المفتشون العموميون.. بؤرة فساد في وزارات العراق ومؤسساته

.

يتربع العراق في المراتب الأولى لأكثر الدول فسادا في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية، وعلى الرغم من كثرة المؤسسات والهيئات الحكومية المعنية بمحاربة الفساد في البلاد، إلا أن جميع المؤشرات الدولية تشي بخلاف ذلك.

إذ وفي آخر تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية واطلعت عليه وكالة “يقين”، احتل العراق المركز الـ 6 عربياً والـ 13 عالمياً في الدول الأكثر فساداً، في الوقت الذي احتلت فيه كل من الدنمارك ونيوزلندا المرتبة الأولى والثانية على التوالي بأقل دول العالم فساداً وأكثرها شفافية على الاطلاق.

ولعل أكثر بؤر الفساد هي دوائر المفتشين العموميين في الوزارات ومؤسسات الدولة، فما هي دوائر المفتشين العموميين ومتى أنشئت وما هي مهامها؟

دائرة المفتشين العموميين

“مكاتب المفتشين العموميين باتت حلقة زائدة بعد تسجيل البلاد 22 ألف حالة فساد في مكاتب المفتشين العموميين”

ينص الأمر (57) الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة التي كان يديرها “بول بريمر” على أن تنشأ مكاتب مفتشين عموميين في الوزارات والمؤسسات العامة، وأن تكون واجباتها هي محاربة الفساد والتبذير والإسراف وتقويم عمل مؤسسات الدولة بما ينسجم مع الرؤية الاقتصادية والسياسية للبلاد.

ويضيف نص الأمر الصادر في عام 2004 والذي اطلعت وكالة “يقين” على نسخة منه أن يرفع مكتب المفتش العام كافة الشكاوى إلى الوزير المعني، وفي حالة عدم استجابته ترفع بلاغات بذلك إلى رئيس مجلس الوزراء لأجل اتخاذ الاجراءات اللازمة، بحسب نص الأمر.

وفي هذا الصدد يقول الخبير القانوني “احمد العبادي” إن مكاتب المفتشين العموميين أوجدت بأمر من الحاكم المدني للعراق “بول بريمر” بعد الغزو الأمريكي للبلاد، فيما كشف أنها سبب عدم محاربة الفساد وتناميه في العراق وليس العكس.

وأضاف العبادي في حديثه لإحدى وسائل الإعلام أن العراق وبسبب مكاتب المفتشين العموميين لا يزال يتصدر بلدان العالم في عدم محاربة الفساد، لافتا إلى أن أمر رئيس الوزراء “عادل عبد المهدي” باستحداث مكاتب مفتشين عموميين جدد قد زاد الطين بلة، في وقت يعمل فيه البرلمان على تشريع قانون بإلغائها.

جدل برلماني

وكان مجلس النواب قد صوت من حيث المبدأ في آذار/ مارس الماضي على مشروع قانون لإلغاء مكاتب المفتشين العموميين، وفي هذا الصدد، يقول عضو لجنة النزاهة البرلمانية “صباح طلوبي” إن التصويت من حيث المبدأ على إلغاء مكاتب المفتشين العموميين والذي جرى في آذار/ مارس الماضي سيفتح الباب أمام نقاشات مستفيضة بين الكتل السياسية لإيجاد البديل عن هذه المكاتب من أجل تقوية الأجهزة الرقابية اأاخرى كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والمجلس الأعلى لمكافحة الفساد.

ويضيف في حديثه لوكالة “يقين” أن إلغاء مكاتب المفتشين العموميين يتطلب سنّ تشريع جديد يلغي قانون مكاتب المفتشين العموميين، لافتا إلى أن تلكؤ عمل هذه المكاتب يعزى إلى ارتباطها المالي بذات الوزارة التي يعمل المفتش العام فيها.

“الفصل التشريعي القادم سيشهد القراءة الثانية لإلغاء مكاتب المفتش العموميين”

ويكشف طلوبي عن أن الفصل التشريعي القادم سيحتم على مجلس النواب الاختيار بين خيارين اثنين، فإما إلغاء مكاتب المفتشين العموميين نهائيا أو تكليف جهاز الادعاء العام بمتابعة الرقابة على الشكوك التي تحوم حول الفساد المالي في جميع المؤسسات والوزارات الحكومية.

من جهته، يؤكد عضو اللجنة المالية النائب “جمال كوجر” أن مجلس النواب سيمضي بإلغاء مكاتب المفتشين العموميين في الفصل التشريعي القادم على اعتبار أن هذه المكاتب ما هي إلا حلقة زائدة عملت على استشراء الفساد من خلال الابتزاز والرشاوى.

ويضيف كوجر في حديثه لوكالة “يقين” أن مكاتب المفتشين العموميين باتت حلقة زائدة بعد تسجيل البلاد 22 ألف حالة فساد في مكاتب المفتشين العموميين في جميع وزارات ومؤسسات البلاد، إذ أن هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والمجلس الأعلى لمكافحة الفساد تفي بالغرض، ولم تعد هناك حاجة لإثقال ميزانية الدولة بعدد كبير من المفتشين العموميين دون اي جدوى من وجودها.

.

وفي السياق ذاته، أكد النائب عن تحالف الفتح “سعد الخزعلي” أن الفصل التشريعي القادم سيشهد القراءة الثانية لإلغاء مكاتب المفتش العموميين، لافتا في حديثه لإحدى وسائل الإعلام أن الأمر الديواني رقم (47) الخاص بتدوير المفتشين وتعيينهم في وزارات أخرى واستحداث مكاتب مفتشين عموميين في وزارات وهيئات أخرى مخالف للسلطة التشريعية وتجاوز على صلاحيات مجلس النواب خاصة بعد أن تمت القراءة الأولى لإلغاء هذه المكاتب.

وكان رئيس مجلس الوزراء “عادل عبد المهدي” قد أصدر أمراً ديوانياً باستحداث مكاتب للمفتشين العموميين في (7) هيئات وجهات حكومية، هي الهيئة الوطنية للاستثمار والبنك المركزي ومفوضية الانتخابات والحشد الشعبي والأمن الوطني ومفوضية حقوق الانسان والمصرف العراقي للتجارة.

رأي قانوني

تتعدد الآراء القانونية المتعلقة بعمل مكاتب المفتشين العموميين في البلاد، إذ يرى المستشار القانوني “نافع أحمد” أن البلاد ستظل تعاني من آفة الفساد حتى لو استحدثت عشرات الأجهزة الرقابية، إذ أن الفساد في البلاد تسطير عليه مافيات وأحزاب حاكمة متنفذة ومتغلغلة في جميع مفاصل الدولة.

“البلاد ستظل تعاني من آفة الفساد حتى لو استحدثت عشرات الأجهزة الرقابية”

ويضيف في حديثه لوكالة “يقين” أن إلغاء مكاتب المفتشين العموميين من قبل البرلمان ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح، بعد أن باتت عبئا لا طائل منه، إذ أن هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والمجلس الأعلى لمكافحة الفساد ودوائر الرقابة الداخلية في الوزارات والمؤسسات الحكومية كافية وستقضي على الفساد -في حال تفعيلها-.

وأوضح أحمد أن قانون جهاز الادعاء العام الذي سنّه البرلمان في عام 2017 سيتيح له التحقيق في جرائم الفساد المالي والإداري وجميع الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات رقم (111) لعام 1969 المعدل، لافتا إلى أن جهاز الادعاء العام يعد خير وسيلة لمكافحة الفساد في مختلف دول العالم المتقدمة، وبالتالي ومع تشريع هذا القانون لم تعد هناك حاجة لمكاتب المفتشين العموميين التي اثقلت الوزارات بالفساد من خلال علاقة هذه المكاتب مع الوزراء والمدراء العامين في تلك الوزارات، بحسبه.

من جهتها، دعت مفوضية حقوق الإنسان إلى تفعيل المادة الـ (5) من قانون جهاز الادعاء العام المقر في عام 2017، إذ يقول عضو المفوضية “على البياتي” في بيان كانت قد تلقت وكالة “يقين” نسخة منه إنه ومن أجل عدم ترك فراغ داخل الوزارات والهيئات المستقلة في مجال الرقابة المالية والإدارية ومكافحة الفساد، فإن المفوضية تطالب بتفعيل مواد قانون جهاز الادعاء العام، بحسب البيان.

ومع الخلافات الكبيرة بين الكتل السياسية بين من يؤيد إلغاء مكاتب المفتشين أو تعديلها، يبدو أن البرلمان متجه نحو إلغاء أو تعديل قانون المفتشين العموميين، فهل ستفلح هذه الخطوة في الحد من الفساد المشتري في البلاد؟ أم أن هذه الآفة مستمرة في التنامي؟