|
تؤكد مؤشرات الدولة العراقية، الى أن هناك جزءا من الطبقة السياسية، توغل بالفساد الى حد لا يمكن العودة عنه، وأخطر ما في هذه العملية، أن هذا الفساد إنتقل الى النخب البيروقراطية ( إدارة المكاتب).. فمنهم من أصيب بالعدوى, وآخر خضع للضغط السياسي أو وجد منفعته بأن يكون شريكا لجهة تحميه، وثالث أحتل غير محل فأفسد بسوء إدارته سواء علم أو لم يعلم، وبذاك أصبحت نخب الإدارة أدوات للتنفيذ وخادمة لطبقة تعتاش على الفساد.
تشكل النخب الإدارية صمام أمان شديد التماسك لكل دولة، وعليها يعتمد النظام السياسي في تنفيذ خططه سواء كانت خادمة أو ناقمة من الشعب، ولكنها في النظم الديموقراطية لا تعنى بتناحر القوى السياسية، وعملها يقتصر على الإدارة التي تقوم على المهنية والتخصص والكفاءة، في إدارة الملفات الملقاة على عاتقها، كونها وصلت لمواقعها وحسب المتعارف بناء على تدرج وظيفي، مهما أختلفت مشاربها وعقائدها.
قدر ما يشكو العراق من بيروقراطية إدارية وروتين قاتل، زاد طينها بلة خلطها بالسياسة، وتمسك بعضها بأساليب إدارية لا تتناسب مع طبيعة الحكم اللامركزي، وصارت كل مؤسسة محكومة لوحدها بين المركزية الإدارية ومركزية الضغط الحزبي وكل لوحدها, وحصرت الصلاحيات بشخص مسؤول لا سواه ضمن دائرتها، بداية من الوزير وإنتهاء برئيس القسم، ومن الوزراء من وصل بريده الى أربعة حقائب يأخذها الى منزله، ناهيك عن طبيعة التأثير المحاصصاتي في عمل المؤسسة.
طيلة عقود حُكمت المؤسسات بمركزية شديدة، وإنعدمت الثقة بين الرئيس والمرؤوس، وفي أحيان كثيرة يحصل تمساك بشدة مع جهل إنعكس على الحالة النفسية للموظف في المؤسسة والمواطن المستفيد من خدماتها، وقطع جسور الثقة وخلق حالة عدم رضا لدى المواطن.
تعد النخب البيروقراطية هي المشجع للتخطيط طويل الأمد، لبناء المؤسسات الحكومية والأهلية، وهي التي تبادر لوضع الإكتشافات العلمية والتقنية محل التطبيق، لغرض زيادة الأرباح وترقية العمل بأيسر سبله، وتقدم أرقى الخدمات بإستثمار الابحاث العلمية والتكنلوجيا المتطورة، وخلق فرص التنافس المحلي والدولي، دون أن تفكر بما تحصل عليه من كيل المديح والإمتيازات مع ضآلة الإنتاج، وبذا تسعى للتمسك بالموقع من خلال تقارير غير دقيقة، وحتى لو كان بالخضوع لرجال السياسة.
إعتمدت النخب الإدارية وبما نسميه الدرجات الخاصة، على إعتقاد أن هذه الوظيفة مدى الحياة، وأن كان غيرها فالاكثر نفعاُ لذات الشخص أو الجهة، وبذلك تفردت بالقرار وعدم مروره على الإجماع، ودون صياغة من الأسفل الى الأعلى، وإيقاف تطوير الحياة الوظيفية، وغياب الثقافة التنظيمية، وبلا ترتيب للأولويات، وإعتماد الإدارة على التقارير المكتوبة والوشاية، دون التحول الى الدخول في تفاصيل العمل، وترك مناهج التدريب ورفع كفاءة الأشخاص، نتيجة تغليب الحزبية، التي تشرك في إختصاصات ماهم من غير إختصاص، ووجود المحسوبية التي تطغى على الكفاءة، وغياب قوانين حاكمة لكل وزارة لتنظم عملها.
تستطيع النخب البيروقراطية إستعادة دورها ولعب دور صمام الأمان، في حال إستثمار الخبرات الإدارية والبحوث العلمية، وتفعيل القطاع العام والخاص بالشخصيات المناسبة والبعيدة عن التأثير السياسي.
يتطلب من النخب البيروقراطية تغير الذهنية المركزية، أو التي تنظر الى الموقع كمغنم، وتستبدلها بالمحافظة على روح الدولة والنظام السياسي المتقدم، من أجل القضاء على أزمة في كل القطاعات والعمل، وتزايد حجم البطالة والفساد، وهذا أدى الى إتهام النخب البيروقراطية، على أنها فشلت في تلافي الأزمات ولم تنتج حلولاً تجعلها مرتكز إدارة الدولة، وبذلك برزت أمراض الفساد والرشوة وإستغلال النفوذ وإنتشار الجريمة، وباتت الوساطة السياسية تلعب دوراً في مجالات عدة، بينما إختفت النخب تحت أجنداتها، أو مارست من مواقعها كأدوات لتنفيذ أدوار سياسية معظمها سلبي.