يخوض الرئيس العراقي برهم صالح ومنذ أيام صراعا محموماً مع قادة مليشيات الحشد الشعبي لمنعهم من استهداف السفارة الأميركية والمنشآت التابعة لها، على خلفية القصف الأخير الذي طال مخازن أسلحة الحشد الشعبي، ومقتل القيادي في كتائب حزب الله أبو علي الدبي خلال غارة «إسرائيلية» استهدفته في منطقة القائم غربي محافظة الأنبار.
وعقد صالح يوم أمس اجتماعاً مع قادة فصائل الحشد الشعبي في قصر السلام بالعاصمة بغداد، في محاولة لتطويق أزمة قصف مخازن الأسلحة، وضبط الفصائل التي هددت باستهداف سفارة واشنطن ومصالحها.
وذكر بيان صدر عن صالح والمجتمعين، أن «الإعتداءات التي تعرضت لها قوات الحشد مؤخراً هي محاولات لجرِّ الحشد ومنظومة الدفاع الوطني إلى الانشغال عن الدور المهم المتواصل من أجل القضاء على فلول داعش، والتخلص نهائياً من إلإرهاب ومخاطره ضد العراق وبلدان المنطقة والعالم».
وأظهرت صورة الاجتماع، كلاً من أبو جهاد الهاشمي مدير مكتب رئيس الوزراء، وأكرم الكعبي زعيم حركة النجباء، وأبو آلاء الولائي زعيم كتائب سيد الشهداء، والقيادي في الحشد سامي المسعودي، وعدداً من مستشاري رئاسة الجمهورية.
المليشيات تضغط لوقف القصف «المحرج»
بدوره ذكر مصدر مطلع، على تفاصيل الاجتماع أن «قيادات الحشد فرضت على رئيس الجمهورية تحركًا عاجلًا من خلال وزارة الخارجية وعلاقاته الشخصية لوقف تلك الاعتداءات، والتواصل مع الأميركان لإقناعهم بالتواصل مع الجهات المنفذة والعدول عن هذا القصف، كما أنها هددت بتصعيد الموقف خلال الأيام المقبلة، في حال عدم تنفيذ المطالب».
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ(باسنيوز) أن «غياب أبو مهدي المهندس عن الاجتماع جاء بسبب رفضه الحراك الدبلوماسي للخارجية العراقية ووساطة صالح لدى أطراف في الإدارة الأميركية، وتوجهه إلى المواجهة بشكل مباشر، وتفضيله هذا الخيار، بمساندة من تحت الطاولة يقدمها زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، فضلاً عن الجهات الأخرى في حشد أبو مهدي المهندس».
ويرى مراقبون للشأن العراقي أن الحشد الشعبي وقع في حرج شديد وإرباك إثر تلك الهجمات، فهي لم تستهدف وزارة الدفاع أو الداخلية، وإنما توجهت إلى مقرات الحشد فقط، إذ حاول سابقًا التكتم على تلك الهجمات، وتحديدًا في قصف معسكر طوزخوماتو الشهر الماضي، لكن الهجمات الأخرى في ديالى ومعسكر الصقر كشفت تعرضه بالفعل إلى قصف جوي، فضلاً عن مقتل القيادي فيه مؤخرًا أبو علي الدبي.
ويرى المحلل السياسي أحمد العبيدي أن «تلك التطورات جعلت الحشد منقسم علنا، لدرجة أنه بات يشكل خطراً على الأمن العام في نظر بعض مسؤولي الدولة، وبالتالي فمن الملح فرض رقابة شديدة على فصائله، عبر نقل السلاح خارج المدن، وإجراء تحقيق موضوعي ميداني تقوده مؤسسات شرعية».
وأضاف في تصريح لـ (باسنيوز)، أن «هناك وعيًا جديدًا يقول إن الحشد الشعبي قد يكون أداة مهمة للحفاظ على الأمن الوطني، ولكن هذه المرة تحت إشراف صارم من قبل الدولة، عدا ذلك ربما يتحول الحشد إلى خطر، ليس على نفسه (بفعل انقساماته وتعدد ولاءاته) فقط، بل على الأمن المجتمعي أيضا، إذ ما بقي خارج شرعية الدولة أو بموازاتها».
ويرى العبيدي، أن «الحشد فقد التعاطف الكبير من قبل المواطنين إبان مشاركته في قتال داعش، بسبب دخوله في العملية السياسية، ومد عملياته إلى خارج حدود العراق، من أجل مساندة الحرس الثوري الإيراني، وهو ما جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين إيران وواشنطن، دون الاكتراث بانعكاس ذلك على الشعب العراقي».
مسار دبلوماسي «متعثر»
على الجانب الآخر تخوض وزارة الخارجية العراقية حراكاً دبلوماسياً لوقف هذا القصف، إذ يبدو هذا الخيار هو الأقرب للمزاج الحكومي.
واستدعت وزارة الخارجية ممثلي دول كبرى، وأكدت على موقف العراق من الأزمة في المنطقة متمثلة بالصراع الأميركي الإيراني وضرورة إبعاد العراق عنه، لكن ذلك يبدو غير كافٍ حيث تتعالى أصوات مطالبة باللجوء إلى المجتمع الدولي لردع «المعتدين».
وقدمت الحكومة مؤشرات استجابة لتلك الدعوات، حيث أكد بيان لوزارة الخارجية، الإثنين أن «العراق سيتخذ الاجراءات الدبلوماسية والقانونية اللازمة كافة من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومن خلال التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة للتصدي لأي عملٍ يخرق سيادة العراق وسلامة أراضيه»؛ لكنها لم تقدم أي تفاصيل حول تلك التحركات والأدلة التي يمكن أن تستند إليها لاستحصال قرار دولي بحماية الأجواء العراقية.
كما أن الوصول إلى نتائج إيجابية من تلك التحركات يستوجب توفُّر دعم أميركي للمساعي الحكومية يتمثل بتقديم الأدلة التي تثبت تورط إسرائيل بمهاجمة قواعد الحشد الشعبي، كجزء من التزاماتها وفق الاتفاقية الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن، فضلاً عن مساندة الجهود العراقية داخل مجلس الأمن للظفر بقرار دولي لصالح العراق، وهو ما يبدو صعب المنال حتى الآن.
إسرائيل .. معركة انتخابية والعراق ضمن الوقود
ويرى معنيون ومحللون إسرائيليون وعرب، تلك الهجمات جاءت بسبب الضغط الذي يعانيه نتنياهو في معركته الانتخابية الحاسمة، وصعوبة اتخاذ قرار عسكري في قطاع غزة، فيما تبدو فكرة الاشتغال على الجبهتين السورية والعراقية، الأكثر ملاءمةً، وذلك لصعوبة الرد من الجانب العراقي، أو استحالته؛ بسبب عامل البعد الجغرافي، وقواعد الاشتباك التي تضبطها موسكو في سوريا، والتي تدير من خلالها عمليات الرد وحتى الدفاع في بعض الأحيان لسيطرة خبرائها على أهم المضادات السورية.
ويرى القيادي في حزب ‹أزرق – أبيض› موشيه يعالون، الذي عمل في السابق وزيرًا للدفاع ورئيسًا للأركان، انتقد إعلان نتنياهو مسؤولية إسرائيل عن الهجمات ضد القوات الإيرانية في سوريا، حيث قال في مقابلة إذاعية مع هيئة البث الإسرائيلية: «نفذنا عمليات كثيرة كهذه، لكننا لم نسارع لإبلاغ أصدقائنا والإعلان عن مسؤوليتنا عنها، وفي الفترة الأخيرة يتم استخدام هذه العمليات لأغراض سياسية، وهذا يؤسفني».