.
احتل العراق المرتبة الرابعة عربيا والـ 44 عالميا من حيث عدد النزلاء في السجون، والذي وصل إلى قرابة الـ 43 ألف سجين عام 2016، وفقا لبيانات المركز الدولي لدراسات السجون ومقره بريطانيا.
تقرير المركز الدولي الذي أشار إلى أن عدد المعتقلين في العراق يناهز الـ 43 ألفا في مختلف السجون العراقية كان عام 2016، إلا أنه وبحسب إحصائيات حكومية، فإنه وبحلول شهر تموز/ يوليو الجاري وصل عدد المعتقلين إلى 55 ألف سجين.
تحقيق استقصائي لوكالة “يقين” يكشف عن حياة السجناء في العراق ما بين الإهانة والتعذيب والمساومات.
أرقام وإحصائيات
عدد كبير من السجناء، ذلك الذي كشف عنه عضو مفوضية حقوق الانسان في العراق “زياد العطواني” في حديثه لوكالة “يقين”، إذ يؤكد على أن السجون العراقية تضم 55 ألف معتقل وسجين في مختلف المحافظات العراقية.
“السجون العراقية بأقسامها المختلفة تحوي الآن 55 ألف شخص”
وأضاف العطواني أن السجون العراقية بأقسامها المختلفة تحوي الآن 55 ألف شخص، من بينهم 30 سجينًا صدرت بحقهم أحكام، فضلا عن 25 ألف موقوف على ذمة التحقيق أو طور المحاكمة، لافتا إلى أن السجون العراقية باتت مكتظة إلى الحد الذي لم تعد فيه قادرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة بسبب تهالك البنى التحتية للسجون، فضلا عن أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 لم تقم ببناء أي سجن جديد.
ولفت العطواني إلى أن المحافظات المستعادة من تنظيم الدولة (داعش) شهدت تدمير العديد من السجون ومن بينها سجن “بادوش” الإصلاحي في غرب الموصل والذي أحيل إلى ركام من دون أي مباشرة بإعادة بناءه مجددا، بحسبه.
أما الناشط الحقوقي “فيصل الجبوري” فيشير في حديثه لوكالة “يقين” إلى أن ما أشار إليه العطواني من أعداد السجناء لا يشمل محافظات كردستان، إذ لا تعلم الحكومة الاتحادية ولا المنظمات المحلية أو الحكومية أي معلومات عن أعداد السجون ونزلاءها، بحسبه.
وكشف الجبوري عن أن مشكلة السجون في العراق تنقسم إلى قسمين، أولهما هو اختلاف معاملة السجناء وفقا لمذهبهم وديانتهم، فضلا عن أن السجون ذاتها وفي جميع المحافظات تفتقر إلى أبسط مقومات السجون التي تنص عليها مواثيق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إذ لا يمكن اعتبارها سجون بمعنى الكلمة، وهي تشبه إلى حد بعيد غرف الموت التي يقضي فيها السجناء نحبهم قبل انتهاء محكومياتهم، بحسبه.
تعذيب ومساومات
لم يكن يخطر على بال “عمار عدنان” أنه سيقضي 8 أشهر من حياته في سجن التسفيرات في الموصل بسبب تهمة بسيطة تكشف الوقائع والبراهين أنها كانت باطلة.
ويكشف عدنان في حديثه لوكالة “يقين” عن أنه احتجز في سجن التسفيرات بمنطقة الفيصلية في الموصل لمدة 8 أشهر بين شهري حزيران/ يونيو 2018 وآذار/ مارس 2019، موضحا أن سبب اعتقاله كان لتشابه اسمه الرباعي مع مطلوب للقضاء بتهمة الارهاب.
“سجون التسفيرات وتلكيف والفيصلية تعج بالسجناء الذي قدرت أعدادهم بنحو 4500 سجين”
ويوضح عدنان أنه وعلى الرغم من أن محاميه قدم أوراقا ثبوتية في حين أن موكله يعمل على استحصال قرار قضائي يبين أنه ليس الشخص المطلوب من خلال قرينة اسم الأم، وأن لديه اثباتات بذلك، إلا أن عمار تعرض لأبشع أنواع الإهانة والتعذيب والمساومات التي لم تنتهي إلا عند الإفراج عنه بعد دفعه مبلغ 13 ألف دولار، كان ثمن سيارته التي باعها أهله من أجل دفعها كرشوة لسجانيه.
وعن طرق التعذيب والإهانة في سجون الموصل والتي تعرض لها عدنان، يكشف عن أن أبسط أنواع التعذيب كانت تعليقه من ساقيه بسلك معدني لمدة 4 ساعات يوميا، مع شتى أنواع الضرب بالهراوات والقضبان الحديدية من أجل انتزاع اعترافات تفيد بأنه عمل مع تنظيم الدولة (داعش).
أما أشد أنواع التعذيب التي لاقاها عدنان، فكانت تتمثل بربطه بوضع القرفصاء ثم ركله مرارا مثل الكرة، ثم كيه في مناطق حساسة من جسده، لافتا إلى أن ما لاقاه من تعذيب كان بسبب تهمة لم تثبت بعد، متسائلا: “ماذا لو أدنت بالتهمة، كيف كان سيكون التعذيب؟”، بحسبه.
ومن سجون الموصل إلى سجن الموت، وهو سجن التاجي شمالي بغداد، والذي بات يعرف على أنه أسوأ سجن في العراق متغلبا في سمعته السيئة على سمعة سجن الناصرية الذي يتحكم به قادة الميليشيات أيضا، بحسب سجناء سابقين.
“عبد سلطان العزي” أحد سجناء سجن “التاجي” والذي أفرج عنه مؤخرا بعد سجن استمر قرابة الـ 7 سنوات، يكشف العزي في حديثه لوكالة “يقين” أنه دخل السجن في عمر الـ 36 وكان سالما من أي مرض، إلا أنه خرج من السجن وأمراض وعاهات بدنية ترافقه.
إذ يكشف العزي عن أنه فقد عينه اليمنى خلال التعذيب الذي تعرض له عام 2014، فقد استخدم سجانوه أسلوب الإيهام بالغرق في تعذيبه، غير أن المياه التي أغرق فيها كانت عبارة عن مياه آسنة تسببت له بفقدان النظر في إحدى عينيه، فضلا عن إصابته بأمراض السكر والسل وارتخاء الأربطة في ساقيه بسبب طول فترة تقييده ومنع حركته، بحسبه.
قصص كثيرة تلك التي يكشف عنها السجناء المفرج عنهم من السجون العراقية التي أكدت منظمات دولية على أنها تفتقر لأبسط مقومات السجون الإصلاحية المنصوص عليها في المواثيق الدولية.
منظمات تكشف الحقائق
وفي هذا الصدد، كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش عن ظروف مهينة يلاقيها السجناء في مراكز الاحتجاز العراقية ومنها سجون محافظة نينوى، وقالت المنظمة في تقريرها الذي اطلعت عليه وكالة “يقين” والذي نشر في الموقع الرسمي للمنظمة الدولية أن سجون التسفيرات وتلكيف والفيصلية تعج بالسجناء الذي قدرت أعدادهم بنحو 4500 سجين.
“السجون تشهد اكتظاظا وازدحاما غير مسبوقين في أعداد السجناء”
وكشفت المنظمة عن أن الضباط المسؤولين عن تلك السجون مسؤولون عن التعذيب الكبير الذي يتعرض له السجناء من دون توجيه أي تهم للموقوفين على خلفية قضايا لم يبت القضاء فيها بعد.
وأشارت المنظمة إلى أن الحكومة الاتحادية والعراق وعلى الرغم من كم التقارير التي أرسلتها المنظمة لها، إلا أن التعذيب والإهانة في سجون الموصل والمدن المجاورة لها لم تتوقف حتى الآن.
ونقلت المنظمة في موقعها عن مديرة قسم الشرق الأوسط “لما فقيه” ما نصه: “تحتاج الحكومة بشدة إلى إعادة بناء مراكز الاحتجاز وإعادة تأهيلها، ينبغي للعراق إبقاء المحتجزين في مكان لائق، بما يتماشى مع المعايير الدولية”، بحسب المنظمة.
استنكار برلماني من دون جدوى
من جانبها، وفي حديث حصري لوكالة “يقين” كشفت “هيفاء الأمين” النائب عن كتلة “سائرون” في حديثها لوكالة “يقين” عن أن كثيرا من سجون العراق تفتقر لأبسط مقومات الدوائر الإصلاحية المعمول بها في دول الجوار والعالم.
“كثير من سجون العراق تفتقر لأبسط مقومات الدوائر الإصلاحية المعمول بها في دول الجوار والعالم”
وكشفت الأمين عن أن سجنا مثل سجن التاجي، لا يزال المعتقلون فيه يصنفون على أساس طائفي، إذ يحتجز سجناء كل طائفة على حدة، وتختلف معاملة المحتجزين حسب مذهبهم.
وأضافت الأمين أنه وعلى الرغم من أنها رفعت تقريرا بأوضاع سجن التاجي إلى الحكومة في شهر كانون الثاني/ يناير من العام الحالي، إلا أنه يبدو أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء، لافتة إلى أنه وبعد أكثر من 6 أشهر على تقديمها تقريرها، إلا أن أوضاع المعتقلين في سجن التاجي لا يزال على حاله، فمع الإهمال الطبي والنفسي للسجناء، يتحول السجن من مؤسسة إصلاحية إلى مؤسسة يمكن أن تسمى بمؤسسة الموت، بحسبها.
أما عضو مفوضية حقوق الانسان “فاضل الغراوي” فقد كشف في حديثه لوكالة “يقين” عن أن الأوضاع في مختلف السجون العراقية سيئة للغاية، كاشفا عن أن السجون تشهد اكتظاظا وازدحاما غير مسبوقين في أعداد السجناء، فضلا عن انعدام الخدمات الطبية والنفسية وتردي التجهيزات الغذائية ومواد التنظيف.
وأضاف الغراوي أن أكبر مشكلة تواجهها السجون العراقية هي الغياب التام لحقوق السجين مهما كانت قضيته أو مدة محكوميته، إذ أن سجونا عديدة كسجن التاجي والناصرية وتلكيف تضم آلاف المعتقلين منذ فترات طويلة من دون أن توجه لهم أي اتهامات، وقد يكون كثير منهم من غير المدانين فيما لو تم عرضهم على القضاء، بحسبه.
تحذيرات من النتائج
أما أستاذ الدراسات النفسية في جامعة المستنصرية “مؤيد سليمان” فيقول في حديثه لوكالة “يقين” إن ما يعانيه السجناء في العراق من إهمال وتعذيب يمكن أن يحول السجناء إلى مجرمين من العيار الثقيل، بحسب تعبيره.
ويضيف سليمان لوكالتنا أن السجون في جميع البلدان المتقدمة تحاول من خلال دوائرها الإصلاحية إعادة دمج السجناء في الحياة الاجتماعية في بلدانهم، إلا أنه وبسبب ما يلاقيه السجناء من تعذيب وإهانة ومساومات يمكن أن يزيد من الروح العدائية لهم تجاه جميع أصناف المجتمع سواء الحكومة وأجهزتها الأمنية أو حتى المجتمع ذاته الذي سكت عن مثل هكذا ممارسات.
“ما يعانيه السجناء في العراق من إهمال وتعذيب يمكن أن يحول السجناء إلى مجرمين من العيار الثقيل”
ويختتم سليمان إفادته لوكالة “يقين” بالتأكيد على أن الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية تقع عليها كافة المسؤوليات فيما يتعلق بأوضاع السجون، ففي الوقت الذي عانت فيه البلاد من موجتا عنف شديدة خلال السنوات الـ 16 الماضية، بات لزاما على هذه الحكومات أن تغير من استراتيجياتها من أجل ضمان الأمن والسلام في البلاد، بحسبه.
الطائفية في السجون
مصدر في وزارة العدل الحكومية تحدث لوكالة “يقين” عن أوضاع السجون في البلاد مشترطا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إذ كشف عن أن من يدير وزارة العدل منذ سنوات ليس الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة، بل مجموعة من الميليشيات التي استطاعت توظيف أعداد كبيرة من مقاتليها كحراس للسجون ومحققين.
ويضيف المصدر أن سلطة الوزير تنحصر في مبنى الوزارة فقط، إلا أن جميع السجون في البلاد تديرها ميليشيات متنفذة تابعة لأحزاب إسلامية حاكمة، وهذه الميليشيات تستخدم أساليب التعذيب والإهانة والقتل داخل السجون، فضلا عن اغتناء أفرادها من خلال المساومات التي تجري مع السجناء والذين اضطر بعض ذوي السجناء إلى تخصيص رواتب شهرية لذويهم المسجونين من أجل ضمان سلامتهم داخل جدران السجون، بحسبه.
“جميع السجون في البلاد تديرها ميليشيات متنفذة تابعة لأحزاب إسلامية حاكمة”
أما عضو اللجنة القانونية في البرلمان “يحيى المحمدي” فقد كشف في حديثه لوكالة “يقين” عن أن الطبقية والطائفية ماثلة في السجون العراقية، إذ أن المعتقلين من طائفة معينة يتنعمون بوسائل الراحة ويحملون هواتف جوالة مزودة بخدمة الانترنت، فيما يعاني سجناء طائفة أخرى من أبشع صور التعذيب والإهانة.
ويضيف المحمدي أن من جملة ما يحرم منه السجناء في غالبية السجون العراقية هو منعهم من التعرض لأشعة الشمس، إذ أنه وفي بعض السجون كسجني التاجي والناصرية فإن بعض المعتقلين لم يتعرضوا لأشعة الشمس سوى 10 دقائق فقط لكل 3 أشهر، وهو ما يتسبب بأمراض جلدية وغيرها.
وأشار المحمدي إلى أن وزير العدل الجديد “فاروق أمين” والذي تتبع جميع سجون البلاد لوزارته ينبغي عليه أن يغير من واقع السجون الذي باتت جميع المنظمات الدولية تتكلم عنه في تقاريرها.
متسائلا في ختام حديثه لوكالتنا عن الأسباب التي تمنع بموجبها وزارة العدل المنظمات الحقوقية والناشطين من زيارة السجون، مؤكدا على أنه لو لم يكن هناك خروق وتعذيب لما امتنعت الوزارة عن ذلك، بحسبه.