الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Homeمقالاتهل مِن مُقدَّس لذاته دون تقديسنا له نحن البشر؟ : بيار روباري

هل مِن مُقدَّس لذاته دون تقديسنا له نحن البشر؟ : بيار روباري

بداية وبشكلٍ قاطع لا لبس فيه، لا يوجد شيئ مقدس لذاته في الكون وعلى وجه البسيطة. وكل من يدعى غير ذلك إما أن يكون جاهلآ، وإما أن يكون مخادعآ.  والقداسة مرتبطة بالمُقدِس أساسآ، وهي شعور نابع من أعماق المُقدِس. لو أن الإنسان لم يقم بتقديس شيئآ ما أو كيانآ أو شخصآ بعينه، فلن يكتسب أيآ منهما صفة القداسة، وبالتالي لن يتمتعا بتلك الهالة التي تتبع عملية التقديس، التي يطلقها المُقدس أو الجماعة المُقدِسة لها.

فعلى سبيل المثال، ما هو مقدس لدى المسلمين، كالقرأن ومحمد والكعبة والإله، عند البوذيين وغيرهم ليس لهم أي إعتبار، ويعتبرونها أشياء عادية لا قيمة لها. والعكس بالعكس، فلدى البوذيين تمثال بوذا مقدس، ولكن بالنسبة للمسلمين مجرد حجر لا قيمة له فما بالك بالقداسة.

 

إذآ مِن أين جاءت فكرة القداسة، وكيف تسربت إلى عقولنا منذ ألالاف السنين، وشملت ملايين من البشر حول العالم، على إختلاف عقائدئهم. وأصبحت القداسة نوعآ من الثقافة الجمعية، وباتت لها طقوس ومراسيم خاصة بكل مُقدّس حسب مُقدِسه أو الجماعة التي تقدِسه؟

 

حسب قناعتي وفهمي، إن فعل التقديس الذي يمارسه المُقدِس تجاه مقدسه، نابع من الشعور بالضعف تجاه ما يقدسه، بسبب عدم فهمه له، وهذا مرتبط بمدى وعيه وثقافته وعلمه وإتساع مداركه الفكرية. بمعنى أخر عدم إستطاعته إدراك الأشياء بالعقل. وخير مثال على ذلك هو الله. الكثيرين من الناس حول العالم يقدسونالله، لأنهم لا يفهمونه، ولا يدركون حقيقته، ولا يمكنهم تصور شكله حتى. وفعل التقديس يتنافى كليآ مع العقل والمنطق. والتقديس تاريخيآ مارسه ومازال يمارسه المتديين بغض النظر عن ديانتهم. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل شيئ لا يفهمه الناس يُعتبر مُقدَس.

 

والمُقدِس أينما كان عقيدته، دومآ يمنح المُقدَس مرتبة عليا، ويضعه فوق النقد واللوم. ويرفض رفضآ قاطعآ النقاش حول صوابية ما يقدسه من عدمه. وإذا تعرض أحدهم بالنقد أو اللوم لمُقدِسه، يرد بعدوانية وعنف في الكثير من الحالات.

مثلما هو معلوم، المُقدَس والدين مفهومان مترابطان تاريخياً، الأديان كانت دومآ ممزوجة مع المُقدَس. كما نجد أن المُقدِس يضفى على المُقدس معاني دينية، ولذا لا تجد ديناً دون مقدّس، وظل هذا التلازم بين الدين والمُقدَس مستمراً عبر التاريخ وليومنا هذا، ولا يوجد دين بلا مقدسات.

والتقديس ليست ظاهرة يمتاز بها المتديين فقط، بل يتعدها الى أتباع الأيدولوجيات الفكرية كالماركسية

والفكر النازي، ووصولآ لمريدي بعض الحكام والملوك وزعماء بعض الأحزاب السياسية في منطقتنا

والعالم.

 

وكلمة “المقدس” بالعربية مآخوذة من الكلمة العبرية “كاديش، وتترجم في الغرب تحت مسمى ” هولي”

أي المقدس. والمقدس عند اليهود يعني فصل المقدس عن المدنس، فيما يتعلق بالشأن الإلهي. والمدنس يقصدون به ما هو دنيوي. وهناك من يربط المقدس بالطهارة والمدنس بالنجاسة وهذا المفهوم قديم يعود تاريخ ظهوره بشكل واضح لدى المتديين، الى أيام النبي زاردشت قبل حوالي أربعة ألاف عام بشرق كردستان، وتبني أتباعه من بعده هذه الفكر والتعاليم.  

والمقدس نقيض الدنيوي هذا أمرٌ ثابت، والعلاقة بين المُقَدس والدنيوي علاقة جدلية وتبادلية، حيث يحتل أحدهما مكان الآخر، فيصبح الدنيوي مقدسآ، والمقدس دنيويآ في بعض الأحيان. بمعنى آخر أن المقدس ليس بالضرورة أن يبقى مقدسآ طول الدهر.

 

كما علينا أن لا نخلط بين ثنائية “المقدس والمدنس”، و”ثنائية الخير والشر”. لأن ليس كل مُقدَس جيد، وليس كل مدنس شرير وسيئ بالضرورة. كم إن الخير والشر لا ينفصلان عن بعضهما البعض كما في حالة المقدس والمدنس، فهما شكلان لشيء واحد ألا وهو الأخلاق. والأخلاق كما نعلم نوعين، الأخلاق الإيجابية أي يعني (خيرة) والأخلاق السلبية أي (شريرة).

 

هناك مُقدَس مع الزمن يأفل نجمه، لأنه بالأساس مبني على تجربة إنسانية نفسية فردية للمُقدِس ومقاييس انحداره، يختلف عن مقاييس النظريات العلمية، التي تتناول هذا الأمر. ويتحرك في فضاء مختلف كليآ عن فضاء تلك النظريات. فالعلماء الذين يدافعون عن نظرية الأفول، يعطون أهمية أقل لمستوى التجربة الشخصية،ومن ثم حضور المقدَّس. بدلآ عنه يركزون عن ذلك على التحليل البنيوي والثقافي للشخص المُقدِس. وهناك شروحات متعددة لتجربة المُقدَس، وتختلف تلك الشروحات من مجتمع لأخر، ومن ثقافة لأخرى. في الواقع غالبية الشروحات تعتبر التقديس تجربة نفسية فردية معاشة، ويمكن إعتبارها نواة مركزية لإلتزامهالديني، وجميع أفعاله الإجتماعية وتصرفاته مع محيطه، تنطلق من هذه النقطة وتدور حولها.

 

إن الهدف الأساسي من تناول هذا الموضوع الحساس والمهم، هو وضع هذه الحقائق أمام أبناء شعبنا الكردي، الذين بغالبيتهم متدينين إن كانوا مسلمين أو زاردشتيين وإيزيديين ومسيحيين ويهود وعلويين، لكي يدركوا هذه الحقائق، وأن يتحرروا من كابوس المقدسات بجميع أصنافها وأشكالها الدنيوية منها والدنية، والتي لا وجود لها في الواقع.

الكرد محكوميين بثلاثة أنواع أو ثلاثة مستويات ما يطلق عليها تجاوزآ تسمية المقدسات وهي:

أولآ، المقدسات الإلهية (الدينية) وهي عديدة بسبب تعدد الأديان في كردستان، وقد ورد ذكرها أنفآ.

ثانيآ، مقدسات إستعمارية فرضها المحتلين لكردستان على الكرد وأجبروهم على عبادتها، كالنظام التركي، الذي إعتبر جد سلاطين العثمانيين شخصآ مقدسآ، إلى جانب شخصية مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال، والأن مُقدَّس جديد اسمه اردوغان. وهذا ينطبق أيضآ على حكام ايران الحاليين والسابقين. وذات الشيئ ينطبق على النظام السوري الحالي وفي زمن الوحدة بين مصر وسوريا بقيادة جمال عبدالناصر.

ثالثآ، بعض الأصنام الكردية (الزعامات)، كمصطفى البرزاني وعبدالله اوجلان، وجلال الطالباني، ومسعود البرزاني وآخرين كثر.

 

مَن مِن الكرد يتجرأ الإقتراب من هذه الأصنام، وخاصة إذا كان يقيم ضمن مناطق نفوذ تلك الأصنام، التي لا تختلف كثيرآ عن الصنم صدام وحافظ الأسد وجوزيف إستالين وجاوجسكو؟؟ لا أحد ومن إقترب كان مصيره الموت بالرصاص.

 

في الختام، أو القول إن تحرير العقول من الأوهام يسبق تحرير الأوطان، لأن العبيد لا يمكن لهم تحرير البلدان. وإذا لكان لا بد من مقدسات، فليكن مقدسنا هو حرية الإنسان وحرمة جسده وصون كرامته. ولا خير في إمة لا تصون هذه المقدسات.

 

16 – 08 – 2019

——————————————-

المراجع:

1- الإنسان والمقدس – روجيه كايوا.

2- الأشكال الأساسية للحياة الدينية – إميل دوركهايم.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular