حتى اصبحت مشاعر الاغتراب واليأس والكآبة والقلق والمشاعر السلبية، ظاهرة سائدة بين الناس الذين تنقلب أسس حياتهم بصورة عاصفة، و يشعرون بأن الذين يعرفون بعضهم قبل سنوات صاروا غرباء عن بعض، ليس لأنهم خدعوا بعضهم بعضاً كما يلوح في السطح، بل لان نظرة الجميع للحياة تغيّرت، و الاسس الاجتماعية، الثقافية، الصحية والاخلاقية، و روابط اللغة والتاريخ والقرابة والصداقة قد حُرثت، بل قُلبت تماماً. ولم يعد للناس ما يحكمون به على بعضهم، بل حتى على انفسهم الا بالحقد والخوف والنقص والكراهية.
و يصفون ذلك بكونه أعراض تدمير البنية العضوية للمجتمع وروابطه، وزعزعة الاساس الداخلي للانسان، و كأنه تحوّل بتلك الزعزعة الى مخلوق ساخط (مع الاعتذار) يعوي على قمر بعيد المنال ان صحّ التعبير، و ان قوى مكوّنات المجتمع صارت تُنهَك في الصراعات فيما بينها، ويتّهم كل مكوّن الآخر بالعمالة لجهة ما او لغيرها، في وقت تستنزف فيه ثروات العراق و يسيل دم الالاف من ابنائه في حروب داخلية لا تؤدي في مجملها الاّ الى تمزيق الدولة والشعب العراقي، و فيما يتوصل قسم بأن هذا هو جوهر مشروع الشرق الاوسط الجديد !! يطرحه قسم آخر كسؤال مفتوح قائم، لكثرة الاسرار التي تنتهك العلنية المُنادى بها و تجعلها مسخرة، و تنتهك (سقوط نظرية المؤامرة) و تجعلها كذبة ليس الاّ ؟؟ . .
و فيما تجري و تُنَفّذ خطط لشركات و احتكارات و دوائر كبرى متنوعة مؤثرة بالقرارات الحكومية للدول الصناعية العظمى، في فترة تشهد فيها حكومات الدول النامية عموماً (منها بلادنا) ضعفاً واضحاً، لأنها لم تعد تستطيع تنفيذ برامجها الوطنية دون الإستعانة بالخِبَرْ و التدريب و التأهيل و الدعم المصرفي و الهبات الفلكية التي كانت تقدّمها لها الدول الاشتراكية السابقة، التي كانت تشكّل القطب المواجه و المنافس لقطب الرأسمالية . . اضافة لضعف تلك الحكومات لوجستياً و مؤهلاتيا بحكم الفساد المعشعش فيها، و وصول المتسلقين النهّابين بالغالب الى مقاعدها، و الضعف الهائل بسبب الفوضى التي عملت لها تلك الاحتكارات و الدوائر الكبرى.
تنشط دول رأسمالية المحيط المتوحشة في المنطقة (ايران، تركيا و دول الخليج)، التي جاءت متأخرة في تطورها الرأسمالي، تنشط بجوعها النهم للحصول و امتلاك مصادر الطاقة، و امتلاك اسواق لتصريف بضائعها التي لاتجد اسواقاً و لاطلباً، اضافة الى تصدير مشاكلها هي في البطالة و المتسكعين باسم الاسلام، و المخدرات و مجاميع الإرهاب . .
حيث ازداد الجوع النهم لتركيا الرافعة للراية (السنيّة) بزعامة اردوغان الحالم بعرش السلطان سليمان العثماني، بعد جنيها الارباح الكبيرة من اجتياحها لأسواق دول آسيا الوسطى الاشتراكية سابقاً، التي لعبت اللغة و الدين دوراً هاماً في نجاحها، و تسبب نهمها بدعمها (داعش) الارهابية الاجرامية حيث لعبت دور المنفذ الارضي الوحيد لها و ادواراً متنوعة لدعمها، و جنت الارباح الكبيرة من ذلك. اضافة لإيران النفطية ـ الغازية بالراية (الشيعية) التي تتسلط في المنطقة باذكاء و تقوية التوجه الديني الطائفي الذي يلفّ مصالحها الإقتصادية لحل ازمتها الداخلية، و اضافة للسعودية بالراية الوهابية و دول الخليج التي يزداد دورها المالي و العسكري . .
في زمن التكنولوجيا المتطورة ذات المصائب، ان وقعت بيد اشرار مستعدين لتحطيم كلّ شئ في سبيل الزعامة على عروش المال اللامحدود، في وقت وصلت فيه حدة المنافسة الى الاستعداد لتحطيم الاقطاب المواجهة بقضّها و قضيضها، بلا مبالاة باحجام الضحايا البشرية و الخسائر المادية الهائلة لدول و شعوب بأكملها . .
حيث يزداد اصطفاف اطراف الصراع الدامي الضاري الجاري، بحلقات متّصلة تمتد من القوى العظمى و الإقليمية ـ حكومات او شركات او كلاهما ـ . . الى وكلائهم الداخليين و المحليين النافخين بشعارات الطائفية و الإثنية، مستنزفين شعب العراق باطيافه، حياةً و امناً و عملاً، صحةً و ثقافة و وطناً، على مرّ عقود جرت و تجري .
عقود من حروب و حصار و غزو . . شهدت تصاعد انواع الفوضى، سرّاً و علانية بشتى الوسائل العنفية و الإعلامية و الخداعية، من بدائية من زمان اسرار حرب المخدرات بين بريطانيا و الصين و زمان عصور ماقبل الكهرباء و النفط و ما بعدهما، الى زمن الغاز و المعادن النادرة و الانترنت و الموبايل و تطبيقاتهما اللانهائية . .
(يتبع)
16 / 8 / 2019 ، مهند البراك