية المسلحة في العراق بالمساعدات المالية الشهرية، مما جعلها تحت وطأة مصاعب مالية وتراجع دورها العسكري.
لم يكن الحصار الاقتصادي يوماً سبيلاً لمعاقبة نظام سياسي، بل هو عقابٌ ضد الشعب وتجويعه. كما لم تكن الحرب يوماً سبيلاً ناجعاً لحل المشكلات الإقليمية والدولية، بل كانت منتجة دوماً لمشكلات جديدة ومولدة لحروب أخرى. من هذا المنطلق تقف الكثير من الدول الأوروبية، على وفق تجاربها الذاتية، ضد إشعال حرب جديدة في الخليج وعموم الشرق الأوسط. وهي بهذا ترفض سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، سواء أكان بالخروج عن الإجماع الدولي إزاء الاتفاقية النووية مع إيران، أم بفرض العقوبات على إيران وعلى كل دولة تتعامل مع إيران، مما يضيق الخناق على الشعب الإيراني أساساً، وهو حبيس النظام السياسي الطائفي والاستبدادي الإيراني. وبعض هذه الدول الأوروبية رفض حتى الآن المشاركة في الجهد العسكري الأمريكي لحماية الملاحة في مضيق هرمز الدولي.
من يريد الحرب حقاً؟ إن المتابعة المستمرة لسياسة إسرائيل في المنطقة تشير إلى أنها الدولة الوحيدة التي كانت منذ رئاسة أوباما حتى الآن تطالب بالحرب ضد إيران بدعوى تدمير قدراتها النووية، وهي الدولة الشرق أوسطية الوحيدة المالكة للسلاح النووي وبكميات كبيرة. وإذ رفض أوباما تلك السياسة الإسرائيلية إزاء إيران ووقع الاتفاقية النووية، أعلن ترامب موافقته على سياسة إسرائيل لا إزاء إيران فحسب، بل وإزاء الشعب الفلسطيني وتنكر لحقوقه المشروعة.
كل الدلائل التي تحت تصرف الكاتب تشير إلى الدور التوسعي للفئة الحاكمة الإيرانية ومصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة والمتسترة بغطاء طائفي مقيت. فوجودها العسكري في سوريا والعراق واليمن ولبنان وتطلعها لغزو مناطق أخرى يثير شعوب المنطقة ويؤجج الصراعات المحلية والإقليمية والدولية. في مقابل هذا نجد الدور التركي والسعودي والإماراتي يمارس ذات التدخل في شؤون المنطقة والدول العربية، ويسعى إلى فرض سياساته وأجنداته على شعوب تلك البلدان، مثال ذلك دور تركيا العسكري ووجودها على الأراضي السورية والعراقية وقصفها المستمر لسكانها. أو مشاركة السعودية والإمارات في حربي اليمن وسوريا.. الخ. ولا تكف إسرائيل عن ابتلاع المزيد من أراضي القدس والضفة الغربية من خلال بناء مستوطنات جديدة أو تهديم مساكن الفلسطينيين، مما يثير شعوب البلدان العربية لا حكامها ويعرقل تحقيق السلام العادل والدائم في وجود دولتين على أرض فلسطين السابقة إسرائيل وفلسطين العربية.
إن تجربة حربان قادتهما الولايات المتحدة العراق في 1991 و2003 تؤكد بأنها لم تكن البلسم لجراح العراق والمنطقة، بل تسببتا بالكثير من الكوارث والمحن والمآسي التي لا يزال الشعب العراقي يعاني منها الأمرين، والتي لا يُعرف متى يشفى من الطائفية والفساد والإرهاب ومن التدخل الإيراني والخليجي والتركي والأمريكي في الشأن العراقي ويصبح سيد أمره.
إن الإصرار على التصعيد إلى حد المجابهة، سواء من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أم من جانب القادة المتطرفين الإيرانيين والحرس الثوري الإيراني، وفي الطليعة منهم المرشد الأعلى الإيراني، لن تقود المنطقة إلا إلى موت ودمار جديدين، ولن تكون فيها إيران رابحة في هذه المعركة، ولكن الولايات المتحدة، البعيدة بأراضيها عن ساحة الحرب المحتملة، ستخسر الكثير في إشعال هذه الحرب من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، كما تخسر رصيدها القليل المتبقي لدى شعوب المنطقة، كما تعرض حلفاءها إلى مخاطر جمة.
إن من واجب الشعوب والدول الأوروبية وشعوب منطقة الشرق الأوسط زيادة الضغوط السياسية والشعبية على الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل لمعالجة المشكلات القائمة بالطرق السلمية والدبلوماسية دون السماح باندلاع حرب جديدة مدمرة. إذ أن الرئيس الأمريكي الحالي مهووس بالأساليب المتطرفة لأكثر النيولبراليين المتطرفين في الولايات المتحدة وأكثرهم عنصرية وكراهية لشعوب البلدان النامية والشعوب العربية، وأكثرهم رغبة في امتصاص موارد وأموال شعوب هذه البلدان. وهو ما يستوجب فضحه ومقاومته، تماماً كما لا بد من فضح ومقاومة الهيمنة الإيرانية على الحياة السياسية والاقتصادية وعلى المجتمع في العراق من خلال الفئات الحاكمة، لاسيما قيادات الأحزاب الإسلامية السياسية.
إن من واجب الشعب العراقي أن يتخذ الموقف السليم، أن يرفض الحرب والحصار الاقتصادي، أن يرفض التدخل إلى جانب أحد الطرفين، كما يدعو له مرتزقة إيران في العراق، ومنهم قيس الخزعلي وعصائبه التابعة لإيران، والذي يهدد السفارة الأمريكية بالتدمير وتهجير العاملين فيها. إنه شبيه بتلك الدجاجة التي حاولت أن تصيح كالديك فاختنقت! يجب على العراق أن ينأى بنفسه عن التورط بحرب تدميرية محتملة في المنطقة، بعد أن عاني ولا يزال يعاني من عواقب حروب عديدة.