حكاية مقلوبة لشهريار وشهرزاد
المتعارف عليه في أغلب دول العالم -خاصة في الدول العربية- هو تفاقم ظاهرة التحرش الجنسي والعنف الأسري ضد المرأة، إلا أن نتائج استطلاع حديث شمل 11 بلدا عربيا جاءت مخالفة للقاعدة، حيث توصلت إلى أن عدد الرجال الذين تعرضوا للتحرش في الأماكن العامة بالعراق، يفوق عدد النساء.
العرب/بغداد – كشف استطلاع للرأي أجرته شبكة “البارومتر العربي” (شبكة بحثية مقرها جامعة برينستون الأميركية) وهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”، أن عدد الرجال الذين تعرضوا للتحرش والاعتداءات الجنسية جسديا ولفظيا في العراق أكبر من عدد النساء اللائي كن ضحايا لهذه الاعتداءات، إذ بلغت النسبة 20 بالمئة لدى الرجال و17 بالمئة لدى النساء
وقالت النتائج إنه في كل الدول التي شملها الاستطلاع -باستثناء العراق وتونس- تفوق نسبة النساء نسبة الرجال في هذا الشأن، وعلى عكس العراق كان الفارق بين نسبة الرجال والنساء الذين أبلغوا عن الاعتداء الجنسي في تونس ضئيلاً، لا يتعدى 1 بالمئة، كما أن نسبة الرجال العراقيين الذين يقولون إنهم تعرضوا للعنف الأسري، تزيد أيضا قليلا عن نسبة النساء.
وأكد 39 بالمئة من الرجال في العراق أنهم تعرضوا لاعتداء جنسي لفظي، مقابل 33 بالمئة من النساء. كما تبلغ نسبة الرجال الذين تعرضوا لاعتداء جنسي جسدي 20 بالمئة، مقابل 17 بالمئة من النساء.
وشمل الاستطلاع 25 ألف شخص من 11 دولة عربية، هي الجزائر ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان والمغرب والسودان وتونس واليمن وفلسطين. ويعتبر هذا المسح هو الأكبر في المنطقة من حيث عدد المشاركين والدول، كما أنه الأوسع من حيث شمولية الأسئلة.
وقال خبراء إن نتائج البحث جاءت مفاجئة، بالنظر إلى تدهور أوضاع حقوق المرأة في العراق، حيث تنص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي على أنَّ ضرب الزوج لزوجته لا يعتبر جريمة.
39 بالمئة من الرجال في العراق تعرضوا لاعتداء جنسي لفظي، مقابل 33 بالمئة من النساء
وأوضحت الناشطة النسوية العراقية هناء إدوارد أنه في المجتمعات التقليدية تقبل النساء العنف الممارس عليهن سواء في الأسرة أو في المجتمع باعتباره آلية من آليات الحفاظ على المجتمع الذكوري، ولذلك يَعْمدن إلى عدم الجهر بأي عنف قد يتعرضن له.
ومن خلال عملها في جمعية “أمل النسوية” رصدت تردد النساء العراقيات في الإبلاغ عن حالات التحرش والعنف الأسري بسبب الخوف من تعريض أنفسهن وأسرهن للفضائح ووصمة العار، وذلك رغم استحداث إدارة في وزارة الداخلية، تتمثل في “مديرية حماية الأسرة”، ومن مهامها تلقي بلاغات العنف ضد المرأة.
ومن جهة أخرى يرى الكاتب العراقي زهير الجزائري أنه “بسبب الوضع الأمني غير المستقر صارت النساء يخشين الشارع، حضور المرأة في الفضاء الخارجي قليل بسبب الأمن، وهذا قد يجعل الرجال أكثر عرضة من النساء للتحرش والعنف في الأماكن العامة”.
وأوضح الجزائري قائلا “إن المجتمع العراقي صار أكثر رجولية (أكثر ميلا إلى النزعة الذكورية) وأكثر عنفا بسبب الحروب المتتالية، كما أن الشارع صار ساحة للعراك بين الشباب، وصار العنف جزءا من حياتنا”.
وقال مختصون إن قانون العقوبات العراقي لم يضع تعريفا محددا للتحرش لكنه يدرج أفعالا يعرّفها بأنها مخلة بالحياء -سواء ضد الرجل أو ضد المرأة- ضمن الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة ويعاقب عليها بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر وغرامة تصل إلى 100 دينار عراقي.
وأفاد شاب من بغداد -حاصل على شهادة جامعية وناشط سياسي وكان ضحية للتحرش والاغتصاب- بأنه رغم ذلك حتى الرجال يترددون في الإبلاغ عن تعرضهم للعنف الجسدي خشية أن يتهموا بأنهم شركاء في الجريمة من قبل السلطات المختصة. وكشف الشاب العشريني لـ”بي.بي.سي” عن وقائع التحرش التي تعرض لها وتفصل بينها ثلاثة أعوام، أولاها حدثت حينما كان تلميذا في الثالثة عشرة من عمره، ما ترك أثرا مؤلما في حياته. ولم يكد يتغلب على هذه الواقعة حتى تعرض للحادث الثاني بعدها بعامين حينما كان يعمل في متجر في بغداد. أما الواقعة الثالثة فجدت في متجر بجوار مسكنه يملكه رجل خمسيني، ليتعرض للاغتصاب في حادثة رابعة من أحد أقاربه.
وتساءل “لماذا يتردد الرجال في الإبلاغ؟”، ليضيف “المشكلة ليست في القانون بل في القائمين عليه”. ويقول “إذا تقدم رجل بالإبلاغ عن تعرضه للاغتصاب فالأرجح أن الشرطي سيسخر منه ويوبخه، فليس هناك ثقافة تؤمن بضرورة إنزال العقاب بمرتكبي العنف الجسدي ضد الرجال”. وكشف بيان للشرطة العراقية أن “أبواب مراكزها مفتوحة لجميع المواطنين، وأن استراتيجيتها لمكافحة التحرش تتسق مع مبادئ حقوق الإنسان”. مشيرا إلى أنه إلى جانب استحداث قسم خاص بحماية الأسرة داخل البيت تم إلقاء القبض على متحرشين بعد الإبلاغ عنهم.
وأكد المختصون أنه في مجتمع ذكوري عنيف يكون الفقراء أكثر عرضة للعنف الجسدي مقارنة بميسوري الحال، ومن جانبها تقول الصحافية العراقية ميادة داود -عضو شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية “نيريج”- إن الكثير من الفتيان والأطفال الفقراء يتعرضون للاستغلال الجنسي من قبل أصحاب العمل أو الرجال الذين يسيطرون على الشوارع ضمن عصابات منظمة.
وأشارت الباحثة في شبكة البارومتر العربي كاثرين توماس إلى أن النساء اللائي يتعرضن للتحرش الجنسي قد يفضّلن الصمت، مضيفة “التطرّق إلى هذا الموضوع الحساس قد يشوبه بعض القصور؛ فالناس عادة يفضلون التكتم على حدوث التحرش، لأنه أمر محرج أو لا يُحبَّذ الحديث عنه، كما يخشى البعض (من الضحايا) التبعات السلبية المحتملة في حال إفصاحهم عن الأمر”. وأضافت موضحة “بحسب الاستطلاع، عادةً ما تميل النساء إلى التكتم على حدوث التحرش الجنسي مقارنة بالرجال”.
ونبه حقوقيون إلى أن النساء عادة ما يترددن في المبادرة والإفصاح عن الاعتداءات وتحديد نوعها، سواء الجنسية أو الأسرية، حتى أن اللفظ المستخدم لتوصيف الاعتداء نفسه قد يكون غريبا عنهن”.
وكشفوا أنه يمكن رصد هذا العزوف في المستشفيات العراقية، فالقانون ينص على وجود ضباط طوال الوقت في المستشفيات، ويتعين على الأطباء الإبلاغ عن وجود أي امرأة تقول إنها تعرضت لاعتداء، وعادة ما تكذب النساء، لحماية من اعتدوا عليهن، ويخشين تحريك تحقيق جنائي قد يجعلهن عرضة للانتقام.