18/9/2019
مَنْ نفذ الاغتيالات في الموصل؟
إن أسماء منفذي الاغتيالات ليست بخافية على أبناء الموصل، فأصابع الاتهام تشير، وتؤكد على شخصية القتلة واحداً واحدا، فقد بلغ بهم الأمر حد التفاخر أمام الناس، والحديث عن ضحاياهم دون خوف من عقاب، ولماذا الخوف ما دامت السلطة هي التي تساندهم، وتمدهم بالعون، لينفذوا مخططاً واسعاً، أعد له سلفاً يرمي إلى ضرب الحزب الشيوعي، وتجريده من جماهيره ومؤيديه.
لقد أزداد عدد المنفذين يوماَ بعد يوم، وتحول الاغتيال ليشمل ليس فقط الشيوعيين وأصدقائهم، بل لقد تعداه إلى أناس ليس لهم علاقة بالسياسة، وكان دافعهم على هذا العمل الإجرامي هو التنافس على الأعمال التجارية أو المحلات، أو المعامل، و الوظائف، وتصاعدت جرائم الاغتيالات حتى أصبحت إجرة قتل الإنسان [ 50 دينار]،وهذه أسماء بعض أولئك القتلة التي كان يتداولها الموصليون على ألسنتهم كل يوم :
أسماء منفذي الاغتيالات:
1ـ زغلول كشمولة 2 ـ شوكت نوري الأرمني 3 ـ يعقوب كوشان 4 ـ محمد سعيد السراج 6 ـ صبار الدليمي6
7 ـ نجم فتحي 8 ـ موفق محمود
9 ـ فهد الشكرة 10 ـ هادي أبن الطويلة
11 ـ عادل ذنون الجواري 12 ـ حازم بري
13 ـ عارف السماك 14 ـ أحمد جني
15 ـ نجم البارودي 16 ـ طارق قباني
17 ـ طارق نانيك 18 ـ محمود، أبن البطل
19 ـ قاسم، أبن العربية 20 ـ عدنان صحراوية
21 ـ طارق شهاب البني 22 ـ فوزي شهاب البني
23 ـ جبل العاني 24 ـ فاضل مسير
25 ـ موفق، أبن عم فاضل 26 ـ مجيد ـ مجهول أسم أبيه
27 ـ جنة ـ مجهول اسم أبيه 28 ـ نيازي ذنون .
هذه القائمة بالطبع لا تشمل كل المنفذين للاغتيالات، فهناك العديد من الأسماء التي بقيت طي الكتمان لان أصحابها أرادوا ذلك، لكن الأسماء المذكورة كانت معروفة تماماً لدى أبناء الموصل، حيث كان أصحابها يتباهون بجرائمهم بصورة علنية دون خوف من رادع، أو عقاب ولماذا الخوف مادامت السلطة تحميهم وتدعمهم!
لقد اغتيل المئات من أبناء الموصل البررة، ولم يلقى القبض على أي من القتلة، ولو شاءت السلطة كشف تلك الجرائم لكانت توصلت إلى جميع الخيوط التي تقودها إليهم، وكل المخططين والممولين لتلك الجرائم.
لقد ذهبت دماء الضحايا تلك هدراً حتى يومنا هذا، ولم يُفتح فيها أي تحقيق وطواها النسيان، لكنها ستبقى تسأل عن مَنْ سفكها، ومن ساعد وشجع، وخطط، ومول تلك الحملة المجرمة بحق المواطنين الأبرياء، ولابد أن يأتي اليوم الذي تُكشف فيه الحقيقة، وخاصة فيما يتعلق بموقف السلطة العليا في بغداد، وجهازها الأمني و الإداري في الموصل، ودور كل واحد منهم في تلك الاغتيالات.
لكن الذي أستطيع قوله بكل تأكيد، هو أنه لا يمكن تبرئة السلطة العليا من مسؤوليتها في تلك الأحداث، وعلى رأسها عبد الكريم قاسم بالذات، فالسلطة مهما تكن ضعيفة، وعاجزة، وهي ليست كذلك بكل تأكيد، قادرة على إيقاف تلك الجرائم واعتقال المسؤولين عنها، وإنزال العقاب الصارم بهم إن هي شاءت.
وليست متوفرة عندي، وأنا أعيش في الغربة، بعيداً عن وطني، قائمة كاملة بأسماء ضحايا الاغتيالات تلك، لكنني ما زلت أحتفظ بأسماء العديد من أولئك الضحايا.
أسماء بعض الشهداء ضحايا جرائم الاغتيالات:
1 ـ كامل قزانجي ـ محامي وسياسي بارز.
2 ـ غنية محمد لطيف ـ طالبة مدرسة ـ شقيقة زوجتي.
3 ـ العقيد عبد الله الشاوي ـ أمر فوج الهندسة.
4 ـ فيصل الجبوري ـ مدير متوسطة الكفاح
5 ـ زهير رشيد الدباغ ـ مدرس
6 ـ شاكر محمود ـ معلم.
7 ـ قوزي قزازي ـ تاجر كبير السن لا علاقة له بالسياسة.
8 ـ حازم قوزي قزازي ـ تاجر ( قتل مع أبيه ).
9 ـ نافع برايا وعائلته ـ قتلت العائلة بواسطة قنبلة موقوتة، وضعت بسيارتهم.
10 ـ ياسين شخيتم ـ قصاب، ونصير سلم.
11 ـ عبد الإله ياسين شخيتم ـ طالب إعدادي (قتل مع أبيه).
12 ـ متي يعقوب ـ صاحب محل تجاري.
13 ـ إبراهيم محمد سلطان ـ تاجر أغنام.
14 ـ حميد فتحي الحاج أحمد ـ قصاب.
15 ـ كمال القصاب ـ قصاب ـ عضو اللجنة المحلية للحزب الشيوعي
16 ـ موسى السلق ـ محاسب بلدية الموصل.
17 ـ سالم محمود ـ معلم.
18 ـ متي يعقوب يوسف ـ موظف.
19 ـ فيصل محمد توفيق ـ مدرس.
20 ـ عبد الله ليون ـ محامي.
21 ـ زكر عبد النور ـ صيدلي.
22 ـ أحمد ميرخان ـ (نقل إلى المستشفى جريحاً، واغتيل هناك في اليوم التالي في المستشفى).
23 ـ عثمان جهور ـ كاسب كردي.
24 ـ محمد زاخولي ـ كاسب، كردي.
25 ـ سركيس الأرمني ـ صاحب كراج.
26 ـ يقضان إبراهيم وصفي ـ مهندس.
27 ـ حنا داؤد ـ سائق سيارة .
28 ـ عصمت عبد الله ـ موظف.
29 ـ هاني متي يعقوب ـ سائق المطرانية.
30 ـ زكي عزيز توتونجي [بائع تبغ وسكائر]
31 ـ بدري عزيز توتونجي ـ توتونجي.
32 ـ نجاح ….. ـ طالب جامعي، قتله المجرم جبل العاني، أحد أفراد العصابة.
33 ـ أركان مناع الحنكاوي ـ كاسب.
34 ـ طارق نجم حاوة ـ عامل.
35 ـ طارق محمد ـ طالب إعدادي.
36 ـ طارق إبراهيم الدباغ ـ تاجر مواد صحية.
37 ـ سالم محمد ـ كاسب.
38 ـ حمزة الرحو ـ قصاب.
39 ـ وعد الله ـ أبن أخت عمر محمد الياس ــ طالب
40 ـ شريف البقال ـ صاحب محل تجاري.
41 ـ طه الخضارجي ـ بائع فواكه وخضراوات.
42 ـ هاشم الحلة ـ طالب.
43 ـ حاتم الحلة ــ طالب.
44 ـ ذنون نجيب العمر ـ تاجر.
45 ـ محمد أبو ذنون ـ قصاب.
46 ـ عبيد الججو ـ تاجر.
47 ـ خليل الججو ـ تاجر.
48 ـ زكي نجم المعمار ـ معلم.
49 ـ أحمد نجم الدين ـ موظف في بلدية الموصل.
50 ـ أحمد البامرني ـ تاجر.
51 ـ أحمد مال الله ـ موظف.
52 ـ سعد الله البامرني ـ موظف.
53 ـ وديع عودة ـ تاجر.
54 ـ طارق يحيى . ق ـ طالب إعدادي.
55 ـ ثامر عثمان ـ ضابط في الجيش.
56 ـ جورج …. ـ سائق.
57 ـ أحمد حسن ـ موظف في البلدية.
58 ـ باسل عمر الياس ـ طالب.
59 ـ شاكر محمد.
60 ـ فريد السحار.
61 ـ واصف رشيد ميرزا.
هذا بعض ما أتذكره من أسماء أولئك الشهداء، ضحايا تلك المجزرة التي عاشتها مدينة الموصل خلال ثلاث سنوات، وهي بالتأكيد لا تمثل سوى جانب قليل من الضحايا من أبناء الموصل البررة.
لم يكتفِ انقلابيوا شباط بتلك الاغتيالات التي ذهب ضحيتها المئات من الوطنيين الشرفاء، بل صبوا جام غضبهم على السجناء الذين اعتقلهم عبد الكريم قاسم وأحالهم على المجالس العرفية التي حكمت عليهم بأحكام ثقيلة، حيث سارعوا إلى إعادة محاكمتهم بصورة صورية، والحكم عليهم بالإعدام وتم نقلهم إلى الموصل حيث جرى تنفيذ أحكام الموت بحقهم في شوارع الموصل، وهذه أسماء الشهداء
1 ـ شاكر محمود اللهيبي 2 ـ محمود تمي 3 ـ يحيى مراد
4 ـ هاني مجيد 5 ـ بطرس شنكو 6 ـ سالم داود
7 ـ إبراهيم محمود الأسود 8 ـ ميخائيل ججو 9 ـ كوركيس داود
10ـ عزيز أبو بكر 11 ـ حنا قديشة 12 ـ إبراهيم داود
13 ـ غازي خليل 14 ـ إبراهيم داود 15 ـ متي اسطيفان
16 ـ أحمد علي سلطان 17 ـ خضر شمو 18 ـ عمر بابكر
19 ـ ميكائيل حسن 20 ـ إسماعيل محمد 21 ـ يوسف إبراهيم
22 ـ محمد شيت صالح 23 ـ رمضان أحمد 24 ـ عز الدين رفيق
25ـ سيدو يوسف الحامد 26 ـ عصمت بيرزوني 27 ـ صالح أحمد يحيى
28 ـ جاسم محمد أحمد 29 ـ أنور درويش 30 ـ شمعون ملك يكو
31ـ عبد محمود يونس 32 ـ خيري نشات 33ـ طاهر العباسي
34 ـ عبد الرحمن زاويتي 35 ـ عيسى ملا صالح 36 ـ طارق الجماس
37 ـ ساطع إسماعيل
نتائج الاغتيالات، والحملة الرجعية في الموصل
بعد كل الذي جرى في الموصل على أيدي تلك الزمرة المجرمة، نستطيع أن نوجز نتائج حملة الاغتيالات، والحملة الرجعية، بالأمور التالية:
1ـ إلحاق الأذى والأضرار الجسيمة بالعوائل الوطنية، وإجبارها على الهجرة من المدينة، وقد هجر المدينة بالفعل أكثر من 30 ألف عائلة إلى بغداد والمدن الأخرى، طلباً للأمان تاركين مساكنهم، ومصالحهم، ووظائفهم، ودراسات أبنائهم، بعد أن أدركوا أنه ليس في نية السلطة إيقاف حملة الاغتيالات، واعتقال منفذيها.
2ـ شل وتدمير الحركة الاقتصادية في المدينة، نتيجة للهجرة الجماعية، وعمليات القتل الوحشية التي كانت تجري أمام الناس، وفي وضح النهار، وانهيار الأوضاع المعيشية لأبناء الموصل، وخاصة العوائل المهاجرة.
3 ـ تجريد عبد الكريم قاسم من كل دعم شعبي، وعزله عن تلك الجماهير الواسعة التي كانت تمثل سند الثورة الحقيقي.
لقد كانت الرجعية، ومن ورائها الإمبريالية، وشركات النفط، ترمي إلى هدف بعيد، هدف يتمثل في إسقاط الثورة، وتصفية قائدها عبد الكريم قاسم نفسه، وتصفية كل منجزاتها، التي دفع الشعب العراقي من أجلها التضحيات الجسام من دماء أبنائه.
لقد كفرت جماهير الشعب بالثورة، وتمنت عدم حدوثها، وأخذت تترحم على نوري السعيد، والعهد الملكي السابق، وانكفأت بعيداً عن السياسة، وتخلت عن تأييد قاسم وحكومته، وفقدت كل ثقة بها، وهذا ما كانت تهدف إليه الرجعية في الأساس لغرض إسقاط حكومة عبد الكريم قاسم فيما بعد .
ولم يدر في خلد قاسم أن رأسه كان في مقدمة المطلوبين، وأن الثورة ومنجزاتها هدفاً أساسياً لها، وما تلك الاغتيالات إلا وسيلة لإضعاف قاسم نفسه، وعزله عن الشعب، تمهيداً لإنزال الضربة القاضية به، وبالثورة ومنجزاتها، حيث تم لهم ما أرادوا، وخططوا هم وأسيادهم الإمبرياليين لتدبير انقلاب 8 شباط 1963 المشؤوم.
وبهذه المناسبة تعود بي الذاكرة إلي المقال الذي كتبه الشهيد [عبد الجبار وهبي ـ أبو سعيد] في صحيفة الحزب الشيوعي ـ اتحاد الشعب ـ في حقل، كلمة اليوم، بعنوان [سارق الأكفان] وكان المقال موجه بالتأكيد لعبد الكريم قاسم بالذات، أراد فيه أن ينبهه إلى ما ألت إليه أوضاع البلاد، والاستياء الشديد لدى غالبية الشعب العراقي عامة، وأهالي الموصل بوجه خاص.
كان ملخص المقال أن أحد السرّاق كان يترصد المقابر، وينبش القبور، ويأخذ الكفن ليبيعه، ويترك الجثة في العراء.
أخذ الناس يلعنون السارق على فعله، واستمرت اللعنات عليه حتى بعد وفاته، مما حزّ في نفس ولده الذي فكر في طريقة يجعل بها الناس يكفون عن لعنة أبيه.
عاد الولد إلى فعلة أبيه، لكنه لم يكتفي بنبش القبور، وسرقة الأكفان، وإنما أخذ يمثل بالجثة، وينثر أشلائها.
أحدثت فعلة الولد صدمة كبيرة لدى جميع الناس، جعلتهم يترحمون على سارق الأكفان السابق، الذي كان يكتفي بسرقة الكفن، دون تقطيع الجثة ونثر أشلائها، وهكذا خلّص الولد أبيه من اللعنات.
أراد الشهيد أبو سعيد أن يقول لعبد الكريم قاسم أن الشعب قد صار يترحم على عهد نوري السعيد، ويكفر بالثورة، ويتمنى عدم حدوثها، نتيجة لما آلت إليه أوضاع البلاد من تدهور، ومآسي لم يسبق لها مثيل.
موقف الحزب الشيوعي من حملة الاغتيالات؟
لم يكن موقف الحزب الشيوعي من الاغتيالات في مستوى الأحداث، حيث اتخذ منها موقفا سلبياً، لا يتناسب وخطورتها، مكتفياً ببعض المقالات التي كانت تنشرها صحيفة الحزب [اتحاد الشعب] وبعض البيانات التي كانت تطالب السلطة العمل على وقفها!! دون أن تدرك قيادة الحزب أن للسلطة يداً طويلة فيها، بهدف تجريد الحزب من جماهيره وإضعافه، تمهيداً لإنزال الضربة القاضية به، بعد أن أرعبتها مسيرة الأول من أيار عام 1959، التي لم يسبق لها مثيل، في ضخامتها، وجموع المتظاهرين جميعاً تهتف مطالبة بإشراك الحزب الشيوعي في الحكم:
[عاش الزعيم عبد الكريمِ، حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمِ].
وفي واقع الأمر فإن تلك المسيرة، وذلك الشعار، أعطى عكس النتائج التي توخاها الحزب منهما، وجعل عبد الكريم قاسم يرتجف رعباً، وهلعاً من قوة الحزب وجماهيريته، وصارت لديه القناعة المطلقة بأن الحزب الشيوعي سوف يقفز إلي السلطة ويبعده عنها، رغم أن هذه الأفكار لم تكن تدور في مخيلة الحزب إطلاقاً وقت ذاك، ولعبت البرجوازية الوطنية، المتمثلة بكتلة وزير المالية [ محمد حديد ] نائب رئيس الحزب الوطني الديمقراطي، دوراً كبيراً في إثارة شكوك عبد الكريم قاسم بنوايا الشيوعيين، كما اشتدت الحملة الإمبريالية الهستيرية، التي كانت تصوّر أن الشيوعيين قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى لاستلام السلطة في العراق، حيث صرح رئيس جهاز المخابرات الأمريكية آنذاك [ ألن دلس] قائلاً:
{ أن اخطر ما يواجه عالمنا اليوم هو الوضع في العراق}.
ما كان للحزب الشيوعي أن يلجأ إلى الشارع ليستعرض قوته أمام عبد الكريم قاسم ويرعبه، ليس إلا، من أجل المشاركة في السلطة، رغم أحقيته بذلك أسوة ببقية الأحزاب التي أشركها قاسم بالسلطة، في حين كان بإمكانه انتزاع السلطة بكل سهولة ويسر لو هو شاء ذلك، ولم تكن هناك قوة في ذلك الوقت قادرة على الوقوف بوجهه.
لكن الحزب الشيوعي استفز عبد الكريم قاسم واستفز البرجوازية الوطنية، واستفز الامبريالية، ثم عاد وانكمش، وبدأ بالتراجع يوماً بعد يوم، مما أعطى الفرصة لعبد الكريم قاسم وللبرجوازية المتمثلة بالجناح اليميني للحزب الوطني الديمقراطي بقيادة [محمد حديد] ورفاقه للهجوم المعاكس ضد الحزب، من أجل تقليم أظافره، وتجريده من جماهيره، تمهيداً لتوجيه الضربة القاضية له.
لقد كان على قيادة الحزب إما أن تقرر استلام السلطة، وهي القادرة على ذلك بدون أدنى شك، لكن الخطوط الحمراء التي رسمتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حول أمن الخليج، حالت دون إقدام الحزب الشيوعي على استلام السلطة، أو أن تسلك طريقاً آخر هادئ، لا يستفز عبد الكريم قاسم، وذلك عن طريق اللقاءات والحوار، والمذكرات التي لا تثير أية حساسية، وأن تركز جهدها على المطالبة بإجراء انتخاب المجلس التشريعي، وسن دستور دائم للبلاد، وانتقال السلطة بطريقة دستورية إلى من يضع الشعب ثقته فيه، أو تشكيل حكومة ائتلاف وطني، تضم مختلف الأحزاب الوطنية، وليكن عبد الكريم قاسم رئيساَ للجمهورية، إذا أختاره الشعب.
لقد أتخذ عبد الكريم قاسم موقفه من الحزب الشيوعي القاضي بتحجيمه، وعزله عن جماهيره، تمهيداً لتوجيه الضربات المتتالية له، والتخلص من نفوذه.
أما قيادة الحزب فكانت بعد كل الذي جرى ويجري ما تزال عند حسن ظنها بقاسم، آملة أن يعود عن الطريق الذي أتخذه ضد الحزب، وهكذا بدأ قاسم حملته الشرسة ضد الحزب، لتجريده من جماهيريته، وإبعاده عن قيادة جميع المنظمات الجماهيرية، والجمعيات، والنقابات، واتحادي العمال والفلاحين، وانتهى المطاف إلى حجب إجازة الحزب، وصنع له بديلا ًمسخاً لا جماهيرية له، لدرجة أنه فشل في إيجاد عدد كافٍ لهيأته المؤسسة لثلاث مرات متتالية، في الوقت الذي جمع الحزب 360 ألف توقيع من رفاقه، ومؤيديه.
لقد أصبحت قيادة الحزب في وادٍ، وقاعدته ومناصريه في وادٍ آخر، حين وجدت قواعد الحزب أن لا أمل في موقف السلطة، واستمرار تمادي العصابات الإجرامية، وتنامي عدد حوادث القتل يوما بعد يوم في كافة أنحاء العراق، بصورة عامة، وفي الموصل بوجه خاص، حتى وصل الرقم اليومي لعدد الضحايا أكثر من خمسة عشر شهيداً.
لقد ألحت قواعد الحزب، بعد أن أدركت أن لا أمل في السلطة، بالرد على تلك الاغتيالات، ليس حباً بالعمل الإرهابي، ولا رغبة فيه، وإنما لوقف الإرهاب، والدفاع عن النفس، وكان بإمكان الحزب لو أراد آنذاك لأنزل الضربة القاضية بالمجرمين ومموليهم، وكل الواقفين وراءهم.
إلا أن الحزب رفض رفضاً قاطعاً هذا الاتجاه متهماً المنادين به بالفوضويين!! وبمرض الطفولة اليساري، وغيرها من التهم التي ثبت بطلانها فيما بعد، والتي كلفت الحزب، وكلفت الشعب ثمناً باهظاً.
إن من حق كل إنسان أن يحمي نفسه، ويدافع عنها، إذا ما وجد أن السلطة لا تقدم له الحماية، في أسوأ الأحوال، إذا لم تكن السلطة شريكاً في الجريمة
لكن الحزب كان يخشى أن يؤدي اللجوء للدفاع عن النفس إلى إغضاب
عبد الكريم قاسم، وخاصة أن أحداث كركوك مازالت ماثلة أمامه والتي استغلها قاسم أبشع استغلال، بمهاجمة الشيوعيين، واتهامهم بالفوضوية واصفاً إياهم بكونهم أسوأ من هولاكو أوجنكيزخان!.
لكن الحقيقة أن مواقف قاسم تلك في الدفاع عن القتلى في كركوك كانت ستاراً، وذريعة لضرب الحزب، وتحجيمه، وكانت أحداث كركوك تمثل جانباً من ذلك الصراع التاريخي بين الأكراد والتركمان وجرى تحميل أوزارها للحزب الشيوعي.
لقد كان على قيادة الحزب أن تدرس بإمعان مسيرة الأحداث، وتتوقع كل شيء، وكان عليها أن لا تستفز عبد الكريم قاسم، ثم تتخذ التراجع طريقاً لها وتتلقى الضربات المتتالية بعد ذلك، في حين كان الحزب في أوج قوته وكان بإمكانه أن يقف بحزم ضد كل ما يخطط له، ويعمل على وقف تلك المخططات، وأخذ زمام المبادرة من الأعداء.