بغض النظر عن إتفاقك مع مواقف اوجلان وحزبه أو عدم إتفاقك، فالقضية الكردية في تركيا لا يمكن حلها من دون هذا الثنائي الهام، نظرآ لدورهما الفعال والأساسي على الساحة الكردية في هذا الجزء من كردستان.
ويخطئ كثيرآ مَن يعتقد أنه قادر على تحييد اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، صاحب الكاريزما الطاغية ومؤسس الحزب، وحزبه حزب العمال الكردستاني، أكبر تنظيم سياسي على الساحة الكردستانية عبر التاريخ الكردي كله.
وبرأي أخطأت الحكومة التركية بقيادة اردوغان عندما تجاهلت دعوة السيد اوجلان، بإعطائه الفرصة لدفع الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا للأمام، وحل الإشكال بين تركيا وكرد روز- آفا (كردستان سوريا).
وهذا الأمر غير ممكن دون إطلاق سراح اوجلان من السجن، ورفع اسم الحزب من لا ئحة الإرهاب التركية. لربما يقول البعض أن اوجلان يبالغ في قدارته، والقصة كلها أن الرجل يبحث عن حريته بأي طريقة. لربما كان هذا جزئيآ صحيحآ، وليس من العيب أن يبحث الرجل عن حريته، وخاصة أنه أمضى عشرين عامآ في السجن الإنفرادي.
لقد جربت تركيا على مدار أربعين عامآ خلت، تصفية حزب العمال الكردستاني وكفاحه المسلحة، ولكنها فشلت فشلآ ذريعآ في ذلك. رغم أنها إستخدمها جميع أنواع الأسلحة ولجأت للحروب القذرة في سبيل تحقيق ذلك الهدف. بل على العكس تمامآ، بعد كل معركة فاشلة، خرج الحزب أكثر قوة وصلابة، رغم سجن زعيمه التاريخي اوجلان. اليوم حزب العمال أكثر قوة وجماهيريةً من ذي قبل بعشرات المرات. ولا يمكن تحييده بأي شكل من الأشكال، أو إيجاد بديل عميل له على الساحة الكردية بشمال كردستان.
وفي المقابل فشلت حركة التحرر الكردية، في إنتزاع الإستقلال من تركيا عبر الكفاح المسلح، ولا نيل أية حقوق دستورية أخرى مشروعة. وكلا الطرفين فشل في كسر إرادة الأخر، وهذا الصراع الدموي، إستنزف طاقات البلاد الإقتصادية، وأودى بحياة أربعين الف شخص من الطرفين بين مدني وعسكري.
إذآ ما الحل؟
الحل بقناعتي، على الطرفين الإلتقاء في منتصف الطريق، بمعنى أن تلاقي الدولة التركية المطالب الكردية، التي تتلخص في إقامة دولة فدرالية ثنائية القومية، بعد الإعتراف بالشعب الكردي دستوريآ، وباللغة الكردية كلغة رسمية ثانية في البلاد. ولابد للكرد التوقف عن المطالبة بالإستقلال عن تركيا.
وفي الحقيقة الكرد من جهتهم تخلوا عن المطالبة بدولة مستقلة، ولكن الدولة التركية مازالت تتمسك بالحل الأمني، وترفض رفضآ قاطعآ التخلي عن سياسة إلغاء الأخر ونكران وجوده.
حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان، إقترب من معالجة القضية الكردية، أكثر من كل الأحزاب التي سبقته للحكم. ودخل في مفاواضات مع الكرد متمثلآ بحزب العمال الكردستاني. وإستجاب جزئيآ لبعض المطالب الثقافية والاجتماعية البسيطة. ولكن عاد وتراجع عنها، بهدف كسب أصوات المتشددين الأتراك في الإنتخابات البرلمانية والمحلية.
بتقديري الشخصي، العرض الذي قدمه السيد أوجلان خلال الأيام الماضية، وذلك عبر محاميه الشخصي للحكومة التركية، يستحق التفكير به بشكل جدي، ويعتبر فرصة جيدة للطرفين الكردي والتركي للخروج من عنق الزجاجة. والطرفان يعرفان بعضهما البعض جيدآ، وكل ما يحتاجونه هو إيجاد وسيط نزيه يتوسط بينهم، وليكن هذا الوسيط دولة النروج مثلآ أو الأمم المتحدة.
وأقول لحكام تركيا اليوم، إن السيد اوجلان ليس شخصآ عاديآ، وتعلمون علم اليقن مدى نفوذه على حزبه والكرد في كل من شمال وغرب وشرق كردستان. وبغياب هذا الشخص، إن الإمور ستكون أكثر تعقيدآ
وأكثر صعوبة، ولن تستفيدوا شيئآ من سجنه لنهاية حياته.
وفي المقابل، أقول للإخوتي في قيادة حزب العمال الكردستاني، اردوغان صاحب شخصية قوية وله المقدرة على جمع أكثرية الأتراك حوله سياساته، وبإمكانه أن يخطو خطوات جريئة لحل القضية الكردية
إن إستطعنا مد السلم له للنزول من عن الشجرة. هذا رغم كل الملاحظات التي يمكن للمرء أن يبديها حول شخصه وسياساته تجاه الكرد وعلى الصعيد الداخلي للأن.
إن الوصول لإتفاق بين الطرفين ممكن بوجود شخص اوجلان واردوغان. وحل القضية الكردية في تركيا، بشكل موضوعي كافي لحل بقية الأزمات، التي تعاني منها تركيا كأزمتها مع الكرد في روز-آفا وجنوب كردستان. إضافة لحل الأمن والإستقرار في البلاد، وتحسين الوضع الإقتصادي المتدهور. السؤال هنا هل ستتلقف القيادة التركية هذا العرض وتبني عليه، أم سوف تتجاهله؟ الأيام القريبة القادمة كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل.
19 – 08 – 2019