إنّ فشل المشروع القومي والبعثي في البلدان العربية تدرجّ ليصل الى نهايته منذ هزيمة الجيوش العربيّة في حرب حزيران سنة 1967، على الرغم من أنّ خسارة تلك الحرب لم تكن السبب الرئيسي والوحيد الذي أدى الى ذلك الفشل، بل يعود الجزء الأكبر والأهم منه الى سوء إدارة السلطة والفساد وإنهيار عملية التنمية وعسكرة المجتمع والدولة وغياب الديموقراطيّة. هذا الفشل أدّى بالنهاية الى فوضى وحروب داخلية وإحتلال، ليهيمن من خلاله التيار الإسلامي على السلطة في العديد من البلدان، أو ليكون جزء مؤثر وكبير في المشهد السياسي فيها.
ونتيجة للصعوبات الإقتصاديّة وإزدياد مساحة الفقر وتفشي البطالة في العديد من البلدان العربية وقتها وعدم إيجاد حلول علمية وعملية للخروج منها، ظهرت على السطح بداية الأمر جمعيات إسلاميّة كانت تبدو غير منظمة، لتقديم بعض المساعدات العينية والمالية البسيطة للفقراء والمحتاجين في مناطق معيّنة والتي أصبحت لاحقا مناطق مغلقة تنظيميا لتيارات دينية منها معتدل ومنها تكفيري. ولمّا كان الإسلام ذو شقّين شيعي وسنّي، فعلينا الإنتباه الى الفروقات بينهما على صعيد تقديم الخدمات الاجتماعية وأهدافها، كما وعلينا التأكيد على مساحة عمل المذهبين وحريتهما. فالتيارات السنّية في مصر مثلا كانت لها حرّية العمل الجماهيري بشكل أكبر بكثير من التيارات الشيعية والسنّية على حد سواء بالعراق مثلا، ليس لديموقراطية السلطة وليس لكونها أقدم تنظيميا من غيرها في بلدان أخرى، بل نتيجة للوضع الإقتصادي المزري للبلد ” مصر” وعدم إمكانية السلطة فيها من توفير ما تحتاجه قطاعات واسعة من الجماهير الفقيرة والمعدمة من خدمات وفرص عمل ولو بالحد الأدنى أحيانا كثيرة، عكس العراق الذي كان يعيش وقتها في بحبوحة من العيش نتيجة إرتفاع أسعار النفط، الذي وفّر للجماهير حياة أفضل بكثير مقارنة بمصر والعديد من بلدان المنطقة.
لقد إستمرّ غياب دور جمعيات إسلامية ذات طابع إجتماعي – خدماتي بالعراق الى الوقت الذي تبنى فيه النظام البعثي حملته الإيمانية، ليسمح تحت مراقبة شديدة لبعض الجمعيات الإسلامية من تقديم بعض المساعدات البسيطة للعوائل المتعففة، والتي زاد عددها لتصل الى الملايين نتيجة الحصار والبطالة والفقر. الا أنّ تلك الجمعيات كانت هي الأخرى عرضة للفساد الذي ألتهم القسم الأكبر ممّا كان يتبرع به الميسورون لها، وليعاني الإنسان العراقي المعدم بغضّ النظر عن دينه ومذهبه وقوميته من الفقر والجوع والمرض.
بإنهيار النظام البعثي وإحتلال البلد، تصدّرت الأحزاب الدينية الشيعيّة المشهد السياسي بدعم كبير من المرجعية الدينية الشيعية ممثلة بالسيستاني. الذي ساهم بصياغة دستور طائفي لازلنا نعاني من آثاره السلبية، ودعمه للأحزاب والمنظات الشيعية من خلال مخاطبته لمريديه وهم أمّيون وعشائريون وبسطاء في الغالب لإنتخابهم في كل دورة إنتخابية. وعندما وصل فساد الطغمة الشيعية الحاكمة الى مستويات قياسية، لم يتجرأ السيستاني بالوقوف الى جانب الجماهير المكتوية بفساد هذه الأحزاب، بل سارع لرمي الكرة في ساحة الجماهير المتخلفة أصلا والتي يقودها شخصيا، ليقول من أنّه يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، أي أنه يقف على مسافة واحدة من جميع اللصوص!!
من المفروض وبعد أن دخلت خزائن البلد مئات مليارات الدولارات، أن تنتهي دور الجمعيات الإسلامية الإجتماعية وغير الإسلامية منها. الا أنه ونتيجة فساد الأحزاب الحاكمة ودخول المؤسسات الدينية على خط الإستثمارات وإزدياد نسبة الفقر والتخلف والجوع والمرض في المجتمع، تناسلت هذه الجمعيات كما الفطر، ولتصبح وسيلة جديدة للسرقة والنهب المنظّمين نتيجة لإستغلالها من نفس مافيات الفساد الأسلامية من جهة، وفشل الدولة كدولة في القيام بواجباتها تجاه شعبها.
السيستاني الذي تمتلك وتدير إمبراطوريته المالية مراكز ومؤسسات خدمية وإجتماعية ومستشفيات ومراكز صحيّة في بقاع مختلفة من العالم، يمثل رأس هرم آيات الله التي تتحكم بحياة ومصائر الملايين من أبناء شعبنا، وفي خزائن حوزته تدخل المليارات التي تأتي من الخمس ومن مشاريع إقتصادية كبرى، كمستشفيات وشركات إستيراد وفنادق وإستثمارات منها ما هو معروف ومنها ماستكشف عنها الأيام مستقبلا، علاوة على نسبة تحصل عليها نتيجة تسهيلها الأمور الجمركية لتجار ومستوردين آخرين من خلال شبكة واسعة من العلاقات مع أجهزة الدولة المختلفة، إضافة الى دعم لا محدود وسرّي من الدولة للعتبات الدينية التي يشرف عليها آيات الله في النجف. السيستاني وآيات الله يمتلكون العقارات والأموال داخل العراق وخارجه، كما الأملاك والأموال التي يمتلكها أولاد وأحفاد المراجع الشيعية التي قبله، وهذه الأموال مصدرها الرئيسي هم شيعة العراق الفقراء والدولة العراقية، السيستاني والوقف الشيعي “كما الأوقاف الدينية الأخرى” يمتلكون بالواقع إمبراطورية مالية لا يُعرف عنها شيئا لعدم وجود أجهزة مراقبة إقتصادية للدولة، علاوة على عدم وجود نظام ضريبي ينظم عمل هذه المؤسسات المالية العملاقة.
أين تصرف الأموال التي تدخل خزائن السيستاني؟ للطلبة في الحوزات، كم عددهم وكم منهم عراقي؟ للأرامل والأيتام، أين هي المساعدات المقدمة لهم وهم يعتاشون على النفايات حتى بالقرب من مكان إقامته؟ لمساعدة المرضى وعلاجهم، لماذا إذن يُطرد الفقراء من مستشفيات الكفيل بكربلاء وغيرها؟ للمدارس، لماذا يفترش طلبة العراق الأرض ويدرسون في مدارس متهالكة ودون قرطاسية؟ لزيادة الوعي في المجتمع، لم التخلف هو سيد الساحة إذن؟ لبرامج من أجل إستقرار الأسرة العراقية، لماذا حالات الطلاق هي الأكثر مقارنة بفترات حكم سابقة؟ وأخيرا وليس آخرا، هل أموال السيستاني لخدمة الشيعة؟
إن كانت أمواله وأموال البارونات من آيات الله الذين إبتلى بهم العراق هي لخدمة الشيعة، فهل أهل البصرة شيعة؟ وإن كانوا شيعة فأين السيستاني وآيات الله بالنجف الأشرف من أزمة المياه بالبصرة. وهل يستطيع السيستاني وغيره من الآيات شرب كوب ماء يشربه طفل بصري؟ أنّ ما يجري بالبصرة جريمة لا تتحمله الحكومتين الإسلاميتين المركزية والمحلية فقط، بل هي جريمة يتحملها السيستاني وبقية المراجع الشيعية أيضا، فهو مرجع فقراء هذه المدينة المنكوبة، وهو الذي يتحكم بأموال لا نعرف كم هي، وهو عرّاب الحكومة الشيعية الحاكمة وعصاباتها التي عاثت بالعراق قتلا ونهبا وفسادا، كما وتعتبر جماهير البصرة نفسها جزء من الجريمة التي تُرتكب بحقهم، كون المتظاهرين فيها بأعداد خجولة نسبة الى كثافتها السكانية.
البصرة وعطشها عار على الأحزاب والمنظمات والعصابات الشيعية، وعار على آيات الله الذين يمتلكون المليارات وهي من أموال فقراء الشيعة اساسا، وهم شهود على موت مدينة. البصرة ستكون مستقبلا ملفا مهما في محاسبة كل المجرمين بغض النظر عن مكانتهم السياسية والدينية، البصرة هي عطش الحسين الذي قتله شيعته فيها. عطش البصرة عار علينا جميعا، كوننا شهود زور لسلطتين سياسية ودينية تركت شعبنا ووطننا كعصف مأكول.
زكي رضا
الدنمارك
2/9/2018