تزامنا مع الذكرى الخامسة لتراجيديا الابادة الجماعية للكورد الايزيديين على يد عصابات “داعش” الاجرامية، صدر عن دار الثقافة والنشر الكوردية كتاب للباحث والناشط المدني “حسو هورمي” تحت عنوان “الطفولة المفقودة” يتناول فيه جانبا مهما من المأساة التي حصلت لهذا المكون الاصيل من الشعب العراقي بعد اجتياح مناطقهم في محافظة نينوى بعد الثالث من آب عام 2014 الا وهو مشاكل الطفولة وما تعرضت له من جرائم وحشية ستبقى آثارها قائمة مالم يتم الاسراع في التعامل معها واعادة تأهيلها بعدما انعكست تلك الجرائم على شخصيتها.
و”حسو هورمي” كاتب وناشط في مجال الدفاع عن حقوق الأيزيديين والأقليات، ورئيس مؤسسة الأيزيديين في هولندا، وعضو الرابطة الدولية لعلماء وباحثي الجينوسايد وينتظم في الكتابة باللغات العربية والكوردية والهولندية، وله مقالات مترجمة للإنكليزية.
مثّل قضايا العراق وإقليم كوردستان والأيزيديين في اجتماعات مجلس الشيوخ والبرلمان الهولندي، ومجلس الشيوخ البلجيكي، وبرلمان فيدرالية بروكسل والبرلمان الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان، والأمم المتحدة في جنيف، كما كان مساهما في مؤتمرات عديدة تخص الدفاع عن حقوق الأقليات والإبادة الجماعية في المحافل الدولية والإقليمية والوطنية.
وله سلسلة كتب”داعش” والابادة الجماعية ضد الايزيديين ” والتي طبعت ونشرت في العراق وعدد من الدول الاوربية؛ منها:
1- الفرمان الأخير. 2- الطفولة المفقودة. 3- عن جحيم الدولة الإسلامية. 4- “داعش” وتجنيد الاطفال الايزيديين.
ويحاول هورمي من خلال الكتاب الذي بين أيدينا والذي تكفلت دار الثقافة والنشر الكوردية بطبعه، طرح ما تعرض له الايزيديون عموما والاطفال والنساء خصوصا من قتل وسبي واغتصاب من خلال الوثائق والشهادات الحية من اصحاب الشأن وتقارير المنظمات المحلية والدولية.
ويتكون الكتاب من اربعة افصل يتناول فيه بالتسلسل مجريات الحدث وما يمكن عمله من وجهة نظره ومن وجهة نظر الجهات المعنية.
الفصل الاول من الكتاب خصصه للتعريف بالديانة الايزيدية ورفع الابهام عنها كديانة توحيدية عريقة في منطقة الحضارات الكبرى في الشرق، اذ يتعبد الايزيديون بالاله الواحد “الله” الذي يسمونه بالكوردية “خودا او خودي او ايزي و يزدانى پاك” ويقدسون الملائكة ويكنون الاحترام للانبياء والاولياء الصالحين، ولكنها لا تقر بالواسطة بين الله وعباده.
كما يتناول الباحث في هذا الفصل الموطن الجغرافي وعدد نفوس الايزيديين ومعتقداتهم في الخليقة والتكوين وايمانهم بما يسمونه رئيس الملائكة “طاؤوس ملك” وكذلك مسائلهم العبادية الاخرى كالأدعية والصلوات واركان الديانة والمعتقدات والمقدسات والمحرمات والخطايا والنظام الطبقي الديني وكذلك المجلس الروحاني الاعلى الذي ينظم شؤون معتنقي هذه الديانة.
كما يتضمن هذا الفصل الحديث عن الكتب والنصوص الدينية التي يتعبد بها الايزيديون فيقول ان لهم كتابين رئيسيين هما (الجلوة) و(مصحفي رش = المصحف الاسود)، ويخلص الكاتب الى ان ما وصل من هذين الكتابين ليس ما هو حقيقي ولا يعدو كونهما جمعا عن طريق المستشرقين، اذ ان الكتابين الاصليين قد فقدا في القرن الثاني عشر الميلادي خلال حملات ملاحقة اتباع هذه الديانة على مر التاريخ. كما يتحدث الكاتب عن النصوص الدينية الاخرى كالقول والبيت والدعاء وهي نصوص موزونة ومقفاة وباللغة الكوردية ويتم تناقلها شفاها فقط.
وخصص جزءا من هذا الفصل عن المعبد الاقدس لدى اتباع هذه الديانة الا وهو معبد لالش في قضاء شيخان محافظة دهوك، وكذلك يتحدث عن مجدد الديانة الشيخ آدى (عدي بن مسافر) وخلفائه، وكذا عن الاعياد والمناسبات الدينية كأعياد فصل الربيع ومهرجاناتها واعياد فصل الصيف والخريف والشتاء.
وافرد الكاتب جزءا من الفصل الاول عما يسمى بالفرمانات اي اوامر القتل الجماعي (الجينوسايد) على مر العصور منذ بداية العهد الاسلامي ولحد اخر اعمال الابادة على يد “داعش”.
ويأتي الكاتب على شرح لمجريات الفرمان الاخير حول ما لحق بالايزيديين على يد ارهابيي “داعش” اعتبارا من الثالث من آب من عام 2014 الذي قتل في اليوم الاول من غزوه لسنجار نحو 1300 شخص وسبى 6417 شخصا من الاطفال والنساء وبيعهم لاحقا في اسواق النخاسة.
ويمر على مجزة قرية كوجو التي قام الارهابيون بجمع الاهالي وسلب ممتلكاتهم الشخصة وقتلهم جماعات في ودفنهم في اطراف القرية بسبب رفضهم التخلي عن ديانتهم.
ثم يتكلم عن راهن الايزيديين بعد الغزو الداعشي وتوزع الاهالي على 17 مخيما في مناطق متعددة في اقليم كوردستان ولجوء اعداد منهم الى تركيا والمناطق المحررة من سوريا وجورجيا، بالاضافة الى بقاء اعداد كبيرة منهم على سفح جبل سنجار.
وللاطفال الحصة الكبرى من الجريمة وما واجهوه من مشكلات التجنيد على يد “داعش” وافرد الكاتب مواضيع عن المشكلات التعليمية والاجتماعية بشكل مفصل.
اما الفصل الثاني من الكتاب فقد خصصه الكاتب لعدد من تداعيات الابادة الجماعية التي تعرض لها الايزيديون على يد “داعش” من المختطفات والسبايا الايزيديات وتراكمات المعاناة التي قد تدفع في بعض للانتحار خلاصا كملاذ اخير.
كما اشر الكاتب لحالات التعاملات غير الانسانية الشاذة والخارجة عن القيم الانسانية كحالات اغتصاب الطفلات وفتح اسواق لبيع النساء والاطفال بأسعار زهيدة وحسب العمر والشكل والمظهر الخارجي وكذلك توزيعهن كهدايا للفائزين بمسابقات معينة، مع تأكيدات موثقة من قبل ممثل الامم المتحدة لشؤون العنف الجنسي خلال الصراعات.
فيما يخص الفصل الثالث من هذا الكتاب الذي كان تحت عنوان حين يفقد الاطفال حقه بالطفولة فقد تطرق الى وضع الطفولة في المخيمات وواقعهم المرير ومستقبلهم المجهول، حيث يقول ” في المخيمات الاطفال يعيشون خارج عالمهم وفقدوا حقهم بالطفولة وبعضهم لازال يعاني من الصدمة في ظل تعلق مناظر الدماء والقتل والموت والاغتصاب واصوات اطلاق النار وفقدان الاهل والاحبة والاصدقاء بمخيلتهم”. وهو يطالب السلطات الحكومية بالعمل مع المنظمات الدولية من صياغة ستراتيجية واضحة وشاملة لضمات تلقي الناجيات الرعاية الصحية والطبية على المستوى البدني والنفسي وتأمين حياة كريمة خصوصا للقاصرات من خلال خطوات تنفيذية ملموسة على ارض الواقع.
ويتناول الكاتب في قسم اخر من هذا الفصل آثار “داعش” على الاطفال الايزيدية واورد احصائيات تؤكد مقتل المئات جوعا وعطشا في الايام الاولى للغزوة فضلا عن الذين قتلوا مع ذويهم، مشيرا الى ان الغزوة افرزت قرابة ثلاثة الاف طفل يتيم يعانون من القلق والخوف الشديدين من المجهول وعدم الشعور بالأمان والتوتر المستمر حيث يشعرون بانهم مهددون بشكل مستمر والمعاناة من الاضطرابات النفسية وكذلك انتشار الامراض بين الاطفال والانقطاع عن التعليم وجنوح البعض منهم.
كما طالب الجهات الحكومية والاسرة ومؤسسات المجتمع المدني بأداء ادوارها من اجل التخفيف من وقع هذه المشكلات على الاطفال من خلال البرامج التأهيلية وفتح الدورات.
الفصل الرابع والاخير من الكتاب فقد جاء بعنوان “من داخل امبراطورية الرعب.. شهادات وقصص” وتضمن عددا من العناوين الفرعية التي تشكل مفاتيح للدخول في العديد من المفاصل التي يمكن خلالها حصر بعض الحالات وتناولها بالشرح ومنها مأساة القاصرات في ظل “داعش” والتحليل النفسي لها، وايضا عن اسواق السبايا لدى “داعش” واماكنها وطرق البيع والشراء فيها والهدف من انشاء هذه الاسواق فضلا عن البيع عن طريق الانترنت وتطبيقات الهاتف الجوال.
وقد انتقى الكاتب عددا من القصص كتبت من خلال استنطاق عدد من الضحايا وشرح ما جرى عليهن اثناء سنوات اسرهن لدى التنظيم الارهابي وكيف استغل الاطفال لبناء وادامة حملاته الاعلامية وايضا اساليبه في تجنيد الاطفال ليكونوا جنودا له وكيف نجح التنظيم في غسل ادمغة البعض منهم حتى جعل من شقيقين انتحاريين خدمة لأهدافه وغيرها من القصص المؤلمة.
وقد اغنى الكاتب مؤلفه هذا بالعديد من الصور والوثائق التي تدعم كل ما جاء في الكتاب.
وقد ختم الكتاب بالقول ان كل ما جاء فيه ليس مبالغة بل هو جزء صغير من حقيقة اكدها التنظيم الارهابي بنفسه في اكثر من مناسبة وكذلك دعمه بما جاء في قرارات الامم المتحدة والبرلمان الاوربي.
كل هذا لم يغلق باب الامل وحتمية انتصار ارادة الحياة فيقول “رغم المذابح والقتل والسبي والاغتصاب والتنكيل والتهجير والاسترقاق, تبقى إرادة الحياة لدى الأيزيديين في العيش بسلام وامان, أقوى من التكفير والترهيب وعتاة الظلاميين وسدنة الكراهية”.
بقي ان نقول ان الكتاب يقع في 216 صفحة من القطع المتوسط واشرف على طبعه قسم التأليف والنشر في دار الثقافة والنشر الكوردية، وصممت غلافه الفنانة منى محمد غلام.