الاحتلال العربي لكردستان من الغزوات الإسلامية العربية إلى مستوطنات الغمريين، مسافات زمنية سحيقة، وتحولات ديمغرافية دينية كارثية، تفصلهما القرون وتربطهما الثقافة والتكالب على المكان، النزعة العروبية فرضت عليهما بريادة مجموعات حاقدة عنصرية استولت على سلطاتهم، تكالبوا على الاجتياح والاستيطان في جغرافية غنية خصبة، سادت على مأربهم نزعة ثنائية أفسدوا بها حتى الثقافة الإسلامية، الطمع المادي ومنطق إلغاء الأخر، قبل أن يكون طموحا لنشر الإسلام أو لبناء العلاقات الوطنية.
ليعلم حملة راية الوطنية (فجأة) عندما يفرضون عليها العروبة تظهر مزيفة وموبوءة، والتبريرات التي يقدمونها، عن طريق شريحة من الكتاب العرب، لعمليات التعريب والاستيطان العربي في المنطقة الكردية ويحاولون دعمها بالحجج، وإسنادها بأرقام وإحصائيات وتحليلات لا تخفي الحقيقة، ولا يمكن أن تعتم على المؤامرات المخططة للقضاء على القضية الكردية في جنوب غرب كردستان، وتمييع تاريخهم، فكان الأفضل لهم كوطنيين كما يدعون، تبيان الحقائق، وإظهار ما كان يجري في الأروقة السرية، والاعتذار من الكرد عن بشائع سلطاتهم، وتبرئة ذاتهم من جرائم أنظمتهم، لا أن يقوموا بنشر مقالات ساذجة وكتب فاسدة وفيديوهات مبتذلة فكريا، يتهمون فيها الكرد بالعنصرية ومحاولة تفنيد الحقائق التي أصبحت أكثر من واضحة، يقدمها ليس فقط الكرد، بل العديد من الكتاب العرب الصادقين مع وطنيتهم، ومن صلب الواقع.
ومن الغرابة، ورغم الفارق الزمني الواسع، فأن هؤلاء الكتاب والباحثين وناشري الفيديوهات، لا يختلفون عن المجموعات الفقهية الذين سخرتهم السلطات الإسلامية العربية ما بعد محمد (صلى)، لإصدار تبريرات فقهية على تدمير الحضارات، ونهب الأوطان، وسبي الألاف من النساء، وبيعهم بفتاوي شرعية في أسواق النخاسة في المدينة ومكة. فمثلما استولى الأولون على كل ما طالت إليه أياديهم، يحتل الغمريون اليوم، إن كان بإرضاخ من السلطة أو لرغبة البعض في مليكة لأخصب الأراضي الزراعية في المنطقة، والتي تزيد على 300 ألف هكتار، تعود ملكيتها لقرابة 335 قرية من القرى الكردية في جنوب غربي كردستان، في الوقت الذي أصاب فيه التلف أكثر من 300 ألف هكتار في وادي الفرات بسبب التصحر والإهمال، وقد كان بالإمكان توزيعها على أكثر من 4000عائلة الذين تم استيطانهم في المستوطنات المعروفة اليوم بالغمريين.
سنقبل بالرقم الأخير، حسب الإحصائيات التي نشرتها سلطة البعث، وأوثقتها دعاة الوطنية بنشر كتب ومقالات متتالية لترسيخها، موزعين على 42 مستوطنة أصبحت عددها اليوم تزيد على 150 مستوطنة، يغرقون بمحاصيلها الأسواق الداخلية، ويجنون الأرباح من أملاك الشعب الكردي، إلى جانب نهب الثروات الأخرى، النفطية والغازية، من أرض كردستان، دون أن يقدم البديل إلا الشحة، علينا ألا نعتب بل نطالب، فهذا هو منطق المحتل وغاية الاحتلال. وهي لا تختلف عن بيع النساء السبايا ضمن أسواق النخاسة المكية في عصر الراشدين، وما تم بنسائنا وأطفالنا من شنكال. فمعظم السلطات من حينها وحتى اليوم وعلى مر التاريخ، اعتزت بثقافة الطغي، ومبدأ الغزو، لذلك حثوا وبشكل دائم مجموعات من المكون العربي على تبنيها، ليس حبا بشعوبهم بقدر ما كان طمعا بالهيمنة والسيادة، فكانت ولا تزال تلك من ضمن الأساليب المستخدمة لديمومة سيطرتهم.
في الغزوات الأولى سادت منطق نشر الديانة الإلهية، وبثوا ثقافة غريبة، على أن الغزو وتدمير الأوطان كانت نعمة ومنة على الشعوب، وعلى أثرها سميت الغزوات بالفتوحات. وللتغطية على الاحتلال الغمري نشرت مفاهيم الوطنية والعيش المشترك، وضرورات مرحلة ما بعد بناء سد الفرات المستفيد منه كل الوطن! وفي الحالتين عتمت على نزعة الاستيلاء على جغرافية كردستان الخصبة، والأهداف السياسية العنصرية، بطروحات إنسانية اقتصادية وطنية، مثلما نشرها أحد الكتاب البعثيين قبل فترة، بمقال كديمومة لكتب ومقالات من سبقوه، يستند فيها على تحريفات الكاتب محمد جمال باروت، مع تأييد لمفاهيمه وتحليلاته، مع بيانات رقمية وإحصائيات استخدمها غيره، مركزاً على منطق الكاتب المذكور، أن الغاية لم تكن التغيير الديمغرافي! متناسيا أن القضية هنا ليست فقط التغيير في نسبة السكان الكرد ضمن الجزيرة بقدر ما هو احتلال لأرض كردستان، حتى أن إحصائية نشر 4000 أسرة غمريه على المستوطنات تعتيم على الحقيقة، مثل نسبة توزيع الغمريين على المناطق الأخرى كالرقة ودير الزور، أو بقائهم حول السد، بنسبة 3% و9% و55% وغيرها، وهي أرقام غير مسنودة، وساذجة كقياسه للمسافة الممتدة ما بين ديركا حمكو حتى سري كانيه، والتي بنيت فيها المستوطنات، ب 35 كم! والأغرب هنا عمليات التلاعب بالأرقام حسب متطلبات الدراسة أو الهدف، فيقول أن نسبة المغمورين الذين استوطنوا في الجزيرة لم تتجاوز نسبتهم 3% من سكان الجزيرة، ويضيف على أنها لن تؤثر على نسبة الكرد ولا على التراجيديا المدعية، علما أن زملاءه من الكتاب البعثيين يؤكدون على أن نسبة الكرد في المحافظة لا تتعدى 30% وفي الحالتين يكون الهدف ذاته، الطعن في الديمغرافية الكردية بتغيير أماكن الضحية والمجرم، والتعتيم على مسيرة الاحتلال المتمددة على مدى قرون، وهنا نلاحظ أن الحراك الكردي أصبح متهما، لعرضه قضية بناء مستوطنات استعمارية واحتلال أراضي العائلات الكردية وتوزيعها على الغمريين، فكما نعلم وبدراسات ميدانية، حصلت كل عائلة غمريه على مساحة وسطية تقدر بخمسين هكتارا، في الوقت الذي نقصت فيها ملكية الفلاح الكردي ومالكيهم إلى ما بين عشرة وثلاثين هكتارا في افضل الأحوال، إلى جانب عزل عائلات عديدة من ملكيتها كلياً، تحت حجة الأجانب أو المكتومين، أو أنهم من المهاجرين القادمين من تركيا بعد ثورة الشيخ سعيد بيران أي بعد عام 1925م، أي بعد تقسيم كردستان الشمالية عن الجنوبية الغربية وتحديد أجزاء من حدود سوريا الشمالية بسنوات ثلاث.
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
15/9/2019م
مراحل التغلغل العربي في كوردستان بإختصار هي
1 ـ مرحلة الإحتلال العمري , وهذه لم تكن إستيطاناً بل صيد وملاحقة الشعوب الساسانية كلها موجة بعد موجة تمسح ما وراءها غنائم وسبايا وذبح ولا شيء غيرها, ولم يكن هناك كلام عن الإسلام ولا أي شيئ . يستقر القائد أو ممثل الخليفة في المدن الكبرى لجمع المال فقط , سكنت هذه الموجة بعد مقتله في العهد الراشدي,
2 ـ أعاد الكرة معاوية ودمر بلاد العراق أكثر من عمر خاصةً المدائن العاصمة والموصل وأسكن العرب في الكوفة لتكون قاعدة عسكرية ومقراً للوالي وجمع الغنائم ولم يسلم أهل العراق ولم تهدأ ثوراتهم , حتى قتل إبن عم الخليفة (الحسين بن علي) خطأً بيد أعمامه, في هذه المرحلة لم يبق كورديٌّ في سوريا إما هرب أو قتل أو أسلم واستعرب , والدليل أن جميع ئيزديي سوريا هم هاربون من تركيا بعد نقل مركز الإسلام إليها
3 ـ إسلام العراق حدث في العصر العباسي بعد نقل السلطة إلى بغداد بعدها أسلمو واستعربوا وإتخذوا مذهب معارضي الخليفة وهم الشيعة العرب المستعربون الحاليون , إنسانٌ واحد منهم لا ينحدر من أصلٍ عربي