قررت وزارة التربية في حكومة اقليم كردستان ايقاف منح الموافقة على فتح رياض الأطفال والمدارس الإبتدائية والثانوية والمعاهد الأهلية في الإقليم بعد استلامها للعديد من الشكاوى حول طبيعة الدراسة في هذه المدارس والمعاهد واخفاقها في تحقيق نسب نجاح مطلوبة، فضلاً عن تسببها بخلق فوارق طبقية واسعة جداً بينها وبين المدارس الحكومية وتدني مستوى التعليم في الإقليم.
وجاء في قرار الوزارة بالرقم (367) الصادر في 23 تموز الجاري وعليه توقيع وزير التربية في حكومة الكابينة التاسعة “آلان حمه سعيد” انه “استناداً الى الصلاحيات الممنوحة إلينا، ومن أجل المصلحة العامة تقرر ايقاف منح الموافقات على فتح رياض الأطفال، والمدارس الإبتدائية والثانوية، والمعاهد الأهلية من يوم صدور هذا الكتاب، على ان يتم ايقاف العمل بجميع الإجراءات المتعلقة بهذا الأمر من يوم صدور هذا الكتاب“.
ويأتي قرار وزارة التربية بعد رفع العديد من الشكاوى من قبل مواطنين وتربويين حول طبيعة الدراسة في المدارس والمعاهد الأهلية في الإقليم والتي باتت تمنح بحسب كلامهم شهادة التخرج لذوي المؤهلات المتدنية اضافةً الى اعتمادها قبول الطلبة بالاستناد على المبلغ المدفوع من قبلهم دون النظر الى المعدل بالدرجة الأولى على عكس المعاهد والحكومية.
زيادة كبيرة في المدارس الأهلية
وأدى انتعاش الإقليم من الناحية الإقتصادية وتحسن الوضع المالي لمواطني كردستان بعد 2003 الى فتح العديد من رياض الأطفال والمدارس والمعاهد والجامعات الأهلية من قبل أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والمستثمرين المحليين والأجانب.
ولجأت نسبة عالية من العوائل في الإقليم الى تسجيل أبنائهم في هذه المؤسسات التربوية الأهلية نظراً لتحسن الوضع المالي لديهم، وكذلك لجأ الطلبة ذوي المعدلات القليلة للتسجيل في المعاهد والجامعات الأهلية نظراً لعدم قبولهم في الجامعات والمعاهد الحكومية، وهذا ما خلق فوارق طبقية في مستوى التعليم وطبيعة الخدمات التربوية المقدمة بين المؤسسات التعليمية الأهلية والحكومية رغم انها لم تنعكس على النتائج.
لكن العديد من المؤسسات التعليمية الأهلية في كردستان فشلت تحقيق نسب نجاح مطلوبة خلال السنوات الماضية، وهذا ما شكل نقطة انتقاد حادة من قبل الناشطين المدنيين والمنظمات المعنية بالشؤون الاجتماعية والأسرية والتربوية، اذ حملت هذه الأطراف تدني مستوى التعليم في الإقليم الى كثرة المؤسسات التربوية الأهلية مع وجود الفوارق العالية بينهما وبين المؤسسات التربوية الحكومية.
وتعرض سلك التربية والتعليم في اقليم كردستان خلال السنوات الخمس الأخيرة الى الكثير من المصاعب التي أدت الى تراجع المستوى التعليمي، بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت كردستان وأدت الى العمل بنظام ادخار الرواتب مع تأخر صرفها، بحسب المدرس شوان احمد، مما اضطر المئات من الكوادر التربوية الى الهجرة الى خارج الإقليم أو التقديم لاجازة بدون راتب واللجوء الى عمل آخر لسد متطلبات معيشتهم.
وبسبب تأخر دفع رواتب الكوادر التدريسية نظمت الكوادر التعليمية مظاهرات وقامت بالاضراب على الدوام الذي تعطل في مدارس كردستان وخاصة في السليمانية لعدة مرات امتدت أحياناً لأشهر وهذا بدوره انعكس سلباً على التعليم.
تأخر القرار
ويرى أحمد ومعه مختصون في مجال التربية والتعليم ان قرار وزارة التربية جاء متأخراً جداً في وقت أصبح قطاع التعليم بحاجة الى معالجات فورية قبل بدء العام الدراسي الجديد لانقاذ المسيرة من التدني أكثر.
وقال “كل سنة تسوء المستويات أكثر، حتى صار طالب الإعدادية لا يعرف كتابة جملة واحدة باللغة الكردية بشكل سليم ودون أخطاء، والأمر ينطبق حتى على طلاب الجامعات الذين أصبحوا يقنعون أنفسهم بأن النجاح تحصيل حاصل وانه لارسوب في الجامعات والمعاهد نتيجة تساهل الهيئات التدريسية معهم سواء في الجامعات الحكومية أو الاهلية.
وفيما اذا كانت المدارس والمعاهد الأهلية في الإقليم ساهمت الى حدٍ ما في تراجع مستوى التعليم ونسب النجاح في المدارس الحكومية، يقول الباحث التربوي والتدريسي في جامعة صلاح الدين بأربيل سالار تاوكوزي ان “بعض المدارس الأهلية والمعاهد وكذلك الجامعات تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية تراجع المستوى التعليمي في المؤسسات التعليمية الحكومية“.
ويرجح تاوكوزي في حديثٍ خاص لـ“صباح كوردستان” الأسباب الى كون المؤسسات الاهلية “خلفت فرصة ذهبية للأثرياء وأطفالهم ليواصلوا دراساتهم في الأقسام العلمية بإمكانيات متواضعة. وفي المقابل همشت إدارة تلك الأقسام الشروط العلمية في قبول الطلاب وكيفية سير العملية التعليمية من أجل جذب أكبر عدد من الطلاب وكسب أموال طائلة عن طريق الاتجار بالعلم“.
ويوضح “فضلا عن ذلك، لم تنظر وزارتا التربية والتعليم العالي إلى المؤسسات التعليمية الحكومية والمؤسسات التعليمية غير الحكومية بعين واحدة كما لم تقم الوزارتان بمراقبة المدارس والمعاهد والجامعات الأهلية على نحو جيد. ذلك بسبب وجود مصالح مادية لعدد من المسؤولين فيها. وقد أثر ذلك كله تأثيراً سلبياً على الناحية النفسية للطلاب والمدرسين في المؤسسات التعليمية الحكومية.
ويتابع “فضلا عن أن المدراس الأهلية امتصت طاقات عدد كبير من الكادر الإداري والتدريسي في المدارس الحكومية لأن معظم هذه المدارس والمعاهد والجامعات غير الحكومية ليس لها كادرها الخاص، وأصبحت هذه الكوادر تدرس في أكثر من جامعة ما أدى الى تراجع عطائها العلمي“.
سوق بيع الشهادات
وعن احتمالية ان يكون قرار وزارة التربية بوقف منح التراخيص لفتح هذه المؤسسات الأهلية في الإقليم خطوة ايجابية في معالجة مشكلة التعليم بكردستان، يرى الباحث التربوي انه “قرار وزارة التربية جاء في وقت متأخر جداً“.
لذا يعرب تاوكوزي عن اعتقده بأن القرار لن يحسن الواقع التعليمي في كردستان على النحو المطلوب، “لكي يكون القرار مؤثراً يجب على وزارة التربية إعادة النظر في المدارس والمعاهد التي حصلت على رخصتها في السنوات الماضية وهي تسير على نهجها التعليمي الرديء من دون رقيب. ويجب أن تسحب الوزارة التراخيص من المدارس التي لا تراعي الضوابط العلمية وأصبحت سوقاً لبيع الشهادات“.
ويدعو تاوكوزي وزارة التربية في الإقليم الى الاهتمام “بالبنية التحتية للمدارس قبل كل شيء ولا سيما في القرى التي مايزال تلاميذ الكثير منها يدرسون في بيوت طينية ويذهبون إلى الدوام على ظهر الحمير لتلقي دروسهم المعتمدة على النظام السويدي“.
وتلعبُ المحسوبية الحزبية في الإقليم دوراً فاعلاً داخل المؤسسات التربوية، ويتم قبول العديد من الطلبة في المعاهد والمدارس الخاصة استناداً الى التزكية الحزبية. بحسب متابعين
وتعليقاً على ذلك، يقول الباحث الكردي :”أنصح وزارة التربية بتحسين أداء المدرسين عن طريق دورات تأهيلية متطورة وعدم التفريق بين مدرسة وأخرى ومنع الدروس الخاصة وحظر التدخل الحزبي في الشؤون التربوية وتحسين الحياة المعيشية للمدرسين وفي مقدمتهم المدرسين الجدد لأن سوء الحالة المعيشية تؤثر سلباً على أداء التدريسي. الى جانب والاهتمام بالمدارس المسائية التي تعاني من مشاكل شتى“.
خطط وزارة التربية
ورغم حصولها على اجازة العمل، إلا أن العديد من المؤسسات التربوية الأهلية لم تكن بالمستوى المطلوب سواء ما تعلق بطرائق التدريس فيها أو الكوادر العاملة فيها، بحسب عضو لجنة التربية والتعليم في برلمان كردستان فريد يعقوب.
ويقول يعقوب في حديثٍ خاص لـ“صباح كوردستان“، ان استمرارية عمل أية مدرسة أو معهد أهلي في الإقليم ان يرتبط بتحقبق نسبة نجاح مطلوبة في كل عام مع مستوى دراسي جيد مقدم فيها “إلا أن العديد من هذه المدارس والمعاهد لم تحقق المستوى المطلوب ويجب اعادة النظر فيها“.
ويشير إلى ان وزارة التربية في كردستان بحثت في كيفية ايجاد معالجات لظاهرة تراجع مستوى التعليم في الإقليم، وكانت الخطوة الأولى من قبل الوزارة هي “ايقاف منح اجازة فتح مدارس أو معاهد في كردستان لحين اكتمال الإجراءات الاخرى المتعلقة بهذه المعالجات من أجل رفع المستوى العلمي لاسيما في وزارة التربية“.
ويؤكد عضو برلمان الإقليم، وجود عدة اجراءات من أجل معالجة الظاهرة مع “مراجعة عدة قضايا ابتداء من بداية العام الدراسي الجديد“، مشيراً الى وجود خطة خاصة لوزارة التربية في هذا الاطار إلا انها لم “تكشف بعد لحين اكتمال جوانبها بشكل كامل“.
معالجة السلبيات بأقصى سرعة
وعن موقف لجنة التربية والتعليم في برلمان كردستان من قرار وزارة التربية بايقاف منح المواقفات لفتح المعاهد والمدارس، يشير عضو لجنة التربية الى وجود العديد من المسائل التي تحتاج الى بحث ومناقشة. مبيناً ان هناك ملاحظات حول “المناهج التي تدرّس في المدارس والمعاهد وبشأن طرائق التدريس وفي عملية القبول والمبالغ التي تطلب من الطلبة، وكلها سيتم مناقشتها قريباً داخل اللجنة للخروج باجراءات تساهم في معالجة ظاهرة تراجع وتدني مستوى التعليم في الإقليم بأسرع وقت“.
وشدد يعقوب على ضرورة ان “تتم معالجة السلبيات الموجودة في المعاهد والمدارس ورياض الأطفال بشكل عام والأهلية منها بشكل خاص“، مشيراً ان قرار ايقاف منح فتح المدارس والمعاهد سيكون “مؤقتا وسيتم رفعه بعد ايجاد معالجات ايجابية لتحسين مستوى التعليم في كردستان“.
ويرى موظفون في السلك التربوي ان ايقاف منح الموافقات لفتح المعاهد والمدارس لن يطول بسبب ضغوط العديد من الجهات التي تأمل فتح مدارس ومعاهد جديدة كونها أصبحت تجارة رائجة جداً في الإقليم وعموم العراق.
ويقول تربوي فضل عدم ذكر اسمه. ان هذا القرار ربما يخدم أصحاب الكليات والمدارس الحالية والتي لا تريد ظهور منافسين لها، لكن الامر لن يطول. مبيناً ان تحسين مستوى التعليم لايرتبط بايقاف منح التراخيص للمدارس الأهلية، بل برفع مستواها من خلال لائحة شروط عمل ومتطلبات تغرض عليها، الى جانب فتح مدارس وجامعات ذات مستوى علمي كبير لاتسمح بنجاح الطلبة الضعفاء، وتوفر بنية تحتية ممتازة وكوادر علمية عالية المستوى لضمان تخريج طلاب أصحاب كفاءة مع توفير فرص عمل واعدة لهم.