الخميس, نوفمبر 28, 2024
Homeمقالاتكاظم حبيب :البصرة الشجاعة والغاضبة ... البصرة المنتفضة...!

كاظم حبيب :البصرة الشجاعة والغاضبة … البصرة المنتفضة…!

بتاريخ 30/09/2005 نشرت مقالاً بثلاث حلقات تحت عنوان “البصرة الحزينة… البصرة المستباحة!” في موقع (الحوار المتمدن-العدد: 1333 – 2005 / 9 / 30 حيث تطرقت فيه إلى أوضاع أهالي البصرة وعيشهم النكد تحت وطأة نظام سياسي طائفي مقيت، حيث تتحكم فيهم ميليشيات طائفية مسلحة ودولة جارة هي إيران تتدخل في مجرى الحياة اليومية لأهل البصرة وتحصي أنفاسهم وحركاتهم ليلاً ونهارا، وتخطف من تشاء وتنقله إلى إيران ليلقى نهايته في سجن إيفين (زندان اِوین) في شمال غرب طهران، كما تغتال من تشاء، وتعتقل من تشاء بغير حساب بواسطة جواسيسها وعملائها وعيونها وميليشياتها الطائفية المسلحة التي شكلتها في إيران والعراق قبل وبعد إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة. وأوردت وقائع كثيرة عن دور الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية في التنسيق والتبعية الفعلية لإيران، والعواقب المترتبة عن ذلك وعليه. وكنت أتوقع أن أهل البصرة، وعموم سكان جنوب العراق، لطبيعتهم السمحة والمرحة، الذين كانوا يعانون أوضاعاً مذلة تبدأ بالبطالة الواسعة للشبيبة وتدهور الخدمات الأساسية وفقر مدقع ومطاردة من جانب قوى الأمن والأحزاب الإسلامية وميليشياتها، لا يمكنهم أن يرتضوا هذا الواقع المرير، وأن لصبرهم حدود.

وفي 30/05/2006 نشرت مقالاً تحت عنوان: “هل ما تزال البصرة حزينة.. هل ما تزال مستباحة؟” في موقع (الحوار المتمدن-العدد: 1566 – 2006 / 5 / 30)، أكدت فيه استمرار وضعها السابق، بل تفاقم الوضع. وبعد هذا كتبت الكثير من المقالات عن أوضاع الجنوب عموماً. ودوماً كنت أتوقع نهوض أهل البصرة وكل الجنوب والوسط ضد الأوضاع المزرية والرثة وضد الحكام السيئين!

وفي المقابل كان الحكام في المركز وفي المحافظات الجنوبية والوسط عموما، ولاسيما في البصرة، ثغر العراق الحزين!، يوغلون بسياساتهم التي تميزت بالتمييز المفرط إزاء المواطنات والمواطنين من أتباع ديانات أو مذاهب أخرى، وبالفساد الذي كان يلتهم ما يصل إلى المحافظات من موارد مالية، إضافة إلى سرقة نفط البصرة بمختلف السبل الممكنة، وعدم الاستجابة لمطالب الناس في الحصول على العمل أو الخدمات الأساسية، ولاسيما الكهرباء والماء والنقل والصحة (وكلنا يعرف حجم الأمراض السرطانية المنتشرة في البصرة وأنواعها الجديدة)، والتعليم المتدهور وعدم تعمير المدارس المخربة أو بناء مدارس جديدة للتلاميذ والطلبة …الخ، إضافة إلى استمرار الإرهاب والاختطاف والتغييب والقتل والاعتقال والتعذيب وابتزاز العائلات. مما أدى إلى نزوح عائلات كثيرة من البصرة أو مدن جنوبية إلى بغداد وإقليم كردستان العراق، أو الخارج، ولاسيما أتباع الديانة المسيحية والديانة المندائية، وكذلك عائلات سنية تعرضت للمضايقة من جانب الميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة. واليوم أكتب وأنشر مقالاً آخر عن البصرة ذاتها، عن بصرة الفيحاء، ولكن تحت عنوان أخر هو: “البصرة الشجاعة، الغاضبة … البصرة المنتفضة!!!”. 

لقد أدى تراكم مفردات هذه الحالة إلى انفجارات عدة في فترات مختلفة قوبلت بالحديد والنار من جانب رئيس الوزراء السابق وأدى إلى استشهاد وجرح وتعويق الكثير من المواطنين. ولكن الانفجار المدوي في البصرة وبقية مدن جنوب العراق ووسطه وبغداد العاصمة، انطلق في أوائل الشهر السابع، شهر تموز من هذا العام (2018) بعد حراك مدني اجتماعي شعبي بدأ منذ العام 2015 في بغداد وغيرها، الذي هزَّ سكان المنطقة الخضراء من المسؤولين عن السلطات الثلاث، هزّ العروش الخربة المناهضة لمطالب الشعب والمعادية فعلياً لمصالحه ومستقبل أبنائهم، هزّ مقرات قادة الأحزاب الإسلامية السياسية وقادة ميليشياتها الطائفية المسلحة في مختلف مدن الوسط والجنوب. وقد امتدت تلك الأيدي الخبيثة، أيدي المليشيات الطائفية المسلحة، لتوجه نيرانها وضرباتها ضد المتظاهرين بدعوى ممارستهم العنف ووجود مندسين في صفوف المتظاهرين!!! ونسوا أنهم هم المندسون وليس غيرهم!

الجماهير الكادحة التي هدَّتها البطالة والفقر ونقص الخدمات الأساسية، ولاسيما الكهرباء والماء، وأوجعها الفساد السائد في كل جزيئة من مكونات حياة الشعب العراقي، إضافة إلى عمليات الاغتيال والاختطاف والتفجيرات هنا وهناك وموت الناس أو إصابتهم بجروح وتعويق، وشراسة الميليشيات الشيعية المسلحة في التعامل مع الناس في مدنهم المختلفة واستئساد أحزابهم الإسلامية السياسية على البشر باعتبارهم مالكي الحكم والمال والنفوذ في هذا العراق المستباح بالطائفية والمحاصصة المقيتة والظالمة والناكرة لمبدأ المواطنة الحرة والمتساوية لكل العراقيات والعراقيين بغض النظر عن القومية أو الدين أو المذهب أو الجنس.

لقد أصبحت البصرة مدينة خربة، رثة بكل معنى الكلمة، بسبب رثاثة حكامها ورثاثة سياساتهم ومواقفهم وجهلهم ورفضهم الاستجابة لمطالب أهل البصرة وأهل بقية محافظات الجنوب والوسط. لذا فأن ما حصل في البصرة من انتفاضة الحزن والغضب، قد حصل أيضاً في ذي قار وميسان وواسط والقادسية وبابل والنجف وكربلاء وغيرها من مدن الوسط والجنوب، لأن المشكلات واحدة والقوى والأحزاب الحاكمة المستهترة بالحكم والمقدمة مصالحها على مصالح الشعب واحدة والعواقب واحدة.

رغم استمرار أشكال مختلفة من صيغ الاحتجاج والانتفاضة الشعبية الجارية، ورغم إصرار الناس على التظاهر وعدم السكوت ورفض الحلول العرجاء التي لا ترتقي إلى تغيير النظام الطائفي المحاصصي القائم، رغم كل ذلك نلاحظ إن ممثلي إيران في العراق يبذلون المستحيل من أجل إعادة إنتاج ما هو قائم حالياً من نظام سياسي طائفي محاصصي مقيت ويتمادون في تعاونهم وتنسيقهم مع أتباعهم في العراق. فقاسم سليماني يتجاوز كل القواعد الدبلوماسية والسياسية، يتجاوز على شرعية الدستور العراقي، يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في البلاد، لا يتوقف عن السفر بين مدن العراق المختلفة ليلتقي بالقوى والأحزاب السياسية وبعناصر قيادية في هذه الأحزاب، بما في ذلك سفراته إلى إقليم كردستان العراق، في محاولة وقحة للوصول إلي تشكيل تحالف شيعي -شيعي ليكون منه الكتلة الأكبر لتكون أساس الحكم الطائفي الذي يراد إعادة إنتاجه في العراق، ليكون حكماً لصالح إيران وليس لصالح الشعب العراقي وتقدمه الاقتصادي والاجتماعي بواء المجتمع المدني الديمقراطي الحديث.

ومن الغريب ألّا تواجه هذه الجولات المكوكية بالاحتجاج والرفض من جانب الأحزاب الإسلامية السياسية، ولا من جانب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، وكأن الرجل يعمل في بيته بالعراق، باعتبار العراق محمية إيرانية أو شبه مستعمرة!!! إنها المأساة التي لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها وعليها. ليس سليماني وحده المتحرك، بل هناك بيادق إيرانية عراقية تتحرك هي الأخرى لنفس الهدف، في محاولة لتبييض وجه من اختزن السوءات طوال تسع سنوات من الحكم الجائر والفاسد والأجرب بين 2006-2014 ثم يرفع عقيرته ليطالب بعدم الإساءة له في حين إنه الأول الذي أساء إلى نفسه وقبل غيره من العراقيات والعراقيين، إنه يريد أن يعود بدعم من سيده ومرشده الإيراني خامنئي إلى الحكم، لأنه “سيف الإسلام” المتطرف والبغيض الذي سُلط على رقاب الشعب العراقي لما يقرب من عقد من السنين ولا يزال يرغب في استمرار ذلك. إنها المحنة الراهنة التي لا بد للشعب من تجاوزها ورفض هؤلاء العتاة الذين هم في أمور كثيرة لا يختلفون عن سلفهم في حكم العراق.

المياه الآسنة والملوثة هي حصة أهل البصرة من مياه دجلة والفرات، من شط العرب، إنها الكوليرا التي أصابت الآلاف من بنات وأبناء البصرة، دون أن يعمل المسؤولون على معالجة الوضع المتدهور بمسؤولية وحرص على الإنسان. ووزيرة الصحة ذهبت لتشارك في الفساد والخديعة حين أنكرت وجود ألاف المصابين بالكوليرا وادَّعت وجود 1500 شخص لا غير والمسألة غير خطيرة!، كما لم تتخذ أيبة إجراءات فعلية ضرورية لمساعدة الأهالي، بل عادت إدراجها كما ذهبتـ، هاربة مع من معها خشية الإصابة بنفس المرض، رغم العناية الاستثنائية التي وفرت لها ولوفدها. إن على العراق تحريك الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لدعم مطالب أهل البصرة وعموم الجنوب في معالجة الواقع الرث والفاسد والاحتجاج ضد سياسة الحكومة إزاء مطالب الناس.

البصرة الشجاعة، البصرة الغاضبة، البصرة المنتفضة ستنتصر على الحكام السيئين لا محالة، وأن طال الزمن، لأنها سنة الحياة، لأن الشعب صاحب المصلحة قد أدرك وبحدود مناسبة، وأن لم يكن تماماً، الأخطاء التي ارتكبها لجهله وسقوطه فعلياً في خديعة الدين والمذهب، في منح هذه القوى والأحزاب الطائفية المقيتة تأييده وتزكيته لها ومساندتها في الحكم. لقد سرقته ونهبت اللقمة من أفواه أطفال البصرة وعموم شعبها وعموم الجنوب والوسط والعراق كله.

 ليس العيب في أهل البصرة أو أهل الجنوب والوسط، رغم التأثير المباشر لشيوخ العشائر وشيوخ الدين الذين تحالفوا مع الحكم والأحزاب السياسية لفترة طويلة جداً ولا زالوا، كما يبدو حتى الآن، بل العيب في جميع المسؤولين الذين تولوا الحكم في العراق عموماً وفي المحافظات الوسطى والجنوبية، دع عنك الموصل والمحافظات الغربية وإقليم كردستان العراق، الذين تجاهلوا مصالح سكان محافظاتهم وتناغموا كلية مع مصالحهم الذاتية وأحزابهم السياسية، وكانت العواقب التي يعيش الشعب تحت وطأتها منذ 15 عاماً بالتمام والكمال، وبعد أن خرج من تلك المرحلة التي حكم فيها الفاشيون البعثيون وقادتهم الأوباش العراق ما يقرب من 35 عاماً مليئة بالحزب والكآبة والحروب والجوع والحرمان والموت والهجرة.                

البصرة لا تزال مليئة بقوى ومنظمات وعناصر الحرس الثوري والبسيج والأمن الإيراني، ولهم بيوت خاصة ومعروفة لأهل البصرة، وحسينيات يعمل فيها مرتزقة عراقيون، وهناك إذاعات وقنوات تلفزة “عراقية!” تعمل بأموال إيرانية تبث ليل نهار الدعاية ضد الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي وتعبئ القوى لصالح أولئك الذين يخدمونها وهم في الحكم أو خارجه. على أهل الجنوب والوسط تقع مسؤولية فتح أبصارهم وبصائرهم أمام هؤلاء الدخلاء سواء أكانوا من إيران أم من السعودية ودول الخليج، فنحن نريد أن يبقى العراق للعراقيات والعراقيين وان تكون قراراته مستقلة وغير خاضعة لأي أجنبي دخيل يحاول الإساءة للوطن والمواطن كما يفعل قاسم سليماني ورهطه!!!   

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular