اضافة لما سبق، هذا الحدث الهائل يْعْزيه الوردي الى الأسباب التالية:
أولاً: توقف الفتوحات في زمن عثمان.
ثانياً: ان عثمان بن عفان جاء بعد عمر بن الخطاب ونافسه عليها علي بن ابي طالب.
ثالثاً: لين وسماحة ابن عفان
رابعاً: محاباته لبني امية، اهله وعشيره.
مناقشـة الأسباب الأربعة التي ذكرتها في الجزء السابق عن ما حصل في خلافة الراشد الثالث عثمان بن عفان تلك التي اطلق عليها الراحل الوردي ثورة/ فتنة/ انتفاضة…التي أدت الى مقتل الخليفة.
أولاً: توقف الفتوحات زمن عثمان: حيث كتب الراحل الوردي التالي:
1. في ص23 وعاظ السلاطين كتب:[ففي المؤتمر الذي جمعه عثمان للتشاور في اصلاح الأمر وقمع الفتنة قبل اشتدادها قال عبد الله ابن عمر أحد ولاته على الأمصار: “رأيي لك يا امير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وان تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك فلا يكون هم أحدهم إلا نفسه ولعل هذه النصيحة التي قدمها (ابن عامر) الى (عثمان بن عفان) هي النصيحة العملية الوحيدة التي كانت قادرة على محق تلك الفتنة] انتهى
2.في ص22 وعاظ السلاطين: [أما حين وقف الفتح فقد رجع البدو يتنازعون فيما بينم على طريقتهم القديمة. ولسوء حظ الخليفة عثمان ان الفتح توقف في عهده فلو كان الفتح مستمرا في أيامه لما حدثت على الأرجح تلك الانتفاضة الكبرى التي هزت اركان المجتمع الإسلامي كله] انتهى
اقـول:
يبدو ان الراحل الوردي له الذكر الطيب اُعجب بقول ” عبد الله ابن عامر والي البصرة الشاب الذي ولد بعد الهجرة بأربعة أعوام” وليس “عبد الله ابن عمر” الذي ذكره الوردي في مقدمة هذه العبارة…و اعتمد ذلك القول فكان القاعدة الأساسية في مَنْطِقِهِ هذا دون ان يتعب نفسه بالبحث في تاريخ الفتوحات التي تؤكد الكتب التي “استل” منها الراحل الوردي هذا القول على استمرار تلك الفتوحات/الغزوات في زمن (عثمان ابن عفان) حيث تم فتح أذربيجان وأرمينيا وبلاد فارس والذي ساهم فيها او في بعضها “ابن عامر” نفسه وكذلك وئد الثورات التي حصلت في بلاد فارس أي إعادة فتحها، يضاف اليها اكمال الفتوحات في شمال افريقيا وبلاد النوبة. ان ابن عامر بقوله هذا ان صح هذا القول ربما يقصد ان يأمر الخليفة بتجهيز حملة جديدة للغزو/الفتح ولا يقصد ان الفتوحات توقفت على عهد الخليفة (عثمان بن عفان). لو كان الفتح متوقف لأشار الى ذلك ابن عامر بشكل واضح وربما وضع اللوم على الخليفة.
هل استند الراحل الوردي على مصادر/ أقوال أخرى بخصوص قوله “أما حين توقف الفتح…الخ “و” فلو كان الفتح مستمراً…الخ”؟؟؟؟
الجواب لا اظن، لأنه لو كانت لكان قد أشار لها لتعزيز ما كتب.
ان الراحل الوردي كما بدا لي تحت حالة الاعجاب تلك بقول (ابن عامر) لم يدقق في نص القول ويحلله ليستفيد منه او يقف على أهميته ولم ينتبه كما يبدو لتاريخ/سنة انعقاد ذلك المؤتمر الذي خُصِصَ كما كتب الوردي الى “اصلاح الامر” و”قمع الفتنة قبل اشتدادها” حيث عُقِدْ الاجتماع/ المؤتمر في عام 35 هجرية أي عام مقتل الخليفة الراشد الثالث (عثمان ابن عفان) وهذا له أهمية ليست قليلة حيث يدل الى انه عُقِدَ في اوج تلك الفتنة/الانتفاضة/الثورة ويعني انه جاء متأخراً ويمكن للبعض وانا منهم ان نحسبه مؤتمر طلب النجدة والحماية المساهمة في معالجة/قمع/محق ذلك /تلك “الانفلات الأمني/الفتنة/الثورة/الانتفاضة”. ويبدوا ان من حضر ذلك الاجتماع لم يُبَّلَغْ ب”جدول اعمال المؤتمر” وإلا لكان كل واحد منهم استصحب معه من يحميه منها وما يدافع بهم عن نفسه وعن الخليفة عند الضرورة آخذين بنظرالاعتبار المسافة الهائلة بين مراكز الامصار/الثغور وعاصمة الخلافة وصعوبة الطريق سواء بوصل دعوة حضور المؤتمر وتلبيتها والوصول للعاصمة تلك التي ربما تستغرق اشهراً.!!!
على كل حال:هناك فيما ورد في قول (ابن عامر) ما يثير الاستغراب والذي كما يبدو ايضاً ان الراحل الوردي لم يهتم له ولم يتوقف عنده.
فبعد إضافته الغريبة في مقدمة قول (بن عامر) التي تؤكد استنتاجي حيث كتب التالي: (للتشاور في اصلاح الأمر وقمع الفتنة قبل اشتدادها).
أن إصلاح الامر يعني ان هناك خلل/ عطل/ تخريب/ انحراف كبير بانَ واضحاً وشكل خطراً ويحتاج الى اصلاح مستعجل ربما وضروري قبل فوات الاوان.. أما قمع الفتنة فهو يعني ان ذلك الخلل المراد إصلاحه أصبح فتنة انطلقت وبانت لها ظواهر وتحركات وتأثيرات خطيرة تستدي القمع والقمع هنا ليس فيه نصيحة او رجاء او استعطاف او دعوة للهدوء انما القمع/القوة. قبل اشتدادها تعني هنا قبل تطاير شررها ليعم الامصار/ الثغور وقبل ان تصل الى نتائجها غير المرغوب فيها.
وما جعلني اُفسر هذه العبارات بهذا التفسير هو ما انتهت اليه تلك المصيبة بمقتل الخليفة بتلك الصورة البشعة التي تعكس حالة الاحتقان الشديد الذي وصل حد الحقد بحيث تجاوز المسلمون على قدسية خليفة نبيهم وهو إمامهم الذي أمهم الصلاة كثيراً والقى عليهم خطباً عديدة وفصل في بعض امورهم المُلحة احياناً.
لم يقف الراحل الوردي على ما تضمنه ذلك القول من مفردات/ كلمات/عبارات من قبيل:
1. “تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك”: … “تأمرهم” هذه يعني قصور فهم الخليفة لما يحيط به من مجتمع ونسي “ابن عامر والوردي” انه سبق هذا الاجتماع أوامر ودعوات وخطب وربما توسلات برجاء الهدوء لكنها لم تثمر، فكيف بأوامر جهاد او غزو وهم “الغوغاء/الثوار/المنتفضين” الذين كما يبدو وجدوا ان جهادهم الأحق امسى واصبح واضحى هو جهاد “الحاكم الظالم” ويمكن استخلاص ذلك من قول “ابن عامر”: “جهاد يشغلهم عنك” وهو يخاطب الخليفة حيث “عنك” هنا جعلت الموضوع بين “الغوغاء/ المنتفضين/ الثوار” من جهة والخليفة (عثمان بن عفان) من الجهة الثانية بقدسيته وموقعه ومسؤولياته… هذا “الأمر بالجهاد” الذي طرحه (ابن عامر) يعني في القاموس السياسي اليوم :تصدير المشاكل الداخلية الى الخارج وايجاد/صناعة عدو خارجي، هذا التصدير قــــــــــد يؤدي/يدفع الى توحد/توحيد الداخل ضد الخطر الخارجي …و ابعاد/ الغاء الخطر الأصغر والانشغال/ الاهتمام بالخطر الأعظم…
2.”وان تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك فلا يكون هم أحدهم إلا نفسه..”: وهي تعني الهاء العامة بالغزو وما يرافقه من سلب ونهب وسبي وإذلال للأخر سيدفع هؤلاء “الغوغاء” الى الركون الى السكينة والانشغال بتلك المنهوبات/الغنائم عن الخليفة وتعني تشتيتهم في البلدان وتدمير بيوتهم وتفكك عوائلهم لأن اغلب من يذهب للغزو لا يعود بعد ان يلمس ويشاهد ويتذوق طعم الحياة الجديدة بعد الانتصار. ولم يذكر لنا التاريخ او ما وصلنا عن تلك الفتوحات وهو بَّحارها عن حملة/حملات للم شمل عوائل المقاتلين قام بها الخلفاء او الامراء او القادة فمن يخرج للغزو اما انه يُقتل فيكون شهيداً!” يتنعم بالحور والغلمان” وتبقى عائلته تبحث عمن يُعيلها او يُصاب بعوق ويكون عالة على الغير يُعطف عليه او يبقى في تلك الديار البعيدة ليبحث عن غنيمة/مسبية تُخصص له يتزوجها ليكَّون عائلة جديدة في بلاد جديدة ربما لا يعرفها… أما القليل الذي يعود يقتله الندم وهو يرى/يشاهد /يلمس ان الغنائم التي ساهم بسرقتها يتلذذ ويتنعم بها الطلقاء والمؤلفة قلوبهم وأصحاب السابقة وربما من لم يقاتل وربما من رفض الخروج معهم.
ثم يعزز الوردي ايمانه بهذا القول “قول بن عامر” بقوله: “ولعل هذه النصيحة التي قدمها “ابن عامر” الى الخليفة (عثمان بن عفان) هي النصيحة العملية الوحيدة التي كانت قادرة على محق تلك الفتنة…”…هنا الوردي حسم امر أسباب الثورة وهو توقف الفتوحات لأن استمرارها يعني الطريقة الوحيدة التي تمحق تلك “الفتنة” ولا اعرف موقع (لعل)* هنا هل هي (توقع) من ان هذه النصيحة هي الحل ام انها “شفقة /عطف/ألم” على عدم انتباه الخليفة (عثمان) لهذه النقطة وهو الذي عاش ويعيش وسط هذا المجتمع وهذه المجاميع والمفروض انه خبرهم وعرفهم وبالذات لمعايشته مجريات الأمور/الاحوال على عهد الشيخين (أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب)…انا هنا ارجح “الشفقة/العطف/الألم” على سوء الحظ الذي “لازم” الخليفة حسب تصور الراحل الوردي حيث كتب قبل هذا المقطع أي في ص22 من نفس الكتاب: (ولسوء حظ الخليفة عثمان ان الفتح توقف في عهده فلو كان الفتح مستمرا في أيامه لما حدثت على الأرجح تلك الانتفاضة الكبرى التي هزت اركان المجتمع الإسلامي كله…) انتهى.
استغرب استخدام الراحل الوردي لعبارة: “ولسوء حظ الخليفة عثمان…الخ”. وكأن هذه الأمور “الفتوحات والغزو” تتحرك/تجري/ تحصل بالحظ. وهويعني ان محمد النبي وأبا بكرالصديق وعمربن الخطاب كانوا محظوظين بانطلاق الفتوحات وعثمان بن عفان لم يحالفه الحظ “غير محظوظ”؟
ثم يأتي الراحل الوردي ليقول قول يُلغي او يُحَّجِمْ”لعل”أعلاه بقوله: “فلو كان الفتح مستمرا في أيامه لما حدثت على الأرجح تلك الانتفاضة الكبرى التي هزت اركان المجتمع الإسلامي كله”هذه العبارة التي يمكن ان تعني ان احتمال حصول الانتفاضة وارد سواء توقفت الفتوحات ام لم تتوقف.
والراحل الوردي هيأ الأمور لقبول وترسيخ اعتقاده بطرح (ابن عامر) عندما كتب التالي:
1.في ص21 وعاظ السلاطين كتب التالي: [ان قيم الإسلام وقيم البداوة متناقضة بطبيعتها ولكن هذا التناقض لم يظهر في عهد النبي وعهد أبو بكر وعمر من بعده وذلك لان الكفاح المتواصل ضد الأجانب وَحَّدَ الهدف واشغل النفوس بمأثر الغزو والفتح وتأسيس الدولة] انتهى.
2.في ص22 وعاظ السلاطين: [والإسلام كان في عهد النبي وأبو بكر وعمر منهمكا في قتال الروم والفرس. وقد انشغل البدو بهذا القتال انشغالا جعل الطبيعتين المتناقضتين تستهدف غاية واحدة هي النصر على اعدائهم وأعداء الله] انتهى.
اقـول: العبارتين أعلاه وضعهما الوردي وهما صحيحتين لتأييد قول “عبد الله ابن عامر” والذي يعني تأييد قناعة الوردي وتأكيدها لكنه لم يهتم بالفروقات او الاختلافات في تسيير أمور العامة خلال عهد النبي محمد والشيخين من جهة وعهد عثمان بن عفان…
عهد النبي محمد معروف وفيه ثلاثة ميزات مهمة وهي:
1.انه المُبلغ بالدين وبانيه في مجتمعه وهو القائد الذي التف حوله اتباعه/اتباع الدين.
2.انه صاحب فتح مكة ومروض “اسودها” قريش بما طرح حول: “من دخل بيت أبو سفيان “و”المؤلفة قلوبهم …”و” إعادة قبلة المسلمين الى مكة” و”اول من انتبه الى خطر الأعراب/البدو “قل لم تؤمنوا… ولم يدخل الايمان في قلوبكم…” هذه العبارة التي جعلته قلقاً على كل ما حصل وعلى مستقبل الدين ودعوته وما يرغب ويتمنى ويريد وينفذ وربما كانت الأخطر التي مرت في حياته وقرر ان لا يطمئن ولا يستكن دون حل هذه المعضلة الخطرة فابتدع او اُمِر “كل من زاوية نظره للحالة”…فقرر ابعادهم عن عاصمة الدين ومركزه من خلال تشتيتهم على الامصار في الفتوحات وما ينتج عنها واغرائهم بالغنائم وبذلك انفرد بارتياح ليؤسس القاعدة الصلبة لدولته…و إلا لو لم يبتدع او يؤمر بهذه الفكرة لربما حصل للحال ما صارمن الحال على عهد الخليفة عثمان بن عفان وبالذات بعد القمة التي وصلها الحال بفتح مكة حيث ستبدأ المشاكل ويضيع العدو من الصديق.
اما الشيخ (أبا بكر الصديق) فقد حسم الامر لنفسه مع عصبته التي بايعته في السقيفة وأصبح هو القطب الواحد القوي الذي تكفل بإدارة ما تركه النبي محمد فشتت الاعراب والمعارضين في حرب الزكاة التي اُطلق عليها حرب الردة او المرتدين ومن ثم سيره على طريق النبي محمد في الفيء ومع كل ذلك منزلته في الايمان والتجارة وصحبة النبي محمد وفترة خلافته القصيرة جداً.
اما (عمر بن الخطاب) فانتزعها بأمر من (أبا بكر) وسن سنن جديده سأتطرق لها في الجزء التالي/القادم في(ثانياً) من أسباب ما حصل في عهد (عثمان بن عفان). حيث اعتبر الوردي ان الخليفة (عثمان بن عفان) سيء الحظ لأنه تولى الخلافة بعد (عمربن الخطاب).
وتأكيداً على تأكيداته كتب الراحل الوردي في ص22 وعاظ السلاطين: [وقد اشتهر البدوي انه مشاغب حسود ميال الى النزاع فاذا لم يجد من ينازعه من الغرباء مال الى النزاع مع ابن عمه وأخيه يقول القطامي ـ الشاعر الجاهلي في قصيدة له معروفة:
واحياناً على بكر اخينا…. إذا ما لم نجد إلا اخانا] انتهى
هنا الوردي يدفع الى تفسير ما جرى للخليفة عثمان الى: انها حرب/نزاع/تنازع بين البدو كما كانوا قبل الإسلام حسودين مشاغبين ميالين الى النزاع…اي ان ما جرى هو حسد وشغب وميل “طبيعي/طبعي” للنزاع. ويصر على ان البدو عادوا “بعد توقف الفتح في زمن عثمان الى “مآثرهم” في السلب والنهب والسبي فأن لم يجدوا البعيد الغريب عادوا يسلبون الأخ وابن العم وكأنه يقول انهم طبقوا قول القطامي بعد تعديل فيه ليصبح بيت الشعر كما التالي:
(واحياناً على “عثمان” اخينا…إذا لم نجد إلا اخانا)
ان الوردي هنا التقى مع ابن عامر بالتمام والكمال والغى “الانتفاضة والثورة “ومشاعر الظلم التي شعر بها المسلمون من بعض احكام وممارسات وتصرفات الخليفة الشيخ عثمان بن عفان وخالف ما كتبه في ص24 من نفس الكتاب:[والثائرون عادة يحتاجون الى نوعين من الحوافز:حافز عقلي وحافز عاطفي ففي الثورة على عثمان كان الحافز العقلي لها هو ما يبثه القراء والصحابة والاتقياء من مبادئ العدل والمساواة والزهد. أما الحافز العاطفي فكان كامناً في طبيعة الحرب التي مرن عليها البدو اذ هم يحاربون اخاهم حين لا يجدون من يحاربون غيره كما قال القطامي] انتهى.
الحافز العقلي هنا كما عرف ولمس من قرأ للوردي انه يعني به (علي بن ابي طالب وعمار بن ياسر وبلال الحبشي وأبا ذر الغفاري) ومن سمع لهم وتأثر بهم وسار على هديهم. اما الحافز العاطفي فيشير به الوردي الى ما قاله الشاعر القطامي.
وهذه مشكلة الراحل الوردي يأتي بقول ويحاول ليه باتجاه ما يريد دون تدقيق ومن ثم يعتبره مصدر يستند عليه ويجزم به ويحسم ويسترسل بشكل غريب فيظهر لمن يقرأ الوردي بدقة حجم الخلل في حساباته وتصوراته واستنتاجاته والمشكلة الكبرى ان الراحل له الذكر الطيب عندما يبدأ بكتابة الجديد لا يعود الى ما كتبه سابقاً ليتفحصه ويدققه ويحاول تجنب التناقض.
مما قرأت حول ما حصل في زمن (الخليفة الراشد الثالث الشيخ عثمان بن عفان) سواء اعتبرناها فتنة /انتفاضة / ثورة / حركة/ اعتراض/فورة /تخريب/هيجان/عصيان… يمكن لي ان التصور التالي:
(لقد توسعت الدولة الإسلامية/ امبراطورية كبرى في مدة غير كبيرة / تأسيس امبراطورية من أعظم امبراطوريات التاريخ القديم كما كتب الوردي…. تحليلي/ تصوري/ استنتاجي …قد يكون قاصراً لكنه وجهة نظر من واجبي وحقي طرحها وهي:
ان الفتوحات لم تتوقف في عهد الخليفة (عثمان بن عفان) انما الجيوش التي “تُقذف” في تلك الفتوحات صارت تُجمع وتٌجهز من البلدان التي اكتمل فتحها في نهاية حقبة “الخليفة الراشد الثاني الشيخ عمر بن الخطاب”
غدت امبراطورية وبدأ وكلاء الامبراطور في أطرافها الخطرة والبعيدة عن المركز والتي تولاها بأمر من الامبراطور ولاة عليهم كما تقول الروايات الكثير من علامات الاستفهام ومنهم “معاوية بن ابي سفيان” و”عبد الله ابن عامر” وغيرهم” كانوا يتصرفون كما ورد في تلك الروايات
مع توسع الدولة الإسلامية وتَّشَكل الولايات بعيداً عن المركز وتنسيب ولاة من أقارب الخليفة ناعمي اليدين بسبب “عدم حملهم للسيف في سبيل الحق” وناعمي الملبس والذين شاهدوا ما كان في تلك المناطق من البذخ ورغد العيش الذي يختلف كثيراً عن عيش الصحار القاحلات. كانت الغنائم تضيع في ترف هؤلاء ومن يتصدقون عليهم من الشعراء والجواري فلا تصل منها الى بيت المال في المدينة الكثير الذي يناسب المسلمين فيها ومحيطها وفيهم اهل السابقة. تصرف وكلاء الامبراطور حيث اخذوا يجارون ما على تخوم ولاياتهم من حكام أجانب لإمبراطوريات أخرى من حيث ترف العيش من لذيذ الشرب والطبيخ والانس والقصور والحرس والمواكب وهذا ما لم يتعود عليه المسلمون الذين ساهموا في غزو/ فتح /احتلال تلك الولايات وبقوا فيها فهؤلاء من مات منهم “الى رحمة الله مثواه الجنة وغنيمته الحور والغلمان والأنْهُرْ” وتتشرد عائلته حيث لا معيل لها من بعده والتاريخ ما نقل لنا عنهم شيء اوعن مقابرهم بل نقل لنا اخبار الذين تنعموا بأموال السلب والنهب والسبي بعد مقتل أولئك/حملة السيوف).
كانت الفتوحات على زمن عثمان يتم التحشيد لها وقيادتها من قبل تلك الولايات وحكامها/اباطرتها وكانت غنائمها توزع عليهم وما يرسل لبيت المال في العاصمة/المدينة المنورة قليل لا يكفي لاستمرار انتعاش أهل السابقة من المهاجرين والأنصار والمؤلفة قلوبهم والطلقاء وحَمَلَةْ الدين الذين تعودوا على نصيب محفوظ لهم خلال عهدي أبو بكر وعمر بن الخطاب على خطى عهد النبي محمد “مع بعض الفوارق”…و انشغال الخليفة عثمان بصلة الرحم التي تعزز ايمانه وفق “والأقربون أولى بالمعروف…” كما قالت الروايات واكيد كساد تجارته وتآكل رأسماله بعد ان تردت تجارة المركز مع الأطراف/الثغور حيث أصبحت تجارة الأطراف/الثغور رائجة مع محيطها الجديد لأسباب كثيرة منها ابتعاداً متعمداً عن المركز، وجودة بضاعة ذلك المحيط “الفرس والروم وبلاد الصين” الحاضرة منها او التي حُكىَ لهم عنها.
في ص132 وعاظ السلاطين كتب الراحل الوردي: [يقول المؤرخون ان اول بوادر الثورة على عثمان جاءت من الكوفة وسببها المباشر هو تصريح سعيد ابن العاص الاموي والي الكوفة حيث قال: “ان السواد بستان قريش” فقام اليه افراد من القبائل العربية يردون عليه قائلين: إنما السواد فيء افاءه الله علينا وما نصيب قريش إلا كنصيب غيرها من المسلمين “اثار هذا القول الذي تفوه به الوالي القرشي اعراب الكوفة فاخذوا يتذمرون ويعترضون ويشغبون فسفرهم الوالي بأمر عثمان الى معاوية في الشام. ولو نظرنا في النقاش الذي ثار بينهم وبين معاوية لرأيناه نقاشاً حول قريش بالذات قال معاوية من جملة ما قال: “انكم قوم من العرب وقد بلغني انكم نقمتم قريشا وان قريشا لو لم تكن عدتم اذلة كما كنتم وان ائمتكم لكم الى يوم جُنة فلا تسدوا عن جُنتكم…” فأجابه أحدهم قائلاً: “كم تكثر علينا بالإمرة وبقريش فما زالت العرب تأكل من قوائم سيوفها وقريش تجار”] انتهى
أقـول: وهو تحليلي وتصوري وكما قلت أعلاه قد يكون قاصراً:
إن الثورة على عثمان انطلقت من المدينة ومحيطها وان من دعا اليها وفجرها وشارك فيها ودعمها وعززها هم اهل تلك البلاد فلا يعقل ان وفود تأتي من الكوفة ومصر والبصرة لتثير القلاقل في العاصمة… كيف قطعوا الاف الكيلومترات؟ كيف انطلقوا من امصار عليها ولات تقدس الخليفة ولهم به صلت رحم؟ ماذا أكلوا وكيف وصلوا ومن أطعمهم وبغالهم وابلهم وخيولهم تلك التي قطعت تلك المسافات في أراضي قاحلة جرداء؟ اين رابطوا ومن أستقبلهم ومن اتفق معهم؟ المرويات عن الموضوع روايات مضحكة مبكية مُسْتَخِفْة، من يقرأها يتصور ان هناك جيش من المحرضين على صفحات التواصل الاجتماعي قبل أكثر من 1400عام “الفيسبوك وتويتر وغيرها “قام بتقريب المسافات من خلال الرسائل القصيرة والفيدوهات/ اليوتيوبات فالتقى أبناء مصر مع أبناء البصرة والكوفة واتفقوا على تشكيل مجاميع او تنسيقيات الثورة وحددوا مواعيد وشعارات، وهناك قوافل امداد للمؤن والطبابة صاحبتهم ومخيمات استراحة أقيمت لهم في الطريق.
ضَحَكَ مُطلقي تلك الحكايات على عقول الناس ونجحوا… فليسأل كل شخص نفسه والمسافة بين مصر والكوفة أكثر/تقترب من الفي كيلو متركيف سمع ابن البصرة بما يحصل في مصر وكان البث التلفزيوني للقنوات الفضائية مقطوع “الجزيرة والعربية وغيرها ” والانترنيت مقطوع؟.
اقترح “عبد الله بن عامر” على الخليفة ان يأمرهم بالجهاد؟ السؤال لمن يصدق وصدق هذا القول: هل هناك إمكانية بتجييش اهل الكوفة للجهاد في شمال افريقيا او بالعكس؟ وهل كانت هناك أراضي لم يصلها المسلمين بعد؟
أن قول ابن عامر يعني ان تلك الفتوحات لم تكن لنشر الدين انما كما يسمى اليوم في السياسة تصدير المشاكل الداخلية الى الخارج…وتعني دفع الأبرياء للموت خارج أماكنهم وعوائلهم وهذا يعني ان تلك الفتوحات هي للسلب والنهب والتدمير وسبق للراحل الوردي ان كتب تحت عنوان: طبيعة التعاكس ص 28 دراسة يقول الدكتور الوردي: [(لقطة مهمة ربما لم تقع امام اعين الاجتماعيين ودارسي المجتمع العراقي والعربي وهي ان تسلل العرب او الصحراويين (البدو) الى بلدان الحضارة كانت تمتصه الحضارة وتؤثر فيه وترغمهم على ان يسايروا الحضارة فهم لم يتسللوا برغبة فرض ما فيهم على المدنية لكن بعد الاسلام كان تسللهم او غزواتهم بقصد تدمير الحضارة واحلال مفاهيم البداوة] انتهى
(ملاحظة: يقول الوردي إحلال مفاهيم البداوة ولم يقل مفاهيم الإسلام وهذا يعني عدم الفائدة من تعاليم الإسلام ومن يحمل الدين) كما كتب الوردي:
1.ص318 مهزلة: [لقد وحد محمد العرب ووجههم نحو الفتح والفتح لابد ان يؤدي الى ظهور طبقة مترفة تنعم بما تدر عليها الغنائم من ملذات وذلك تطور اجتماعي محتوم لا مناص منه وهنا قد يسال سائل فيقول: إذا كان محمد يدري ما سوف يجر الفتح على امته من ترف وجور فلماذا امر به وحرض عليه؟ وهذا قول لا يختلف عن القول الذي سبقه في طبيعته المنطقية .كان العرب قبائل بدوية يغزوا بعضهم بعضا وهم كانوا ينتظرون من يوحدهم ويرمي بهم نحو العالم يفتحونه ولم يظهر محمد لربما ظهر فيهم رجل من طراز جنكيزخان او تيمورلنك والعالم القديم كان مهددا بين كل حين وآخر بموجة بدوية تجتاحه وتؤسس الدول الفاتحة فيه.ومن مزايا محمد انه ترك في امته اثرين مختلفين فهو قد وحد العرب ووجههم نحو الفتح من جهة وهو من الجهة الأخرى قد علمهم دينا فيه قسط كبير من تعاليم العدالة والمساواة ولهذا وجدنا العرب الفاتحين يحملون القران بيد والسيف باليد الأخرى فالسيف من طبيعته القسوة والظلم والقران من طبيعته الثورة والدعوة الى العدل] انتهى
2.في ص319 كتب:[ومما يلفت النظر ان محمد ترك من بعده اصحابا على نوعين فكان بعضهم قد تدرب على يد محمد وعانوا معه أنواع البلاء والاضطهاد وهؤلاء كانوا حملة رسالته الدينية في الناس اما الاخرون فكانوا حملة السيوف وعلى يدهم تم الفتح.وفي أيام الخلفاء الراشدين كان حملة الدين بمثابة صمام الأمن في الجيوش الفاتحة فكانوا لايرون قسوة اوتعذيبا حتى يقاوموه ويشتدوا في ردعه ومعنى هذا ان الفتح الإسلامي يختلف عن أي فتح اخرمن الفتوح القديمة فهو لا يحتوي على جنود محاربين فقط انما كان يحتوي فوق ذلك على قراء مؤمنين يقفون في جانب الشعوب المفتوحة ويؤيدونها في شكواها]نتهى
3.في ص320 مهزلة العقل البشري كتب: [كان جيش الإسلام يحتوي على النقيضين وقد رأت منه الشعوب المفتوحة يدا تجرح ويد تمسح] انتهى
أقــــــــول: كم عدد هؤلاء وكم عدد أولئك؟ وكم هو فعل وتأثير هؤلاء وكم هو فعل وتأثير أولئك؟
وفي ص320 ايضاً كتب: [كان حملة القران وحملة السيف في عهد الخلفاء الراشدين جبهة واحدة]. وقال: [كان الدين والدولة متحدين] انتهى
4.واعادها بصيغة أخرى في ص22 وعاظ السلاطين: [ولا يخفى ان الطبيعة البدوية تناقض روح الإسلام ذلك ان الإسلام يدعو الى التواضع واللطف والتقوى والعدل والمساواة بين الناس والبدوي لا يستطيع ان يكون مسلما حقيقيا الا في بعض الأحيان وذلك حين يكون المجتمع الإسلامي في حرب مع اعدائه والإسلام كان في عهد النبي وأبو بكر وعمر منهمكا في قتال الروم والفرس. وقد انشغل البدو بهذا القتال انشغالا جعل الطبيعتين المتناقضتين تستهدف غاية واحدة هي النصر على اعدائهم وأعداء الله] انتهى
أقـول: هذا القول يعني ان البدو صاروا مسلمين عند الغزوا وتركوا اسلامهم بتوقف الغزو على زمن عثمان وهذا يعني ان من قام بالثورة لم يهدف الى تصحيح مسار او انصاف الدين او إشاعة العدالة الاجتماعية بل انهم بدواً لم يتركوا طباعهم: [ *ص6 وعاظ : [ان الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ المجرد وحده فهي كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جبل عليه ذلك الشيء من صفات اصيلة] انتهى
* لعـلَ:
في ص59 وعاظ السلاطين كتب: [يتهمني الدكتور محيي الدين باني ادعوا الى استعمال اللغة العامية في الكتابة ولكنه يقدم اتهامه بكلمة “لعل” لكيلا يقال عنه انه يلقي الكلام جزافا] انتهى
*في ص315 الاحلام بين العلم والعقيدة كتب: [وهناك في كتبي ناحية أخرى لم يرضى عنها بعض القراء هي اتباع طريقة التشكيك حيث كنت أكثر من استعمال “لعل” و”ربما” وما اشبه عند ابداء راي من الآراء. ان هذه الطريقة مارستها في حياتي الجامعية واعتدت عليها طويلا حتى صار من الصعب التخلص منها. وهي في الحقيقة مما يفرضها المنهج العلمي على كاتب وباحث في العصر الحديث] انتهى
الى اللقاء في الجزء التالي: ثانياً: ان عثمان جاء بعد عمر بن الخطاب ونافسه عليها علي بن ابي طالب
عبد الرضا حمد جاسم