القصص القصيرة جداً , جنس ادبي يعتمد على اسلوبية خاصة ومتميزة , في الكمية والكيفية . الاولى تلتزم في الصياغة المركزة بالتركيز والتكثيف في لغة السرد المركزة . والثانية الكيفية تعتمد في ابراز الحدث والفكرة في الرؤية التعبيرية الدالة في الايحاء والرمز في البنية النص في المنظور السردي وافاقه المتعددة الاغراض . والاديب حميد الحريزي , بارع في التقنية الاسلوبية والتعبيرية في هذا الفن , ويحشر رؤيته الاجتماعية والسياسية في النص . وفي تناول مفردات الواقع , والغوص في اعماقها لكشف شفراتها في الايحاء والرمز الدال , ويكشف من خلال النص تناول ثيمات الواقع , التي تزاحمت عليه العيوب والزيف والفساد والنفاق والرذيلة والجشع الاناني . ويكشف من خلال الرؤية الفكرية افرازات الواقع , التي قادته الى التأزم والخناق الحياتي , لذلك يحاول كشف عورات وعيوب هذه الافرازات السلبية , التي فرضت نفسها بقوة على الواقع , ورمته الى أتون المعاناة والجحيم . وان الاديب ينشغل في ابراز التساؤل في دهشة النص المأزوم , واظهار التنافر والتناقض والازدواجية في التعاطي , لكي يأخذ النص المعنى الدال في المضامين الاجتماعية والسياسية والدينية . في الرصد الوعي , في التشخيص والتجسيد والتفسير . ان يبرز هذه العيوب على الملاء , بالفضح والاستهجان , بصيغة السخرية التراجيدية , او في المأساة السوداء , التي تعمل على الانهزام والاحباط والتأزم . حقاً غزت الواقع خصائل او مظاهرة غريبة وهجينة , في الفساد والنفاق في الدين والتدين . يعني انه يكشف هذا الانحراف الذي يخنق الانسان الذي بشر به المحتل في بيوضه التي تفقست ثعابين وافاعي , وجعلت الحياة ارهاق حياتي , وخاصة على الشرائح الشعبية والفقيرة , يكشف المناخ السياسي المتلوث والموبؤ , بالنفاق والتلون الانتهازي كالافعى الحرباء , التي تغير جلودها . حسب المناخ والحاجة في العرض والطلب , في التصرف والسلوك الذي ينتقل من ضفة الى ضفة اخرى , بالسخرية التراجيدية . هذه الرؤية الفكرية والتعبيرية في نصوص المجموعة ( المصابيح العمياء ) والاديب يتخذ الموقف الواعي والناضج في الانحياز الى الانسان ومظالمه وجحيمه . شجب الزيف والنفاق اسلوب ساخر ومستهجن . يحاول ايصال شفرة النص الدالة الى القارئ . في الرؤية الفكرية . لذلك ان القصص القصيرة جداً . تحمل ابداع ورؤية . لذلك نتمعن في بعض ابرز النصوص في المجموعة , التي احتوت على اكثر من 50 نصاً من القصص القصيرة جداً . ويمكن اجمالها في هذه العناوين البارزة :
1 – التجاة في الدين والتدين : ابراز مكامن النفاق والزيف واللصوصية . هذه السلوكية الجديدة التي جلبتها البيوض الاسلامية التي تفقست الى افاعي وثعابين جشعة وانانية . وانتهجت اسلوب التتعاطي بالازدواجية , في مظهرها المخادع , في الامتثال الى التدين والتقوى والتمسك في فروض الدين والصلاة في الظاهر . وفي الباطن الوجه الشيطان والثعلب الماكر , في الفساد والرذيلة والجشع الاناني , واشباع النزوات الشاذة والغريبة . هذه الافاعي التي جاءت مع المحتل , واستلمت السلطة والحكم , يحكمها نهج وعقلية الترهيب والترهيب , كأنها تفقست من عقلية النظام الساقط . وكذلك في شراء النفوس الضعيفة , والذمم الرخيصة من الاقلام المأجورة . لكي يتصاعد الجحيم والفقر في الحياة الى الاعلى . متل اقصوصات ( جلد الافعى ) و ( عطر الحياة ) و ( خارج الحساب ) و ( التفئير ) التي يدل نصها على عميات الفساد والاختلاس والاحتيال , محملة بالحقائب الدولارية . وكذلك في ( الفوز ) عن عفونة الديموقراطية عن استبدال احشاء صناديق الانتخابات , بصناديق أخرى لكي تضمن الفوز الكامل لها . وكذلك في القصة القصيرة جداً التي تحمل عنوان المجموعة ( المصابيح العمياء ) عن السخرية التراجيدية السوداء . في الابهار المخادع في المظهر الخارجي , والانجراف اليه بشهوة واشتياق , لكنه يعرف اخيراً انها زوجته التي يلاحقها ويطاردها بنزواته , لذلك لابد من تغيير مصابيح غرفة نومة . وكذلك ( اللهم أني صائم ) يكنزون المال بجشع ويتابهون به , الىشقاء على الاخرين , او على حساب دموع الثكالى والفقراء والايتام . وكلك في ( القناع ) يفرح بزهو وتباهي وهو يحمل قرار المحكمة , بتخلي المؤجرين الدكاكين المحيطة بجامعه , بطردهم , لعدم قدرتهم على دفع الزيادة في الايجار . وكذلك اقصوصة ( المحاضر ) يتحدثون في وسائل الاعلام والفضائيات والمحاضرات الجماهيرية . عن حق المرأة وحريتها ومكانتها في المجتمع. ولكن حين يستلم الجوائز من هذه الانشطة الاعلامية , يعرج على سوق الحريم ليشتري المزيد والمزيد من ( الحاجبات ) . او مثل قصة ( التفتت ) تغيير الجلود وانتقال من ضفة الاخرى . يعني من ازلام النظام السابق , الذين مارسوا الوحشية والاغتصاب , تحضر ابنة الشهيد الحزب , لتجد الرفيق المسؤول الذي يقدمها الى رفاق الحزب , هو نفسه الذي قتل والدها واغتصب امها , فتصرخ بجزع واستنكار , وكذلك في ( صلاة الثعالب ) و بقية القصص القصيرة في هذا العنوان البارز .
2 – عن الجحيم الحياتي في الحيف والظلم والانسحاق . في الايحاءات التعبيرية في المعنى والترميز البليغ . في عدم القدرة في توفير الخبز العيش المر , ضمن الجحيم الحياتي , وهذه الضائقة الشاقة تدفع الانسان الى الانتحار او الحرق , احتجاجاً على الواقع الظالم واللاعادل , في صورة ( بوعزيزي ) الدالة على رفض الظلم الحياتي , التي تؤدي الى انهزام الانسان , مثل القصص القصيرة جداً ( الشيب المكهرب ) و ( الرأس المفجوع ) و ( فواتير ) تتزاحم الفواتير عليه , ويجد نفسه في حالة العجز في تسديدها , ضمن الضائقة المعيشية , لم يستطع توفير رغيف الخبز لعائلته . لذا يتطلع الى صورة ( بوعزيزي ) مستلهماً اشارة قبول منه , ليتخلص من احمال الحياة الثقيلة في الشقاء والمعاناة . وكذلك اقصوصة ( أمنية ) بعدم قدرته مواكبة الحياة , بعدما سدت الابواب في وجهه , ان يطلق الحياة بجورها القاسي , وان تكون محطته الاخيرة في دار العجزة , بتكبير عمره من 60 عاماً , الى 65 عاماً , وكذلك شقاء المواطن في وطن الجحيم , تبقى هويته ( هوية الاحوال المدنية ) عديمة الفعل والقيمة والاثر , ولا تستحق ان يحملها المواطن , ويحرقها احتجاجاً على الوطن الجحيم الذي لايحترم ابناءه , كما في النص ( الهوية ) . وكذلك اقصوصة ( التفتت ) الذي يعجز في توفير المال المطلوب للعملية الجراحية بالتخلص من حصواته , ويقتنع بمصيره المحتوم بعدم اجرى العملية , لانه غير قادر على الدفع المالي . وكذلك ( قصة المعاناة ) و ( الرغيف ) من اعباء الحياة في الحيف والظلم , حتى الحب يشهد زمن الكوليرا, في اقصوصة ( الضرة ) , في زمن العولمة في الجوع والعسف والظلم والانتهاك لللانسان .
3 – الحب المزيف والمخادع : مثل النصوص ( عطر الحياة ) و ( باقة ورد ) و ( غرام الورد ) و ( قبلات النهر ) و ( رقصة الانا ) في كلام عسل على عسل في الحب , يفيديها بروحه وحياته , وبالفعل الحقيقي , يرقص على انغام الانا , حين يفترس القرش حبيبته . يعني هذه الاثار السلبية على على الحياة التي دلفت الى التلوث في اخلاق الفساد والسلوك , حتى الغش دخل في الحب . وكذلك في النصوص الاخرى مثل ( النجوم ) و ( قبلة في الفنجان ) . حينما انتهت مراسيم شهر العسل وظهر التباين في جدول القبل , سلمها ورقة الطلاق .
4 – صنع القلم المأجور والمرتزق والمزيف . . كيف يكون القلم الاصفر الذي يتقيء بقاذوراته العفنة والكريهة , وعندما يداس على ضميره وشرفه , يصبح طبالاً وراقصاً في حضرة الامير او السلطان , أو صاحب المقام الكبير , , أويعرض بضاعته الصفراء من يملك المال والنفوذ , ان يكون خادماً ذليلاً في التمجيد والتعظيم , ويخرس اما الزيف والدجل الحياتي , بل يكون بوقاً للزيف والدجل , في ( الجائزة ) احسن جائزة في حضرة الامير والسلطان . و ( موت المؤلف ) و ( هبة السلطان ) يغدق المال على جوقة القلم المرتزق , لكي يجددوا البيعة . وفي ( أوهام ). وكذلك اقصوصة ( المصادرة ) حين يصادر الضمير والشرف للكاتب بالمال , ويكون مرتزقاً , حتى يتعلثم لسانه , ويصيبه الصمم والبكم من اهوال الحياة وجحيمها , من حبات الذهب المخلوطة بحبات الرز , في خلق قلماً مأجوراً ومطيعاً لمن يدفع من المال , وان يكون حاضراً في عرس الواوية في التمجيد والتعظيم ,لكي يساهموا في دفع الحياة الى الجحيم والفساد . مثلما نجد في الاعلام المضلل والمزيف بالمنحرف عن الحقيقة , وامام هذه الصورة السوداء للقلم المرتزق والمأجور , هناك صورة مشرقة للقلم الذي يحافظ على شرف القلم ونزاهته بالضمير , الحي المنصف للحق والعدل , ولا يمكن ان يساوم او يداهن , او يقايض بالمال . لان للقلم قدسية يجب احترامها , وخاصة الاقلام الشريفة الذين يقفون الى جانب معاناة الوطن , ويدافعون عن المحرومين والمسحوقين , ينشدون العدل والحقيقة , كما في اقصوصة ( الندم ) الذي يجد الكاتب الخداع والزيف والرياء والفساد والرذيلة , ويخرج حتى لا يدنس قلمه بهذا بالوحل العفن .