ليس غريباً أن تحصل وجهات نظر متباينة ومشكلات في مجرى عمل ونشاط قوى التيارات الديمقراطية في جميع بلدان العالم، بل الغريب ألَّا تحصل. إذ أن تعقيدات الحياة السياسية، لاسيما في الدول التي تغيب عنها الحريات والحياة الديمقراطية، وتنوع الفئات الاجتماعية والأحزاب والقوى السياسية العاملة في إطار هذه التيارات، والتباين في مستوى الوعي في قيادات وقواعد ومؤيدي هذه الأحزاب، غالباً ما تتسبب في بروز تباين في وجهات النظر ومن ثم بروز مشكلات في مجرى النضال اليومي. كما يمكن أن تلعب الفئات والنخب الحاكمة دوراً ملموساً في إشاعة المشكلات والصراعات في صفوف قوى التيارات الديمقراطية أساليب وطرق مختلفة، وغالباً ما تكون غبية، ولكن لا تخلو من نتائج لصالحها وضد تعاون وتضامن ووحدة قوى التيارات الديمقراطية. ولكن الغرابة تبرز حين لا تضع قوى التيارات الديمقراطية نظم عمل وقواعد تنظيمية ملزمة ومجربة تعالج من خلالها الموقف من التباين في وجهات النظر ومن تلك المشكلات بهدف التغلب عليها ومواصلة نضالها للوصول إلى الأهداف الوطنية والديمقراطية المنشودة.
يمتلك العراق تجارب غنية وكثيرة منها الناجحة والمظفرة من جهة، ومنها الفاشلة والمحبطة من جهة أخرى. وعلى عاتق قيادات قوى التيار الديمقراطي تقع مسؤولية وضع الأسس الكفيلة بمعالجة التباين في وجهات النظر والحلول العملية للمشكلات القائمة. ويفترض أن نتذكر باستمرار بأن قوى أي حزب من الأحزاب وفي مواقعها المختلفة ليست واحدة أو متماثلة في وعيها لأهمية التحالفات ودور كل حزب فيها أو وجود صقور يقفون على يمين ويسار كلٍ منها. أي ليس الحديث هنا عن الحزب الشيوعي وحده، بل أعني حقاً كل القوى والأحزاب التي تعلن عن نفسها أنها ضمن قوى التيار الديمقراطي العراقي.
تواجه قوى وحركة التيار الديمقراطي العراقي في هذه المرحلة بالذات تحدياً كبيراً من جانب القوى والأحزاب والنخب الحاكمة الطائفية والفاسدة التي تمارس سياسات تؤكد على قيامها بتوزيع العمل فيما بينها، بين الأحزاب الإسلامية السياسية ذاتها من جهة وفيما بينها وبين المرجعيات الدينية الشيعية من جهة أخرى، وبينها وبين قوى ومرجعية ولاية الفقيه في إيران من جهة ثالثة. ولذلك يفترض في قوى التيار الديمقراطية أن تدرك هذه الحقيقة وأن تتعامل مع هذه القوى بكل حيطة ويقظة وحذر. ولنا مع من يختلف أيديولوجيا مع قوى التيار الديمقراطي تجارب غنية وكلها مؤلمة ومريرة، رغم محاولات البعض تبريرها وتجميلها وإضفاء الشرعية عليها، إذ أن حقائق الأمور تشير إلى عكس ذلك!
ومن المفيد الإشارة إلى واقع آخر بالنسبة إلى تنظيمات قوى وأحزاب التيارات الديمقراطية العراقية في الخارج هو أن جميعها يعيش في عزلة عن ملايين العراقيات والعراقيين اللاجئين والمقيمين في الشتات العراقي، وبالتالي ليست لهم صلة فعلية مع الجماهير، وأن علاقاتهم في الغالب الأعم مع أوساط محدودة جداً يتكرر حضورها وباستمرار في ندوات واجتماعات ومؤتمرات هذه القوى والأحزاب دون استثناء، كما أن غالبية العاملين هم من كبار السنة وقلة قليلة من الشبيبة التي تتميز بالحيوية والمبادرة وقلة التعقيدات والحساسيات. إن هذه العامل له أثره السلبي الملوس والمعترف به من قبل الجميع على العلاقات الإنسانية والاجتماعية فيما بين القوى الديمقراطية.
يعتبر الحزب الشيوعي العراقي ليس فقط أعرق الأحزاب السياسية القائمة في البلاد وأكثرها استمرارية ودون انقطاع فحسب، بل وأكثرها غنى بتجاربه وخبراته النضالية، إضافة إلى كونه يمتلك، من حيث المبدأ، منهجا علمياً يساعده، إن حَسُنَ استخدامه، في تحليل الأوضاع ووضع الاستراتيجية والتكتيكات الضرورية للعمل من جهة، ومعرفة طبيعة القوى الاجتماعية والسياسية الحليفة التي يفترض التفاعل وتحديد سبل التعامل والتحالف معها في إطار المرحلة الراهنة من جهة أخرى.
من هنا انطلقت في وضع الشعار القائل “قووا تنظيم الحركة الوطنية والديمقراطية العراقية، قووا تنظيم حزبكم“. وهذا يتطلب مجموعة من المستلزمات التي أ طرحها للمناقشة بهدف الوصول إلى نتائج إيجابية بشأنها.
- الحركة الديمقراطية ليست حكراً على تيار واحد أو حزب واحد أو فئة اجتماعية واحدة فهي مفتوحة على من لديه القناعة من الأحزاب والقوى والأفراد بالمبادئ الديمقراطية ومبادئ المجتمع المدني الديمقراطي والحربات العامة وحقوق الإنسان كسلة متكاملة لا تتجزأ، وحقوق القوميات وحقوق المرأة والحق في العمل والتنمية وبيئة نظيفة …إلخ. ولكنها أيضاً لا يمكنها أن تكون مفتوحة بأي حال بصورة مكشوفة أم مستترة، لقوى طائفية وتمارس التمييز الديني والطائفي أو قوى وأحزاب وشخصيات شوفينية وعنصرية أو رافضة لحقوق المرأة ومساواتها بالرجل.. إلخ.
- أن العمل في التيار الديمقراطي يفترض أن يرتقي إلى مستوى المسؤولية المشتركة والمساواة في النظر إلى كل القوى المشاركة صغيرها وكبيرها وتكريس الاحترام والمنفعة المتبادلة والاستقلالية مع حماية ما تم الاتفاق عليه.
- ليس هناك من موانع في إقامة علاقات وعدة ائتلافات سياسية، شريطة الحفاظ على النواة الأساسية للتحالف بين قوى التيار الديمقراطي وعلى الأهداف التي أجمعت عليها قوى هذا التيار. أي عدم التفريط بتحالف قوى التيار في سبيل تحالف تكتيكي مؤقت، أو التفريط بالمبادئ الأساسية للديمقراطية وأهداف الحركة الديمقراطية.
- أن تلعب الأحزاب السياسية ذات الوزن والتأثير البارزين والملموسين دوراً أكبر في تنشيط وإبراز دور ومساهمة القوى والشخصيات الديمقراطية المستقلة في إطار لجان التحالف الديمقراطي، إذ إن مثل هذه الرؤية تساهم في جلب المزيد من المستقلين إلى التحالف الجبهوي، في حين يمكن للأحزاب السياسية عبر نشاطها المستقل وفي إطار التحالف أن تكسب لها المزيد من الأعضاء والمؤيدين، كما يمكن أن يتحول بعض المستقلين في مجرى العملية النضالية إلى صفوف التحالف أو الجبهة الديمقراطية.
- أن يعتمد العمل في اللجنة التنفيذية واللجان التنسيقية إلى مبدأ الأكثرية والأقلية في مناقشة وإقرار الاقتراحات والقرارات. أي ابتعاد جميع الأطراف عن محاولة فرض رأيها على الآخرين.
- يلعب مبدأ المنافسة الديمقراطية داخل التحالف في كسب الآخرين لصالح الحركة الديمقراطية والتحالف دوراً مهماً في تنشيط العمل وتطويره.
- أهمية وضرورة التخلي عن الإساءات المتبادلة، أو تخوين المناضلين، أو الاعتقاد بأنهم يتآمرون على هذا الحزب أو ذاك، وكأن عداءً مستحكماً بين أطراف أو قوى أو شخصيات قوى التيار. إنه مرض يجب مكافحته ابتلت به الحركة الديمقراطية فترة طويلة. لا شك بأن هناك من يعادي الحزب الشيوعي العراقي أو أي حزب آخر في قوى التيار الديمقراطي، ولكن هؤلاء لا يعملون ضمن قوى التيار الديمقراطي، وقد كشفوا عن أنفسهم من خلال كتب أو مقالات صحفية كثيرة تجسد مواقف عدائية فعلية للحزب الشيوعي أو لحزب التيار الاجتماعي الديمقراطي مثلاً.
- ضرورة تشكيل لجنة حكماء لمعالجة بروز اختلافات أو مشكلات في صفوف اللجنة التنفيذية أو بين الأطراف أو اللجان التنسيقية لتفادي تراكم وتضخم المشكلات التي يمكن أن تقود إلى صراعات ومن ثم نزاعات لا طائل منها.
التتمة في الحلقة الرابعة والأخيرة التي ستشمل الإجابة عن بقية أسئلة الزميل البروفيسور الدكتور قاسم حسين صالح.