السلاح غير المنضبط بيد أفراد أو عصابات مافيا أو ميليشيات على شكل تنظيمات سياسية يعني دولة داخل دولة مهما حاول البعض التشبث بمسوغات وحجج لتمرير هذا الوضع الشاذ في الدولة، لا يوجد أي تفسير يبرر وجود السلاح بيد قوى أو أشخاص لا يخضع للدولة ولا يلتزم بالقوانين المرعية، العراق يعيش هذه الحالة المرعبة التي تحدثت عنها عديد من الجهات ذات الاختصاص ووسائل إعلام محلية وخارجية، ويحس المرء من متابعته أن هناك لغزٌ أو سرٌ يحيط بصيرورة الدولة العراقية وتشعباتها التي تدل أن هناك دولة أخرى تعيش في أعماق الدولة المركزية.. ويا للهول عندما يجد المتابع أو الباحث أن معالم الدولة السرية داخل الدولة الرسمية تؤشر أول ما تؤشر استحالة القضاء على الآفات التي تحيط بمكونات الدولة ومشاريعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لوجود مؤسسات أمنية سرية تعتمد على قوى سياسية دينية تدير الدولة الرسمية بأشكال متنوعة وضعت لذر الرماد في العيون وإخفاء معالم وأدلة كيفية التشابك ما بين مؤسسات الدولة الرسمية ومع الدولة السرية ذات التراث الميليشياوي والمافيوي المتحالف من قوى سياسية داخلية وبقيادة قوى خارجية معروفة، والهدف استمرار الهيمنة وتمرير المخططات التي تخدم مصالح الفئات الأكثر تطرفاً والأكثر فساداً ليتسنى لها تقديم ما يمكن تقديمه للقوى الخارجية عن..
1 ـــ طريق استغلال موارد البلاد وبخاصة في مجال النفط
2 ـــ استغلال وضع العراق واستغلال أسواقه
3 ـــ إخضاع المواطنين تحت طائلة من الحيل والأساليب بما فيها استغلال الدين والطائفية لخداع وعيهم وتمرير جملة من الأكاذيب والخدع
4 ــ الهيمنة على قسم من المنافذ الحدودية
التوجه الموما إليه يمر عبر أساليب كثيرة
ــــ فكري وثقافي أيديولوجي حيث يستخدم التراث الديني مع فبركة الحوادث التاريخية
ــــ عنفي يعتمد التصفيات الجسدية الفردية والجماعية وسياسة العنف والاضطهاد
أن كلما قيل وقال ويقال عن أوضاع العراق بعد عام 2003 الكارثية صحيح ومترابط لكن العلة الكبرى أو المرض الخبيث الأكبر هو انتشار التنظيمات الإرهابية وانتشار الميليشيات الطائفية المسلحة والسلاح وضعف الدولة والحكومات التي جاءت عن طريق الانتخابات التشريعية غير النزيهة، وعندما نشخص ضعف الحكومة علينا أن لا ننسى المحاصصة الطائفية البغيضة التي ولدت بسبب الاحتلال وتدخل بعض دول الجوار، والطامة الكبرى الأخرى هو الفساد الذي بدء من المهد ليصبح مارداً يعيث تدميراً بمقدرات وطاقات البلاد ويمنعها من التنمية والاستقرار، بهذا فقد نشطت الدولة العميقة على قاعدة الميليشيات الطائفية المسلحة والفساد وأصبحت تضاهي لا بل هي أكثر قوة وسعة من الدولة المركزية التي تلمسها بالشكل الذي تراه ( رئيس جمهورية، ورئيس وزراء ووزراء ، ومجلس نواب وأجهزة أمنية وتربويه وصحية وهيئات قضائية …الخ ) ولم تكن على خطأ الممثلة الخاصة للامين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت عندما نشر موقع الأمم المتحدة الرسمي يوم الأربعاء 22 / 5 / 2019 مضمون كلمتها أمام المجلس انه “ليس سرا بأن السلطات والمؤسسات والآليات والأنظمة في العراق تواصل الكفاح أمام مشاكل متجذرة بعمق تعيق غالبا تنفيذ الاستجابات العاجلة والقوية من الحكومة للاحتياجات الملحة مثل إعادة الأعمار والتنمية والأمن”. هذا يدل على مدى تأثير الدولة السرية التي على ما يبدو لا تعيق فحسب بل تمنع الاستجابات للبناء ونعني بالبناء جميع مرافق ومفاصل الدولة الرسمية ولم تستثني الممثلة الصراع الإقليمي الذي بدأت مظاهره الخارجية تظهر بشكل ملموس” بوادر صراع إقليمي فيه” ونوهت عن انتشار السلاح بيد المافيا المنظمة والميليشيات المسلحة، والإرهاب داعش حيث أشارت إن “تنظيم داعش لا يزال لديه نشاط في العراق وأن هنالك مخاوف من عودة التظاهرات في العراق بسبب مشكلة نقص الخدمات ” طوال 16 عام والميليشيات المسلحة تتصرف وكأنها دولة .
إذن كلما يقال عن الاستقرار وبناء الدولة المدنية يعيش في بودقة الفكرة الطائفية التي تفسر قيام دولة المؤسسات الدولة المدنية هي النهاية الحتمية للمشروع الطائفي الذي فشل بشكل علني إلا انه نجح إلى حدود معينة بتكوين الدولة التي تعيش داخل الدولة الرسمية، دولة للميليشيات وللمحاصصة والتعتيم على أساليب وطرق الفساد وإبقاء الأوضاع الاستثنائية على حالها مثل تردي الخدمات، البطالة ، عدم وجود فرص عمل للعاطلين وبخاصة الخريجين وعدم السماح بتطوير القطاع الخاص والاستمرار على أحادية الاقتصاد العراقي على أسس الاقتصاد الريعي المعتمد على قطاع النفط لتسهيل عمليات السرقة ومنع أي مساع جدية لحل الخلافات مع حكومة الإقليم وعدم الاستقرار الأمني ومنع أي تشريع يحد من تصرفات ومخططات الميليشيات ويساعد بطريقة معينة بعدم القضاء على الإرهاب وبخاصة داعش لكي يكون ورقة في أيدي من يريد الاستغلال ومثلما أعلن عنه من حوادث وتحركات في مناطق عديدة من البلاد وبشهود وإثباتات محلية وأممية، لهذا أشارت الممثلة الخاصة للامين العام إلى واحدة من الكوارث التي عمت البلاد والإقليم حيث أكدت أن انتهاكات جسيمة ضد السكان الإيزيديين في سنجار ” رأيت الدمار المروع، الناجم عن داعش قبل نحو خمس سنوات. للأسف لم يتغير الكثير منذ تحرير سنجار. الكثيرون ما زالوا يعيشون في خيام على سطح الجبل الذي فروا إليه مع بداية حملة الإرهاب” وإذا ما تابعنا أوضاع ما بعد التحرير فسوف نجد الكوارث قد عمت ليس الإقليم ومناطقه فحسب بل أكثرية المناطق التي احتلت من قبل داعش وهناك قوى سياسية وميليشيات تدير أكثرية المناطق وتلعب بمقدرات المواطنين، تمنع النازحين من العودة إلى مناطقهم مثل جرف الصخر وسهل نينوى ومناطق أخرى تحت طائلة الحلم الشوفيني بالتغيير الطبوغرافي والسكاني ولكن على أساس طائفي وتختص به البعض من ميليشيات طائفية منضوية تحت ظل الحشد الشعبي الذي بدأت بعضا من قواه تصطدم في ما بينها حول الاستمرار في بقاء دولة الميليشيات داخل الدول المركزية والاستمرار على السيطرة عليها وما أثير عن التفجيرات الأخيرة في مخازن أكداس وعتاد السلاح لبعض أطراف الحشد الشعبي إلا دليل عن ما قلناه عن دولة العمق فليس في العالم وبخاصة في الدول المستقرة نسبيا مخازن سرية تكدس فيها الأسلحة في المناطق السكانية ومن كل نوع حتى الصواريخ المتطورة،هذه التفجيرات التي شملت مناطق بغداد وصلاح الدين وديالى ومناطق أخرى وبدلاً من إجراء تحقيق دقيق لمعرفة الأسباب نجد بعض القيادات تعزوها إلى قضايا شبه هلامية منها اتهام إسرائيل والولايات المتحدة وقوى خارجية مما أثار لغطاً حتى بين قيادة الحشد الشعبي ورفض تصريحات أبو مهدي المهندس من قبل رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض إن ” ما صدر عن أبو مهدي المهندس لا يمثل الموقف الرسمي لهيئة الحشد الشعبي حول مسؤولية استهداف مخزن الحشد ” إلا أن ما يثير الاستغراب لم يصدر أي بيان أو شارة أو توضيح من قبل القائد العام للقوات المسلحة ومن الحكومة ،وتؤدي هذه الاتهامات أو غيرها بدون دليل مادي إلى تشنج في العلاقات مع الولايات المتحدة الذي يأتي لصالح إيران وهو أمرٌ متفق عليه، وقد يكون هناك ردة فعل عشوائية ومخطط لها لضرب البعض من مواقع ومصالح أمريكية تؤدي إلى عواقب وخيمة فيضيع راس الخيط كما يقال، وتطمس الحقائق ولينتقل الصراع على الساحة العراقية وعند ذلك يتحقق تقاسم السلطة عسكرياً وبخاصة نحن على يقين بان بعض فصائل الحشد الشعبي ترفض قرارات الحكومة لا بل تستهين بها ولنا أمثلة غير قليلة وجاء ذلك أيضاً على لسان النائب عبد الخالق العزاوي حيث قال أن ” السبب الرئيس وراء تمرد فصائل الحشد على الحكومة هو سعيها لإشغال مساحة أمنية تتجاوز المساحة التي تشغلها الأجهزة الحكومية في إطار خطة باتت معروفة لتشكيل دولة عميقة داخل الدولة العراقية ما يجعل استتباب الأمن والاستقرار أقرب إلى المستحيل”
أما قضايا منع قوات الجيش العراقي من الدخول إلى بعض المناطق فهي كثيرة وعديدة ونشرتها حتى وسائل الإعلام بشكل تفصيلي مع ذكر المواقع ولا نحتاج إلى التكرار.
إن الدولة العراقية مهددة تماماً إذا لم تكن بالاضمحلال كي تبرز الدول السرية في مكانها وبشكل تدريجي أو ستبقى عبارة عن يافطة يتحكم فيها كل من هب ودب بما فيها القوى الخارجية ،والهجوم على الجيش العراقي هو أول الطريق لتحقيق الهدف وجعل الحشد الشعبي يحتل مكان الجيش العراقي، هنا تبدأ المأساة وسوف تتوسع أكثر إذا بقت الأمور والمخططات على حالها، ولهذا للإنقاذ يحتاج الأمر إلى التصدي الحازم للمخطط المذكور وردع القوى التي خلف هذا التوجه والوقوف بحزم من اجل الحفاظ على العراق مستقلاً حرا والبداية حل المشاكل بخصوص حكومة المحاصصة والتفاهم لحل النزاعات والمشاكل مع الإقليم لتمتين وحدة البلاد والالتفات لتحسين واقع الخدمات ومحاربة الفساد والفاسدين ومنع أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للعراق .