هبَّت قوى الإسلام السياسي عن بكرة أبيها محتجة ومولولة ضد الشريط المصور (فيديو) والتقرير التفصيلي الذي نشرته قناة الحرة عن الفساد الممارس من وكيل المرجعية الشيعية في كربلاء الشيخ مهدي الكربلائي ووكيل المرجعية في النجف أحمد الصافي. وهذه الضجة المفتعلة من جانب هذه القوى تكشف لنا عن حقيقة مرّة ومريرة يعرفها كل بنات وأبناء الشعب العراقي العقلاء بأن هذه القوى السياسية الإسلامية الحاكمة هي الفاسدة أيضاً وأنها تشترك مع الوكيلين وغيرهم بالفساد السائد والفاضح، الذي لم تكلف المرجعية الدينية–المذهبية في النجف نفسها في التحري عن حقيقة هذه التهم. ومن حق كل إنسان أن يشير إلى أن المرجعية مستفيدة تماماً من فساد وكلائها، وإلا لطالبت بالتحقيق عن هذه التهم الصريحة والموثقة التي قدمها الشريط المصور عن فساد الوكيلين وافراد في عائلتيهما ودائرتيهما. وليس صعباً عليها القيام بهذه المهمة. ولكنها لن تقوم بذلك، لإن التحقيق سيكشف عن خبايا مريعة لا تريد المرجعية الكشف عنها، وهو ما يذكرنا بمحاولات الكنيسة الكاثوليكية في الدول الغربية طمطمة ولفلفة اغتصاب الأطفال، من الأولاد والبنات، فيها منذ عقود، والتي أجبرت في النهاية على الاعتراف بها وإدانتها، ولكنها مستمرة! وما يجري في صفوف المؤسسات الإسلامية السنية والمرجعيات الشيعية وقوى وأحزاب الإسلام السياسي في العراق لم يعد قابلاً للسكوت أو التستر عليه. إنها المعضلة الكبيرة التي تبرز بوضوح حين يقف الشيخ مهدي الكربلائي أو أحمد الصافي النجفي، وهما يوعظان من منابرهما في كربلاء والنجف ضد الطغمة الفاسدة في بغداد ومحافظات العراق الأخرى، إذ تسقط عنهما مصداقيتهما تماماً، لأن الكثير من العراقيات والعراقيين يعرف تماماً إنهما، من خلال هذا التقرير ومن الوقائع التي يعيشها الناس ويتحدثون بها، فاسدان أيضاً. إنها على قول المثل “يعظ بشرب الماء، ويتعاطى الخمور!
الضجة المفتعلة لا تحاول إيراد الأدلة والبراهين على خطأ ذلك التقرير، بل تمارس الشتيمة والتهديد والادعاء بعصمة المرجعية والوكلاء، في حين ليس هناك من إنسان معصوم عن الخطأ على الإطلاق. لقد أوردت في دراسة لي بعنوان “هل من علاقة بين المدارس الدينية والإرهاب الإسلامي السياسي المتطرف؟ أكدت إن تمويل المؤسسات الدينية الإسلامية السنية والمرجعيات الدينية الشيعية تتم عبر مصادر كثيرة منها: حكومات الدول ذات الأكثرية المسلمة، لاسيما السعودية ودول الخليج وإيران، التبرعات من الأفراد الأغنياء منهم والفقراء على صيغة الخمس، تبرعات هادفة مصالح معينة، تبرعات من مؤسسات اقتصادية إسلامية في الغرب، من جهات استخباراتية دولية، من عصابات الجريمة المنظمة المتاجرة بالمخدرات والجنس والرذيلة عموماً، إضافة إلى النشاط الاقتصادي الذي تمارسه المؤسسات السنية والمرجعيات الشيعية عبر وكلائها، كما ورد كمثال عليه ما يجري في كربلاء والنجف.
من هنا لا بد من الإشارة إلى أن الحكام الحاليين في العراق لا يعيرون انتباهاً لما يتحدث به وكلاء المرجعية الدينية في النجف وكربلاء عن الفساد، لأنهم يعرفون فساد هؤلاء أيضاً أولاً، وبالتالي لم تتخذ المرجعية أي موقف ديني جاد وليس موقفاً سياسياً، من هؤلاء الحكام الأوباش الفاسدين في أغلبيتهم، ولأنهم يدركون بأن إيران هي السند لهم، وهناك تنسيق ثابت بين المرجعية الإيرانية والمرجعيات العراقية ثانياً، وأن جهل الكثير من أتباع هذه المرجعيات هم من الأميين السياسيين والمؤمنين بهم، ولا خشية منهم عليهم ثالثاً. ولهذا يستطيع الكربلائي والنجفي أن يستمرا في خداع الناس طويلاً إلى أن تحصل الصحوة الفكرة في أذهان العراقيات والعراقيين من المؤمنين بحيث يتحركوا ضد هؤلاء الفاسدين المساومين مع الحكام الفاسدين معاً وفي آن واحد. وهو أمر لم يعد بالضرورة بعيداً عن الواقع واحتمال حصوله!
إذ كانت المرجعية لا تعرف عن فساد وكلائها فعليها تشكيل لجنة تحقيق من مختصين بالقانون ولهم معرفة بأساليب وطرق الفساد لكي يكشفوا حقائق الوضع أمام الناس. فلا اتهام كتاب التقرير والشريط المصور ولا اتهامات الناس يمكن تفنيدها وردّها دون الإتيان بما يؤكد عن نظافة المرجعية والوكلاء من تهم الفساد.