لم تكد تنتهي كارثة إحراق محاصيل القمح والشعير في مختلف المحافظات العراقية والتي أشير إلى أنها كانت بفعل فاعل، حتى أضحى سكان مدينة الديوانية على كارثة جديدة هي إحراق حقول الدواجن الرئيسية في المدينة.
كارثة إحراق الدواجن أتت بعد إصدار وزارة الزراعة تعميما بمنع استيراد البيض الأجنبي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، في مسعى لتشجيع الانتاج المحلي ودعم المنتجين.
ما الذي حصل في الديوانية؟
في صبيحة يوم الأربعاء 7 من آب/ اغسطس الجاري، فوجئ سكان مدينة الديوانية –مركز محافظة القادسية- بأنباء تفيد بالتهام النيران لعدد كبير من قاعات تربية الدواجن في المدينة، وهي قاعات تتبع مشروعا استثماريا رُخص قبل سنوات، وبات يزود الأسواق العراقية بمنتوجات البيض واللحوم البيضاء في طفرة نوعية وصل إليها العراق في منتجات الدواجن.
“الخسائر الأولية للمشروع تقدر بمئات آلاف الدولارات، وأن الحصيلة النهائية للخسائر لم يتم حصرها حتى الآن”
مدير قسم الوقاية في مديرية زراعة الديوانية “محمد البدر” كشف في حديثه لوكالة “يقين” عن أن حريقا التهم العديد من قاعات تربية الدواجن في مدينة الديوانية بمشروع “زهور نوروز”، وأدى إلى تدمير شبه كامل لمشروع الدواجن في المحافظة.
وأضاف البدر أن التحقيقات الأولية تفيد بأن الحريق كان بفعل فاعل، إذ لم يكن يضم المشروع أي مواد تساعد على اندلاع النيران تلقائيا، لافتا إلى أن الخسائر الأولية للمشروع تقدر بمئات آلاف الدولارات، وأن الحصيلة النهائية للخسائر لم يتم حصرها حتى الآن.
وتأسّف البدر لما حصل في مشروع الدواجن، عادًا الأمر لا يختلف كثيرا عما حصل في محاصيل القمح والشعير، متهما ذات الجهات التي أحرقت المحاصيل بالوقوف وراء إحراق مشروع الدواجن في خطوة وصفها بأنها تأتي في خضم الإصرار على ضرب الصناعة المحلية وجعل البلاد رهينة الاستيراد الأجنبي.
من جانبه يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة “حمدي النايف” في حديثه لوكالة “يقين” إن الكوارث الزراعية المتعمدة التي باتت تضرب المنتج المحلي العراقي بات هدفها واضحا في منع العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي في أي منتج سواء كان القمح والشعير أو الأسماك أو بيض المائدة.
وأضاف النايف أنه وبعد الحريق الذي التهم مشروع دواجن الديوانية، شكلت وزارة الزراعة لجنة تحقيقية من أعلى المستويات للوقوف على الحادث ومعرفة الجهة التي افتعلت الحريق، مضيفا أن تحقيقا موازيا يجري الآن من قبل القوات الأمنية، بعد أن تسبب الحريق بإصابة 3 عمال في المشروع بإصابات بالغة، بحسبه.
استنكار برلماني
استنكارات واتهامات للحكومة بالتقصير، تلك التي وجهها عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار النائب “علي البديري” بعد حادثة إحراق حقول تربية الدواجن في محافظة الديوانية.
وأضاف البديري الذي ينحدر من مدينة الديوانية أن كل اللجان التحقيقية التي سبق تشكيلها في حوادث مماثلة لم تأت بأي جديد، وغالبا ما تغلق إما بذكر أسباب لا يتقبلها العقل، أو تحميل مجهولين مسؤولية الحوادث.
“مجموعة من المستوردين يمثلون جهات سياسية لا تريد للمنتوج المحلي الازدهار هم أكثر المستفيدين من الحريق”
وأشار البديري إلى أن لجنة الزراعة البرلمانية طالبت بتحقيق غير روتيني، إذ أن اللجنة لديها شكوك كبيرة بأن جهة ما خططت ونفذت الحادث بدقة واحترافية بعد أن أعلنت وزارة الزراعة في وقت سابق تحقيق الاكتفاء الذاتي من بيض المائدة، بحسبه.
وكان النائب عن تيار الحكمة “سالم طحيمر”، قد أصدر بيانا صحفيا اطلعت وكالة “يقين” على نسخة منه وجاء فيه: “إن مجموعة من المستوردين يمثلون جهات سياسية لا تريد للمنتوج المحلي الازدهار هم أكثر المستفيدين من الحريق الذي اندلع في مشروع دواجن الديوانية”.
وأضاف طحيمر أن حرائق الدواجن في الديوانية تأتي ضمن مسلسل الحرائق الذي ضرب مختلف المحاصيل الزراعية والانتاجية والتي تهدف بالأساس إلى ضرب الاكتفاء الذاتي الذي يحققه العراق، لافتا إلى أكثر المستفيدين من هذه الأفعال هم مجموعة مستوردين يمثلون جهات سياسية لا تريد للمنتوج المحلي الازدهار لتبقى البضائع المستوردة هي الرائجة في الأسواق المحلية، بحسبه.
كوارث زراعية مستمرة
تستمر سلسلة الحرائق والكوارث الزراعية التي فاقت خسائرها مليارات الدولارات، إذ يقول الخبير الاقتصادي “عبد المنعم القزاز” في حديثه لوكالة “يقين” إن ما يحدث من كوارث في العراق تشي بأن الموردين هم من يقفون وراءها.
وأكد القزاز على أن العراق ومنذ أعوام خلت بات يسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة في مجال الزراعة، نظرًا لتوفر التربة الخصبة واليد العاملة الرخيصة نسبيا، إلا أن إحراق محاصيل القمح والشعير وتسميم الأسماك ومحاصيل الطماطم، والآن إحراق دواجن الديوانية تشير إلى جهة واحدة فقط وهي إيران.
واستطرد القزاز حديثه لوكالتنا بالإشارة إلى أن كلا من تركيا وإيران تعدان أكبر الموردين الزراعيين للعراق، إلا أنه وبالنظر إلى أن تركيا لديها أسواق تصديرية كبيرة في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، فإنها لن تتأثر بأي حظر تفرضه وزارة الزراعة العراقية على الاستيراد الزراعي، على عكس إيران التي تعاني من عقوبات أمريكية وغربية مشددة تجعل من المستحيل بمكان أن تستطيع تصدير منتجاتها لدول اخرى غير العراق.
“إحراق محاصيل القمح والشعير وتسميم الأسماك ومحاصيل الطماطم، والآن إحراق دواجن الديوانية تشير إلى جهة واحدة فقط وهي إيران“
ويختتم القزاز بالإشارة إلى أنه ونظرا للأسباب السابقة، فإن جميع الدلائل والقرائن تشير إلى أن إيران وأذرعها في العراق تقف وراء الكوارث الزراعية في العراق، إذ تعتبر إيران العراق طوق النجاة الأخير في مقارعة العقوبات الأمريكية وتسعى جاهدة لإبقاء السوق العراقي مفتوحا على مصراعيه لمختلف منتجاتها المصدرة سواء كانت زراعية أو غير ذلك، بحسبه.
من جهته يقول المحلل السياسي العراقي “رياض الزبيدي” في حديثه لوكالة “يقين” إنه لا توجد في العراق أي جهة قادرة على وقف ما يحدث من تدمير ممنهج للاقتصاد في البلاد، إذ أن البلاد مخترقة في كل مفاصلها، وبالتالي فإن أي لجنة تحقيقية مهما علا شأنها لن تجرؤ على اتهام أي كان وخاصة إيران، إذ أن من يقوم بتلك الأفعال هم من العراقيين الذي يعملون كأذرع مخابراتية وأمنية لإيران.
ويعتقد الزبيدي أن مسلسل استهداف الاقتصاد العراقي سيستمر، مستدلا بأنه كلما أعلنت وزارة الزراعة تحقيق اكتفاء ذاتي في محصول أو منتج ما، فلن تمضي أسابيع حتى ترى كوارث كالحرائق أو التسمم تصيب المنتج المحلي، بحسبه.
تستمر سلسلة الكوارث التي تعصف بالاقتصاد العراقي، فبعد أن حُيدت الصناعة عن المنافسة الأجنبية والبضائع المستوردة، باتت الزراعة الآن هي الهدف الذي تسعى جهات معينة – بات يعلمها الشعب العراقي – بأنها من تقف وراء خراب البلاد وإفقار العباد.