بعدما أحتوى التيّار الصدري التظاهرات المطلبية لشعبنا، وأفرغها من محتواها لتنحرف بعيدا عن أهدافها التي إنطلقت من أجلها، ولتتحرك تلك التظاهرات إن إنطلقت بجهاز سيطرة عن بعد يُحَدّد المدى الذي على المتظاهرين التحرك من خلاله وأعدادهم وشعاراتهم وساعة تراجعهم. كان على من يمتلك هذا الجهاز أي السيد مقتدى الصدر أن يبحث عن سبب ومبرر يدعوه الى التظاهر ضد التيار الإسلامي والذي هو وتياره جزء منه، فما كان منه الا تبني شعار الإصلاح في مواجهة فساد الإسلاميين ومعهم طاقم المحاصصة الكوردي السنّي. ولمّا كان تيّاره يمتلك العديد من الوزراء والعشرات من البرلمانيين وغيرهم الكثير من مدراء عامّين ومستشارين وسفراء في مواقع سياسية وإقتصادية ودبلوماسيّة مهمّة بالبلد وأنّهم جزء من نسيج الفساد الذي يطحن شعبنا ووطننا، تبنى السيد الصدر مشروع الإصلاح بشعاراته البرّاقة غير القابلة للتنفيذ دون سلسلة قوانين منصفة وجهاز إداري كفوء وغير فاسد. وكخطوة أولى في هذا الطريق، أمر الصدر نهاية عام 2017 بتجميد كتلة الأحرار لمدة أربع سنوات، نافيا “أن يكون له نية في وجود ذراع سياسي أو دعم آخر غير الأحرار لتمثيل رأيه في العملية السياسية” وذلك من خلال حديث متلفز للمتحدث بإسمه صلاح العبيدي في السادس من كانون أوّل / ديسمبر 2017 !
وفي إشارة واضحة الى دوران ما تسمّى بالعملية السياسية حول مركز الفساد وتكرار نفسها بإستمرار قال: أنّ قرار التجميد جاء “لإيجاد معادلة جديدة لتغيير الحلقة المفرغة التي صنعتها الأحزاب في العملية السياسية”. ولإثبات أنّ المعادلة السياسيّة حسب وصفه خاطئة وأنّها تجري على حساب المواطن والوطن، والتي هي من البديهيات التي يعرفها الشارع العراقي جيدا حتى قبل وصفها من الصدر أو غيره كونها حقيقة نراها ونلمسها منذ الإحتلال لليوم، أشار الى أنّ الصدر يريد “تغيير المعادلة كاملة لأن المحاولات السابقة أثبتت أنها تستهلك الوضع العراقي وعلى حساب المواطن وهي خاطئة”، وأنّ المعادلة الجديدة وفق مفهوم الصدر والحديث لازال للعبيدي يجب أن “يراعى بها مصلحة المواطن ومن يعمل فيها يجب أن يلغي مصلحته أولا ونقصد بذلك كتلة الأحرار”. وهذا يعني ووفق منطق السيد الصدر نفسه أنّ كتلة الأحرار النيابية التابعة له كانت جزء من منظومة الفساد ونهب المال العام.
وليسبق الصدر الجميع بخطوة والعراق يتهيأ للإنتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2018 ، أكّد العبيدي أنّ الصدر”سيقدم دعمه لأي تكتل يثبت نفسه من حيث التنظيم والاستراتيجية والبرنامج، هادفا لمصلحة العراق ورافضا للفساد وضد الطائفية وإرجاع أموال العراقيين”، وليضيف العبيدي “أنّ لمثل هذا التكتّل سيتم دعوة كل الصدريين للتصويت له وتنفيذ مشروعه والبحث جاري عن جهة تحمل هذه الأهداف”، وهذا يعني ومن خلال توجيهات الصدر السابقة من أن جهاز السيطرة عن بعد هو بيد الصدر شخصيا، وأنّ فقراء التيار الصدري لا يتظاهرون من أجل مصالحهم، بل من أجل ما يطلبه ويقرره الصدر وبضغطة زر منه!!
وكنوع من الغزل السياسي وعودة لساحات التظاهر التي بدأت بالمدنيين والشيوعيين أكّد العبيدي “هناك امكانية موجودة للتحالف مع المدنيين فالمشتركات معهم في السنتين السابقة قوية ومنها الاحتجاجات ضد الفساد والمطالبة بالإصلاح”، مشددا على إننا “لا نريد مجرد تجمع ينتهي بانتهاء الانتخابات”!! ومن خلال هذه الدعوة والإجتماعات التي لابد أن سبقتها وتلتها، تمّ وعلى الضد من تصريح الصدر وتجميده لكتلة الأحرار، تشكيل ذراع سياسي جديد له بإسم حزب الإستقامة! هذا الحزب الذي رفض قادته وبعض المتحالفين معهم في قائمة سائرون إعتباره وهو في طور التأسيس، من أنّه ذراع سياسي للصدر بدلا عن كتلة الأحرار التي تمّ تجميدها. ولينكشف لنا زيف هذا الإدّعاء لاحقا، على الرغم من أنّ الشارع العراقي إكتشف هذا الزيف منذ اللحظة الأولى لتأسيس هذا الحزب الذي يقود تحالف سائرون من خلال توجيهات مقتدى الصدر. فهل هذا الحزب “الإستقامة ” يؤمن بالإصلاح، وما هي خارطة طريق الإصلاح التي يتبناها، وما هو دور نوّابه في تمرير قوانين تساهم بالحدّ من الفساد، أو التصويت على قوانين تسمح بتقليص نسبة الفاسدين من خلال فسح المجال أمام قوى وطنية يتحالف معها هذا الحزب ويعتبرها قوى رافضة للفساد ومناوئة للطائفية، والتي تعتبران وغيرهما من المشتركات التي دعتهم الى التحالف معهم “المدنيين” في قائمة سائرون؟
في البلدان ذات النظم الديموقراطية، تبدأ عمليات الإصلاح وتستمر من خلال تشريع قوانين تساهم على المدى البعيد في توفير بيئة آمنة للعملية السياسية فيها. فنرى هناك صراعا ديموقراطيا لتبني أفضل القوانين التي تساهم في عملية بناء ذلك البلد، والتي على رأسها قانون الإنتخابات كونه البوابّة الحقيقية لبناء دولة عصرية. فقانون إنتخابات عادل ومنصف ومفوضّية مستقلة للإنتخابات وإحصاء سكاني علمي وعدم إستخدام المال السياسي ولا فتاوى رجال الدين وضغط المؤسسات العشائرية، هي التي تمهّد الطريق لمشاركة واسعة لتيارات سياسيّة تمثل فئات وطبقات إجتماعية مختلفة، مما يفتح المجال واسعا لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين من خلال ممثّليهم في البرلمان أو مجالس المحافظات. فهل الصدر وحزب الإستقامة مؤمنين بالإصلاح كهدف، وإن كانوا مؤمنين به، فلماذا صوّت أعضاء حزب الإستقامة الى جانب قانون سانت ليغو 1.9 ؟ وهل القانون بصيغته هذه سيسمح لحلفائهم في تحالف سائرون وغيرهم من القوى الوطنية بتحقيق أحلام الناس بالإصلاح، وهو يسرق أصواتهم لصالح حيتان الفساد التي ستتقاسم الأصوات المسروقة بقوّة القانون ومن هذه الأحزاب، حزب الإستقامة نفسه!؟
عندما يصّوت الصدريون لصالح قانون سانت ليغو المعدّل 1.9 حالهم حال الكتل الفاسدة الأخرى، وعلى الضد من مصالح شريك لهم في التحالف. فهذا يعني أمرين، أولهما تجاوز هذا الشريك والإستخفاف به من خلال نظرة فوقية يحسمها الفرق الكبير بين مقاعد الطرفين في البرلمان، وثانيهما هو جعل الشريك أن يشعر من خلال هذا التصويت بأنّ الإصلاح كشعار هو للإستهلاك فقط وعليه أن يفكّر جديا بموقعه في التحالف وجدوى الإستمرار فيه.
أن يصّوت المتحاصصون لصالح قانون سانت ليغو 1.9 المعدّل أمر، وأن يصوّت نواب كتلة سائرون من حزب الإستقامة على القانون أمر آخر. فتصويت نواب الإستقامة على القانون يبعث برسائل عدّة ولأطراف عدّة، وعلينا قراءتها بدقّة وإتّخاذ موقف من هذا الحزب ورسائله وتحالف سائرون بشكل عام، من خلال طرح السؤال التالي: هل سائرون “عدا النائبين الشيوعيين” وبعد تصويتها على قانون سانت ليغو المعدّل، جادّة في رفع شعار الإصلاح؟
عودة لرسائل الصدريين، فأنّ إحداها موجهّة الى البيت الشيعي رغم الخلافات الظاهرية بينهم والتي لن تصل مطلقا الى خلافات جوهرية، وهي أنّ شعار الإصلاح كان لابد من رفعه لإحتواء الشارع العراقي الذي بدأ المدنيون والشيوعيون التواجد الميداني والتأثير فيه وإن ببطء من خلال تظاهراتهم المطلبية. والرسالة الثانية، موجّهة الى شركائهم في العملية السياسية من الأحزاب المتحاصصة غير الشيعية ودول إقليمية يهمّها إستمرار الفساد وسوء أوضاع البلد وطمأنتهم من أنّ مطالب الإصلاح لن تنجح، وهم أي الصدريون سيصوّتون ضد أي قانون إنتخاب يسّهل وصول نواب وطنيين ولو بالحد الأدنى الى البرلمان او الى مجالس المحافظات. والرسالة الثالثة موجهّة لحلفائهم في تحالف سائرون وهي: إفهموا اللعبة، فإننا لن نتخلى عن حلفائنا من أجلكم أو من أجل إصلاح حقيقي، وأنّ تصويتنا لصالح قانون يسمح بلعبكم وبقية القوى المدنية والديموقراطية دورا يعتدّ به في الحياة السياسية بالبلد هو ضرب من الخيال. الكرة الآن في ملعب القوى التي تحالفت مع الصدريين في تحالف سائرون، والتي عليها الإجابة على السؤال التالي: هل الصدريون دعاة إصلاح وهم يعملون على إبعادكم عن تبوأ ولو بضعة مقاعد في مجالس المحافظات وسيسرقون أصوات ناخبيكم من خلال قانون سانت ليغو المعدّل، وهل بقي معنى للإصلاح، وكيف ستخدمون الجماهير وأنتم لا تمتلكون مقاعد في مجالس المحافظات، وتأثيركم البرلماني لا يعتدّ به لنسبته التي تصل تقريبا الى العدم خصوصا عند التصويت على القرارات التي تهم حياة الناس أو تطوير ما تسمّى العملية السياسيّة؟
سؤال..
يقول السيد رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي: أن هذا التحدي “التصويت على قانون سانت ليغو المعدّل 1.9، يطرح الان امام القوى المدنية والقوى الوطنية الاخرى التي تقف بالضد من نهج الاستبداد والمحاصصة، مسؤولية توحيد قواها في ائتلاف واسع، ومضاعفة جهودها والعمل على تحقيق تمثيل يليق بحجم جمهورها في الشارع”. كيف ومن هي هذه القوى، وهل الصدريين جزء منها وهم يصوّتون لصالح قانون يكرّس نهج الإستبداد!؟
موقف..
يقول عمّار طعمة رئيس كتلة الفضيلة : “التصويت على نظام سانت ليغو (1,9) اغلق الابواب امام التغيير و الاصلاح السياسي واحكم قبضة القوى السياسية النافذة على الواقع السياسي لأمد غير معلوم”.
سانت ليغو بنسخته الإسلامية العراقية هو ترجمة حقيقية للسمسار وتاجر الجنس والمخدّرات حمزة الشمّري، وقانونه “سانت ليغو” المعدّل في البرلمان العراقي هو قانون حمزة الشمّري سيء الصيت والسمعة. ولا نعتقد بل ونجزم أنّه بقانون حمزة الشمّري 1.9 الذي صوّت لصالحه البرلمان العراقي ومنه الصدريين لا يمكن أن نخطو خطوة واحدة في طريق الإصلاح.
زكي رضا
الدنمارك
13/8/2019