أطلق بيان للقياديّ في الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ محما خليل حول ضرورة إخراج حزب العمّال الكردستانيّ من سنجار الجدل حول طبيعة الصراع على المدينة ذات الأغلبيّة الإيزيديّة بين الأحزاب السياسيّة المختلفة من جهة، وبين الحكومة الاتحاديّة وحكومة إقليم كردستان من جهة ثانية، وأثار تساؤلات عن انعكاسات الصراع التركيّ – الإيرانيّ – الأميركيّ في منطقة تبعد نحو 50 كيلومتراً عن مثلّت الحدود التركيّ – العراقيّ – السوريّ.
وكان محما خليل كشف، السبت في 18 آب/أغسطس، عن تقديمه طلباً إلى السفارة الأميركيّة في بغداد لإخراج حزب العمّال من سنجار وإعادة النازحين إليها، قائلاً: “إنّ الإدارة المحليّة الرسميّة في سنجار طالبت الحكومة العراقيّة ومنطقة كردستان وواشنطن بإنشاء منطقة عازلة في سنجار لاحتواء حزب العمّال”.
وبيّن أنّ طلبه سيرسل إلى مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وإلى حكومة كردستان. كما أنّ السفارة الأميركيّة لديها علم به.
وكان خليل اشتكى، في بيان أورده بـ13 آب/أغسطس، من تحوّل المدينة إلى ملاذ آمن لحزب العمّال الذي يعمل على ممارسة الخطف وفرض الاتاوات ومحاسبة المختطفين بصورة تعسفيّة من دون أيّ محاكمات أمام مرأى الجيش العراقيّ وفصائل الحشد الشعبيّ ومسمعهما.
من جهتها، نفت مصادر إيزيديّة في سنجار خلال حديث لـ”المونيتور” هذه الادعاءات، واصفة إيّاها بأنّها إشاعات من قبل جهات سياسيّة وأكاذيب وجزء من لعبة سياسيّة، وبيّن مسؤول العلاقات العامّة في وحدات مقاومة سنجار هفال تيريش شنكالي أنّ حزب العمّال أعلن انسحابه من سنجار بعد انتهاء مهمّته في “إنقاذ الشعب وتحرير أراضي المنطقة من تنظيم داعش، بالتنسيق مع الحكومة العراقيّة وبشكل رسميّ وعلنيّ في 1/4/ 2018. ومنذ ذلك التاريخ، لا وجود لمقاتلي الحزب في سنجار”.
وأشار محرّر وكالة “إيزيدي 24” سامان داود إلى أنّ هذه الاتهامات، لا سيّما ما يتعلّق بمنع العمّال عودة النازحين إلى سنجار، تبيّن العداء السياسيّ بين العمّال والديمقراطيّ الذي ينتمي إليه محما خليل. كما أنّ الأخير لم يعد أصلاً يحمل صفة قائمقام قضاء سنجار إذ تمّ تعيينه في منصب آخر كمستشار شؤون الإيزيديّين في برلمان إقليم كردستان العراق.
لقد أدخل غزو “داعش” فاعلين جدداً إلى الساحة العراقيّة، الأمر الذي أدّى إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة، حيث دخل مسلّحو حزب العمّال إلى سنجار في 10 آب/أغسطس من عام 2014 لمقاتلة “داعش”. كما دخلت تشكيلات عسكريّة إيزيديّة تابعة للعمّال لتصبح لاعباً على الأرض. وبعد تحرير سنجار من تنظيم “داعش”، سيطرت كلّ مجموعة عسكريّة على جزء من المنطقة. ولقد رفض بعض القوى الإيزيديّة المسيطر على أجزاء واسعة من سنجار القائمقام التابع لإقليم كردستان محما خليل، على حدّ ما شرح الأكاديميّ الإيزيديّ ماجد حسن.
وفي الواقع، فإنّ العمّال يتواجد في سنجار عن طريق جناح عسكريّ وسياسيّ يدعى وحدات مقاومة سنجار، التي أصبحت قوّة رسميّة تابعة لهيئة الحشد الشعبيّ العراقيّ بعد انسحاب عناصر العمّال من سنجار. وأفراد الوحدات هم إيزيديّون عراقيّون من سكّان المنطقة، ومن الصعب تخيّل إمكانيّة طرد هؤلاء من حيّزهم الجغرافيّ. كما أنّهم قدّموا تضحيات في القتال ضدّ تنظيم “داعش” تجعلهم عامل قوّة في صالح قبولهم الشعبيّ.
وفي رسالة رسميّة للردّ على أسئلة “المونيتور” من قبل وحدات حماية سنجار، نفت وجود أيّ علاقة تنظيميّة للوحدات مع العمّال، لكنّها “تعدّها جهة صديقة للشعب الإيزيديّ، وهي الآن قوّة رسميّة تابعة للدولة العراقيّة تعمل بالتنسيق مع القوّات العسكريّة والأمنيّة في المنطقة، وتشارك في كلّ حملات تطهير المنطقة من خلايا داعش، وتتولّى مهام حفظ الأمن الداخليّ”.
ومن الواضح أنّ هذه الوحدات تمثّل مصدر قلق من الناحية السياسيّة للأطراف الكرديّة المنافسة، بعد أن طوّرت جناحاً سياسيّاً شارك في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، وهو “حزب الحريّة والديمقراطيّة الإيزيديّة”. ولقد انضمّ الأخير إلى التحالف الإيزيديّ، الذي تشكّل من 4 أحزاب إيزيديّة وهو من ضمنها، وهي: حزب الإيزيديّ الديمقراطيّ المقرّب من الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ، وحزبان إيزيديّان قوميّان هما: حزب التقدّم الإيزيديّ والحركة الإيزيديّة من أجل الإصلاح.
ويظهر من خلال وثيقة إعلان التحالف، التي اطّلع عليها “المونيتور”، اتفاق الأحزاب على عدد من النقاط المتعلّقة بالاشتراك في الانتخابات المحليّة المقبلة بقائمة موحّدة وتشكيل قوّة عسكريّة يمثّل المواطنون الإيزيديّون نسبة 50 في المئة منها لحماية المنطقة.
من جهتها، تعارض تركيا وجود حزب العمّال في سنجار، وتعتبره تهديداً لأمنها القوميّ، وتخشى من تشكيل مسار يصل “جبال قنديل” الحصن الرئيسيّ للحزب بـ”جبل سنجار” من جهة أخرى وربطهما بـ”قوّات سوريا الديمقراطيّة” على الضفّة الثانية من الحدود السوريّة، وهو ما يشكّل حزاماً رابطاً يسند بعضه بعضاً ويخلق ممرّاً لنقل المقاتلين والسلاح والدعم اللوجستيّ ضدّ مصالح تركيا.
ومن الناحية الاقتصاديّة، تسعى تركيا إلى افتتاح معبر فيشخابور الجديد مع العراق، الذي من المخطّط له أن يمرّ عبر تلعفر وسنجار، ثمّ إلى الموصل وبغداد وجنوب العراق، وهو ما يرفع حجم التبادل التجاريّ بين العراق وتركيا ويقلّل الاعتماد على إيران، وهذا أمر لا تحبّذه طهران التي تسعى بدورها إلى توظيف العمّال كورقة تهديد لخطّ التجارة التركيّة مع العراق عبر هذا الخطّ. كما لا ترغب طهران في أيّ منافس لنفوذها في الجنوب، خصوصاً بعد إعادة علاقات العراق مع دول الخليج ومصر والأردن كجزء من مساعي واشنطن إلى زيادة اللاّعبين الإقليميّين لإعادة العراق إلى صفّه العربيّ وإبعاده قدر المستطاع عن إيران.
وإزاء هذا الصراع، الذي اتّخذ أبعاداً إقليميّة، ترفض تركيا تحويل سنجار إلى قاعدة للعمّال الذي تصنّفه كحزب إرهابيّ، في حين تسعى إيران إلى مدّ نفوذها من خلال حلفاء لها للسيطرة على المنطقة المتاخمة للحدود مع سوريا. وتكشف رسالة خليل الموجّهة إلى السفارة الأميركيّة عن رغبة كرديّة في إدخال الولايات المتّحدة كلاعب فاعل في لعبة التنافس على منطقة الأقليّة الإيزيديّة المتنازع عليها وفي استعادة توازن القوى لصالح الحزب الكرديّ الحاكم الذي خسر نفوذه في سنجار.