يمتلك تجربة طويلة وغنية في الابداع السردي الهادف والرصين . الذي يمتلك رؤية الفكرية والاجتماعية والايديولوجية . وفق قناعاته , من تجارب صميم الواقع والحياة , ويقف بقوة وبقناعة راسخة , في مناصرة الشرائح الاجتماعية المسحوقة والمضطهدة , التي تعاني من مرارة القهر الاجتماعي والظلم من الانظمة الشمولية , التي تمارس الارهاب والانتهاك والاستلاب , في البطش والتنكيل , او ممارسة اشكال من الارهاب البشع , او تمارس سياسة التجويع والفقر , والاذلال في القيمة الانسانية , قديماً وحديثاً . والمزايدة في تجارة الشعارات البراقة الخاوية المحتوى والمضمون , بأسم ( كل شيء من اجل القائد المظفر ) سابقاً , والمتاجرة بالدين والتدين والشرف , بحجة صون حرمة وشرف المرأة حالياً , وهم يبعونها بدون شرف واخلاق . لذلك يعتبر ابداعه السردي , يمتلك قوة وصلابة في الايحاء والمغزى التعبيري الدال , عن هذه الانظمة البغيظة والسيئة الصيت والسمعة . ويخلق في خياله الفني , في رؤيته الواسعة , بكشف العيوب وفضحها على المكشوف . لذلك ابطاله في مجموعته القصصية , تعاني التأزم المأزوم , الذي يحرث في الانكسار والاحباط والهزيمة واليأس الحياتي , امام افعال الواقع القاهرة . تعاني العسف والظلم والحرمان , من مسخ حقها الشرعي في الحياة , ابطاله يعانون القهر الاجتماعي والحياتي , في أسوأ اشكاله , يعانون من مصادرة الحرية والحياة , في اساليب الارهاب , وزج المواطنين في محارق الحروب , ليكونوا وقوداً لها , او ملاحقتهم في العيش والرزق اليومي كما يحدث قديماً , وحديثاً في طامة الارهاب الدموي بالتفجيرات اليومية , التي تطال الشرائح المسحوقة والشعبية . بأن تكون الحياة , سلسلة رعب وانتهاك متواصل لا ينقطع بدأ , بل يزيد من وتيرته المتصاعدة , رغم تبدل الازمنة , وسقوط نظام , ومجيء نظام جديد آخر , لكنها تبقى نفس الثوابت , تتوارث باساليب الانتهاك وسلب الحياة والعيش . ابطاله ينتمون الى صلب الواقع المأزوم والمحروم . يعانون من صعوبة التكيف الحياتي , في البؤس والقهر الاجتماعي , وخاصة عند المرأة التي تكشف , خواء ونفاق البهرجة الاعلامية للعمائم واللحى الشيطانية , في صون شرفها وعفتها , وهم يساومون على شرفها وعفتها , في اشباع الغريزة الجنسية في الشبق الوحشي , في التعامل والتصرف والسلوك , هكذا بكل براعة يوجه خطابه السردي , الذي يحمل رؤية واسعة الافاق للناس والحياة , في زخم الايحاء والرمز البليغ , على مجريات الواقع وعيوبه المثقوبه والمهلهلة بخرقتها المثقوبة , التي تقود الانسان الى الهلاك والموت . ويتعمق في النص السردي لمحنة الانسان العراقي , سواء في الاستلاب والانتهاك , او ان يكون كبش فداء للارهاب الدموي وتفجيراته اليومية. او كشف عيوب الحكام الجدد , في نهجهم الذي يعتمد على اللصوصية والفرهود . ان المنجز الابداعي السردي . يتفاعل بعمق مع موجودات الواقع , برؤية ناضجة مدركة فداحة المعاناة الانسانية التي يمر بها العراقي . بما يمتلك من مكونات تعبيرية وتقنيات فنية حديثة في اساليب السرد القص , التي ترتقي الى صميمية الواقع الفعلي وتداعياته . كما برعت في وصفها وتصويرها في الابداع المتمكن , لهذه المجموعة القصص القصيرة ( المصابيح العمياء ) . لذلك نسلط الضوء بأيجاز على بعض القصص القصيرة .
1 – قصة ( بصمة كلب ) : كان الكلب ( حمور ) متعوداً في انشغال برمجة دماغه على بصمة مألوفة ومعروفة في تلافيف عقله , لذلك يبدو أليفاً ومسالماً ومتسامحاً , في عبور الزائر او الضيف الغريب الى البيت , اما اذا اشارت تلافيف دماغه الى الاشارة الحمراء , بتلقى بصمة غريبة , يبدو عند ذلك عنيفاً ووحشياً تجاه الغريب , بالنباح او في الهجوم على الزائر الغريب , وفتك به وتمزيقه , دفاعاً عن صاحب البيت , هكذا تعود عليها الكلب ( حمور ) ولكن رجال العهد الجديد , اصحاب اللحى والمحابس والبسملة , والفخفخة البراقة , جاءوا ببصمات غريبة غير مألوفة للواقع , ولا يمكن أن تهضمها النفس , لنشازها وغرابتها , . لذلك الكلب ( حمور ) وجد هذه البصمة للزائر الجديد , ربما وراءهها مأرب عدوانية وشريرة , لذلك هجم بقوة على الزائر ليطرده بنباحه , والتشب بثيابه , لكن حراس الزائر الغريب . من ذوي الوجوه المتجهمة بصرامة وعدوانية . حليقي الرؤوس , حاملي البنادق والمسدسات , انتفضوا على الكلب ( حمور ) قبل وصوله الى سيدهم الهمام , ليردوا قتيلاً برصاصات بنادقهم ومسدساتهم .
2 – قصة ( نداء طائر الحجل ) : النظام الاقطاعي يعتمد على الجندرمة , في تثبيت أسس النظام المبنية على الخوف والبطش , والشرطي هو اداة السلطة في تثبيت الامن والنظام , لذلك يمتلكون كامل الصلاحية في تحديد مصير الناس الابرياء , لذلك يتجنبونهم الناس , خشية من الوقوع في شراكهم , وتلبية كل مطاليبهم ( غالي وطلب رخيص ) لذلك الشرطي ( ابو اسماعيل ) اعجبته حركات طائر ( الحجل ) لذلك طلبه , لكي يمتع ابنه . واضطر الاب ان يلبي مطلبه , في اعطاء طائر ( الحجل ) رغم معارضة ابنه وبكاءه المر وتوسلاته , لكن لم تنقذ صديقه طائر الحجل , فكان يعامله بحبور ومرح , ويداريه ويطعمه بفرح وسرور , ويقضي الاوقات الطويلة في اللعب معه , وفجأة يذهب صديقه طائر ( الحجل ) منه , ويشعر بالقهر والحزن الشديد , واصابه المرض والحمى , وفي احد الليالي في الحلم , يجد صديقه الطائر ( الحجل ) قربه يمسده بحنان وعطف , ويشكو له المعاناة القاسية من ابن الشرطي ( ابو اسماعيل ) وان حياته تحولت الى جحيم ومعاناة , وحين فز من نومه لم يجد طائر ( الحجل ) قربه , اصابه مس من الجنون , وانطلق في البراري , متصوراً نفسه انه طائر ( الحجل ) يعود الى صديقه .
3 – قصة ( واغفارياه ) : عائلة فقيرة يسودها الحرمان الحياتي , توفى الاب المعيل الكادح , الذي كان يذهب مع الفجر الى مسطر العمال , ليجد رزقه اليومي . لذلك بعد وفاته لم تجد الام شيئاً يسد رمق جوع اطفالها , سوى ( بطانية ) منحها لهم احد المرشحين للبرلمان , بالوعد والقسم بأنهم سيرشحونه في البطاقة الانتخابية . لذلك اخذت البطانية لبيعها في سوق هرج , ولكن لم تجد الشاري , من حبربشية السوق , وافتى عليها احدهم ان تبيع ( عبائتها ) افضل من ( البطانية ) بهذه الصلافة المتغطرسة , من هؤلاء ادعياء التدين والعصمة والشرف للمرأة , يساومون على بيع شرف المرأة وعفتها , في سلب عبائتها للبيع , حتى تحصل على حفنة من الطحين , تسد رمق جوع اطفالها . سوى ان تصرخ بملء فمها الحزين ( يا واغفارياه ) .
4 – قصة ( فخاخ الجنان ) : ازهار وسعد . حبيبان تربطهما رابطة العشق , تواعدا على الاقتران بالزواج , لذلك ضرب لها موعداً لتجهيز حاجيات الزواج من السوق , وحدد المكان والزمن لحبيبته , لكي يلتقيان ويختاران الاشياء التي تعجبهما في الزفاف , وتأتي ( ازهار) في الموعد المحدد , وتقترب اليه بكل شوق واشتياق , ولكن في لحظة اقترابها , فجأة دوى انفجار دموي , ليحول اجساد الابرياء , ومنهم ( ازهار وسعد ) الى اشياء متفحمة ومحروقة , ووجدهما الناس , شخصان متفحمة اشلائهما متلاصقان لا يمكن فكهما احدهما عن الاخر . لذلك قرر المشيعون . دفنهما سوية في قبر واحد .
5 – قصة ( عفن النجوم ) : كان الاب تلفه الحيرة والذهول والتشتت , وهو يتمزق داخلياً , في عدم قدرته توفير الحاجيات البسيطة لعائلته الفقيرة , التي تعيش الكفاف والشحة والفقر المدقع , يساق الى التجنيد ليرسل الى جبهات الحرب ( جبهات العزة والكرامة والرجولة . ولا كرامة بلا صدام القائد العظيم المظفر ) وفي ساحة التجمع , يقرأ النقيب المتجهم بصلافة وغطرسة متعالية الاسماء . كأنهم خرافان تساق الى مسالخ الذبح , وفي دوامة قراءة الاسماء , يصاب الاب في ذهول من القهر الحياتي , وينسى سماع اسمه ضمن القائمة التي يتلوها النقيب , ولكنه انتبه اخيراً , وزمجر النقيب في وجهه بعنف وعدوانية , واخذ يضربه على رأسه حتى فارق الحياة . وامر جنوده برميه في المزبلة , على وقع اناشيد طبول الحرب ( وحنه مشينه للحرب .. يا كاع اتربج كافور ….. يمه البارود من اشتمه , ريحة هيل ) هذا الواجب المقدس . سلاحك شرفك . ولا كرامة بلا صدام ) .
6 – قصة ( عاجل ) : تدل على شيزوفرينا ومازوخية السادية لازلام نظام التسلط الشمولي , الذي يجمع التناقضات في وعاء واحد , في الاعتناء بالهوس بالاناقة والجمال والتعطر , والمظهر الجذاب بالملابس الفاخرة , والسلوك الظاهر , بالرقة والوداعة , وفي نفس الوقت ممارسة ابشع وسائل التعذيب ضد السجناء السياسيين , بقلع الاظافر وسيل الدماء النازفة , او الضرب المبرح بسادية حتى يتحول السجين , جثة هامدة تسبح في بركة من الدماء. ممارسة صنوف التعذيب بوحشية سادية , تتعارض مع شكلهم البراق وفخامة ملبسهم , وبشاشة وجوههم بالانشراح والابتسام .
7 – قصة ( دعابل خضر ) : كالعادة في عيد الاضحى . تتوافد اعداد كبيرة من الناس على مقبرة السلام , يترحمون على امواتهم , وتوزيع الثواب , كانت هناك أم ملتفة عباءة سوداء تبكي وتنوح على فجيعتها , الاب خطفه الموت , الابن الصغير ترك المدرسة والعابه , وانخرط في سوق العمل كحمال في السوق ,لكي يوفر رزقه اليومي في السوق الشعبي . ولكن كان الارهاب الدموي بالمرصاد له مع الابرياء الاخرين , ليحوله الى اشلاء متفحمة ومحروقة .
وهناك قصص قصيرة تمثل الكوميدية الحياتية , واخرى تمثل التراجيدية السوداء . ففي الاولى . قصة ( المسخ ) قروية اعتادت ان تذهب الى السوق لعرض بضاعتها البسيطة للبيع . وكانت كل يوم تمر وتجد الشاب الانيق المبتسم في وجهه المرح , وفي هندامه الفاخر يتربص ويتطلع عليها باهتمام وشغف , كل يوم يغير اناقته الفاخرة والجميلة , ويلاحقها بنظرات الابتسام , تصورت انه شاب عاشق ملهم بها , لذلك تزينت وتعطرت , وقررت مع نفسها ان تتحرش به , حتى يفهم انها مفتونة بعشقه ايضاً . فلم تضبط اعصابها لشاب الافندي العاشق , فلكزته بمكورتها الخلفية , مما وقع الشاب الانيق والعاشق فجأة , بدفعة واحدة الى الارض , مما هاج غضب صاحب المحل , وصاح بها غاضباً ( مالكِ هل جننتِي بالعمى أيتها المعيدية . فقد سقط المكنيان ؟! ) . فأصابها الذهول , وتبخرت احلامها وقالت ( والله ما ينكدر لمكركم يهل الولاية . تصورته حبيب عاشق , تالي طلع لعابة ؟؟؟ !!!!! .
القصة الاخرى بالتراجيدية السوداء . قصة ( اللعنة المستدامة ) : شاب كلما يقترب من نقاط التفتيش , يصيبه الهلع والخوف والقلق . كأنه يحمل شيئاً محظوراً وخطيراً . ما ان يمر عليه جهاز السونار . حتى يشير الى الخطر الكامن , فيندفع الية الشرطي ويتجمع علية افراد نقطة التفتيش , ويبعدونه عن الناس والسيارات , ويجردونه من كل ملابسه . حتى يصبح عارياً تماماً , ولكن حهاز السونار مازال يؤشر الى دائرة الخطر , بأنه يحمل شيئاً خطيراً . ويحاول ان يشرح وضعه ويقدم ورقة الى الضابط , وهو يصرخ بحزن ونحيب بأنه بريء , ويقرأ الضابط الورقة ( الى من يهمه الامر : …….. جسد المواطن الملصقة صورته اعلاه … يحمل رصاصة غير متفجرة , مستقرة في قفصه الصدري . تعذر علينا اخراجها , مما يجعله يعطي اشارات ايجابية لفحص البارود ……. يرجى ملاحظة ذلك مع التقدير )
وكذلك قصة بالشذوذ الجنسي من جانب الاب . في قصة ( القهر المزدوج ) الاب يمارس الجنس والشذوذ مع طفلته الصغيرة . وكانت زوجته انتحرت لشذوذه الجنسي , وتركت طفلتها ليلعب بها في فرش المتعة , ولكن حين جاء وقت الزواج , وفي فرحة زفة العرس , دخل عليها العريس , ولكنه صعق بأنه وجدها غير باكر , وقطعة القماش ظلت بيضاء , فهاج غاضباً ومزمجراً لانه وقع ضحية خداع , ووسط الفوضى والصراخ بين الاب والزوج , ركضت المطعونة في شرفها من قبل الاب الى الحمام واقفلت الباب , واخذت قطعة حديد ودستها في سويج الكهرباء , حتى احترقت متفحمة من التيار الكهربائي , انتبهوا الناس الى صرخة مدوية , وحين فتحوا باب الحمام , وجدوها جثة محترقة ومتفحمة . . بينما كان الزوج يتطلع الى التلفاز ليبث الخبر العاجل على الشاشة ( الجماهير التونسية تشيع محمد بوعزيزي , المنتحر حرقاً )
جمعة عبدالله