تحقيق : لامار أركندي
سورية / القامشلي
رنت نظرات “هيزا” إلى سلاحها, واسترجعت ذكريات سبيها وشقيقتها، مع آلاف النساء والأطفال الإيزديين، بعد اجتياح مسلحي تنظيم داعش لمناطق سهل نينوى، ومن ضمنها مدينة شنكال (سنجار) العراقية, في آب/اغسطس 2014 ونقلهم عبر شاحنات من تلعفر فالموصل, فمدينة الرقة السورية.
تستذكر هيزا المقاتلة الإيزدية في وحدات حماية المرأة الشنكالية تفاصيل حياتها في الرقة، عاصمة دولة الخلافة في سوريا، التي بيعت في سوق نخاستها خمس مرات, خلال عشرة أشهر كخادمة وعبدة جنس، قبل أن تلوذ بالفرار من مدينة “الدم والدخان” على حدّ وصفها.
عادت المقاتلة العشرينية إلى الرقة في معارك تحرير المدينة, لتشارك وحدات حماية المرأة الكردية حملتها لتطهير مركز الخلافة في سوريا, وتخليص شقيقتها التي مازالت بقبضة “داعش”, وتضيف: “تجوّلت في شوارع الرقة التي كانت تتحرر آنذاك رويداً رويداً, أبحث بين بيوتها وأبنيتها المنهارة عن كل من عبث بسلام وطني وأنهك كاهله, وأحرق قلوب أمهاتنا الثكالى على آلافٍ من رجالنا وشبابنا، ممن قتلهم داعش دون ذنب, وسبى آلاف النساء والأطفال”.
وكانت قد أعلنت المديرية العامة لشؤون الإيزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان العراق، عن أحدث إحصاءاتها لعدد الناجين الإيزديين من تنظيم داعش المتشدّد في بيان نشرته في آذار الماضي على موقعها الالكتروني الخاص، وتحدّثت عن تحرير 3371 مختطفاً من الذكور والإناث، فيما ما يزال 3046 شخصاً مجهولو المصير حتى الآن، واعتبرت منظمة الأمم المتحدة أن جرائم “داعش” بحق الإيزيديين ترقى لتكون إبادة جماعية.
ليلى وليالي الألم
الناشطة الإيزدية ” ليلى تعلو ” الناجية والحائزة على جائزة الأم “تيرزا” في الهند, تتأمل وثيقة صكّ تحريرها من عبوديتها لدى التنظيم, والتي احتفظت بها بعد تحريرها من مدينة الرقة صيف 2017, مضيفة أنها بيعت في اسواق الموصل والرقة لمسلحي داعش, ثلاثة منهم سعوديون وأربعة عراقيون ولبناني كان أميراً في التنظيم.
ودوّنت ليلى حكايتها “ليلى وليالي الألم” التي عاشت فصول ألمها تحت نير الاسترقاق الجنسي والجسدي في كتاب نشر بثلاث لغات، هي العربية والكردية بلهجتيها الصورانية والكرمانجية، وترجمت إلى الانكليزية بعد تحرّرها مع طفليها قبل عامين، وتقول: ” كتابي كان رسالتي للعالم أجمع, فضحت من خلاله اجرام التنظيم بحق شعبي ولن اتوانى عن فضحه في كل المنابر”.
واختطف تنظيم داعش 19 شخصاُ من عائلة تعلو، حرّر منهم 12 مختطفاً من النساء والأطفال, وكان آخرهم من قرية باغوز، آخر جيوب داعش في منطقة وادي الفرات, فيما لقيت زوجة شقيقها مع طفلها حتفهما خلال معارك تحرير آخر رقعة جغرافية للتنظيم في سوريا، فيما لا يزال مصير زوجها وشقيقها وأبناء شقيقها مجهولاً حتى اليوم.
زواج بالتهديد.. وفرار
لم تكن هيزا النموذج الاستثنائي لمقاتلات سباهن داعش, فثأرن منه في الخنادق الأمامية بعد هروبهن من واقع فاق حجم الجحيم، عاشته المقاتلة ” فيان” بعد اكتساح سواد تنظيم داعش المتطرف, على كلّ مفاصل الحياة في مدينتها “الشدّادي” جنوب مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا قبل خمس سنوات, وإرغامه لها ولشقيقتها “جيان” على الزواج من مقاتليه, لكنهما تمكّنا من الهرب بعد شهر من زواجهما, وتضيف فيان: “شرطة الحسبة، وهنّ داعشيات, كن يسقن الفتيات والنساء إلى المضافات تحت تهديد السلاح, ويزوّجونهن من عناصر التنظيم, وانحصرت مهمّتهن في أخذ النساء بالإكراه من بيوتهن, والتهديد بالجلد, والحرق, والتشويه، الذي كان بانتظار الرافضات والمتمرّدات منا”.
وتضيف: “واقع النساء كان مأساوياً حينها, لذا صمّمت بعد هروبي على تحرير المرأة, وخلع عبوديتها, وأوّلهن أنا, فانضممت وشقيقتي “جيان” لوحدات حماية المرأة الكردية, نثأر لكلّ امرأة عانت ويلات الاستعباد تحت جحيم داعش, الذي باع عشرات النساء السوريات في أسواق النخاسة في سوريا والعراق”.
وفي تموز / يوليو 2015، كشفت وزارة حقوق الإنسان العراقية أنّ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أنشأ سوقاً للنخاسة في مدينة “الفّلوجة” بمحافظة الأنبار العراقية، باع فيها 100 مختطفة سورية.
وأكّدت الوزارة في بيان نشرته في تموز/يوليو 2015 أنّ “عصابات داعش الإرهابية هي عبارة عن سوقٍ للنخاسة والاسترقاق الجنسي، حيث استقدمت نحو مئة من النساء اللاتي يحملن الجنسية السورية كسبايا، إلى سوق مجاوٍر لجامع الفلّوجة الكبير، الذي يفتتح يومياً بعد الافطار وتتم عملية البيع بأسعار تتراوح ما بين 500 الى 2000 دولاراً أمريكياً”.
قتل وسجن ورجم
115 كم تفصل جبهة منبج عن مدينة حلب, ثاني أكبر المدن السورية. تتأمل صباح زميلاتها المقاتلات وهنّ يتبادلن غمار الحديث عن معارك خضنها ضدّ مقاتلي التنظيم المتشدّد.
أرجعتنا المقاتلة العربية إلى أيام سوداوية قضتها وعائلتها بين أنياب التنظيم المتطرف, الذي غرسه في كل تفاصيل الحياة في مدينتها” منبج”، وأرغمها على الزواج من مسؤول بارز في التنظيم, يكنّى “بأبي حمزة “.
عانت صباح كأهل مدينتها الأمرّين، من ممارسات المقاتلين المتشددين، الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحقّ أهل مدينتها وتزيد: “بالقرب من حي الحزوانة صلب عناصر داعش شيخاً ستينياً من قرية رمانة في ريف منبج, وعلّقوا في رقبته بعد موته لافتة كتبوا عليها اسمه, وكان يقطع مسلّحو داعش أيدي من كان يتهمهم بالسرقة, وكان يجلد الرجال والشباب وحتى الأطفال أمام المدنيين في ساحات المدينة, وأحياناً كان يتركهم موثقي اليدين أياماً دون طعام أو شراب”.
وتتابع: “داعش كان يرجم النساء حتى الموت بتهمة الزنا, ومنهم جارتنا سعاد الأرملة التي قتلوا زوجها سعيد لمنعه دخول عناصر الحسبة إلى بيته، فقتلوه وسجنوا سعاد بعد أن لفّقوا لها تهمة ارتكاب الفاحشة, وبعد أيام ساقوها إلى ساحة المدينة ورجموها بالطوب بعد أن ربطوها. كانت تصرخ من شدّة الألم, والحجارة تنهال عليها دون رحمة من مقاتلي داعش حتى أسلمت روحها للباري.. كانت لحظات مأساوية لن أنساها ما حييت”.
لم تجرؤ صباح حينها على الوقوف في وجه ممارسات داعش, لكنّها مزقت أكفان الخوف بعد انضمامها لوحدات حماية المرأة الكردية, والتي منحتها الثقة والقوة على الثأر ممن نكّلوا بحياتها، على حدّ تعبيرها .
وتشكّلت وحدات حماية المرأة الكردية مع ظهور تنظيم داعش في سورية, وتمدّدت نحو مدن وبلدات الشمال السوري ذات الغالبية الكردية, منذ منتصف 2012, باتت المرأة المقاتلة تتصدّر المشهد العسكري في كل مواجهة لمقارعة الإرهاب مع مسلحي التنظيم.
وبحسب الإحصاءات الكردية, تشكّل النساء 30% من نسبة المقاتلين الكرد, ويخضعن لتدريبات قاسية, لا تختلف عن تلك التي يخضع لها المقاتلون الرجال.