نأمل من الشريحة العروبية، المستعصية أو المستصعبة عليها كتابة مقالاتها وكتبها ونشر وفيديوهاتها بمصداقية، إعادة النظر في نشر مفاهيمها، وطرح الوطنية بعمقها الديمقراطي الحضاري، لتستطيع التغطية على مسيرة التعريب والاحتلال المتمدد في أراض كردستان، وعلى مدى قرون طويلة، كما ونتمنى، وعلى الخلفية المنهجية الفكرية الوطنية إن كانوا صادقين، أن يراجعوا ذاتهم وما يعرضونه من دراسات، قبل التهجم على الأخرين، وألا يقدموا أنفسهم للمجتمع الكردي كمجموعة وطنية، وهم في الواقع يحملون راية ملوثة بالمفاهيم الساذجة والعنصرية، وجل غايتهم التغطية على الحقائق المقرفة التي أصبحت أكثر من معروفة في الشارع الكردي والعربي معاً.
فمحاولات القضاء على الكرد وقضيتهم في جنوب غرب كردستان، حتى إذا حصرناها في القرن الماضي، والبرامج الفاضحة والمتنوعة التي تم تخطيطها وتطبيقها وبمناهج عنصرية صريحة أصبحت أكثر من واضحة، وستكون وبالا عليهم وعلى الأمة العربية والإسلامية في القادم من الزمن، فليتهم لا يعتمون عليها بالتهجم على الكرد، للتغطية على وطنيتهم المزيفة من منطق الهجوم خير وسيلة للدفاع، وبها نصبح أمام كارثة فكرية إلى جانب الجرائم الثقافية السياسية، من ضمنها تبرئة السلطة والمنظمات التكفيرية من الإبادة الحاصلة، وإتهام الكرد بها، أو على الأقل أشراكهم فيها.
فهم ولتنقيبهم المستمر في أرشيف البعث، وما قدمتها لهم المربعات الأمنية، يعلمون أكثر من الأخرين، أن القرارات الصادرة عن القيادة القطرية لحزب البعث والمتعلقة بالمنطقة الكردية كانت جميعها استثنائية، وبينها تلك التي حددت أصول نقل الملكية بالمرسوم رقم 193/لعام 1952 والتي حصرت ضمن المناطق الكردية، وكانت حينها السلطات السورية تدعي الوطنية، وهي ذاتها التي استندت عليها فيما بعد حكومة جمال عبد الناصر في مشاريعها حول الإصلاح الزراعي في المنطقة الكردية، وعدلت في عهد البعث بالمرسوم رقم 136/لعام1964 ونفذتها فيما بعد سلطة الأسد، وعلى أثرها تم الاستيلاء على ثلث أراضي الملاكين والفلاحين الكرد، أي احتلال قانوني لثلث الجزيرة الكردستانية، وكان لا بد من ملئ هذه الأراضي بالعنصر العربي، لذلك تلتها عمليات بناء المستوطنات، وقد ساندتها مشروع سد الفرات، وبعد عقود تم عرض المرسوم 41/لعام 2004 المستثنى فيه العقارات داخل المدن وخارجها المدرجة تحت قوانين البيع والشراء، وللعلم الاستثناءات الأخيرة كانت خاصة للمجموعات المتنفذة القادمة من الداخل السوري الذين استولوا على العديد من العقارات الكردية بطرق غير قانونية، أو تحت رخص الشراء والبيع الوهمية، أو من البعثيين أبناء العشائر العربية في المنطقة التابعين للسلطة أو التي رخصت لهم المربعات الأمنية عقود البيع والشراء. وبعد سنوات أربع كانت الضربة العنصرية الحاسمة على الكرد بالمرسوم الجمهوري رقم 49/لعام 2008 والقاضي على البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب بشكل كارثي.
وبالتأكيد لهم إطلاع على أمر مصادرة كامل أرضي العديد من الملاكين الكرد الذين كان لهم سندات ملكية تعود تاريخ بعضها إلى قرابة ثلاثة قرون، وحرمان الألاف من الفلاحين الكرد من أراضيهم أو من الملكية كلياً. كما ويعلمون ما فعلته لجنة الاعتماد في محافظة الحسكة بقرارها رقم 1 لعام 1967برئاسة محافظ الحسكة آنذاك محمد حيدر والذي وافق على تنفيذ (206) قضية ضمن الجلسة ذاتها، وبموجبها ألحق ضرراً ب /850/ قرية كردية توجد إثباتات بملكيتها.
ولحقت بهم قرارات استثنائية لقرى كردية أخرى عديدة، منها الذي نفذ في عام 1986م على القرية التي ولدت فيها (نصران) والتي بناها والدي في عام 1944م، بعدما فرضت سلطة الاحتلال الفرنسي عليه وكان قد تزوج حديثاُ وجميع عائلة والده الشهيد بيد الفرنسيين قبيل معركة بياندور، الرحيل من قرية والده (محركان) وأراضي نصران ذاتها من أملاك (دوكر) قرية أجدادنا المبنية منذ قرابة ثلاثة قرون، وتوجدت سندات بالملكية صادرة من الأستانة، في عهد العثمانيين، وقرار الاستيلاء على أملاكنا في نصران كان صادراُ بمرسوم جمهوري استثنائي، بطلب من محافظ الحسكة الجديد حينها محمد مصطفى ميرو والذي أصبح رئيسا للوزراء فيما بعد، وبأمر من محمد منصورة رئيس المخابرات العسكرية، الغني عن التعريف، الذي عتم على الحراك الكردي والقضية بحنكة خبيثة ولمدى عقود طويلة. وتم الاستيلاء على قرابة 200 هكتار من أراضي نصران وزعت على أربع عائلات غمريه، جلبوا حديثا من منطقة الطبقة، أي 50 هكتارا لكل عائلة، سكنت كل واحدة منها في الأراضي المستقطعة لها، وهكذا تشكلت أربع قرى عربية بدون أسماء وهي من القرى المضافة إلى القرى العربية المذكورة في إحصائيات محافظة الحسكة، سنأتي على ذكرها لاحقا، اثنتين ما بين دوكر ونصران، واثنتين ما بين نصران وكرشيران، وعلى أثرها بقيت بملكية عائلة محمد عباس صاحب القرية وعامرها، المتكونة من 18 عائلة، و20 عائلة فلاحية كردية رئيسية من أبناء القرية، المتزايدة إلى قرابة 80 عائلة، أي أصبحنا أمام ملكية، قرابة خمس إلى عشر هكتارات لك عائلة كردية، في الوقت الذي كانت فيه منطقة الطبقة وسد الفرات بأمس الحاجة لعملهم لإنقاذ ألاف الهكتارات الخالية من التملح والتصحر، والإهمال المتعمد بسبب الفساد والعنصرية.
أخوتنا الوطنيون، ماذا تسمون عملية الاستيلاء هذه، والمماثلة لها بالعشرات ليس فقط في أراض قرى أل عباس المجاورة لنصران، بل في كل المنطقة الكردية؟
أليس استيطان عربي؟
ألا تدرج ضمن منطق الاحتلال لأراضي كردستان؟
ألا ترون فيها أيها الكتاب والباحثين العرب المبررين للسلطات العروبية أن منطق السيادة والموالي لا تزال جارية منذ الغزوات وحتى الآن؟
أليست هذه من ضمن المسيرة الطويلة لتطبيق مشروع محمد طلب هلال، وحيث مشاريع القضاء على الوجود الكردي في جنوب غرب كردستان؟
أليس، نحن هنا أمام منطق الحق مع المحتل القوي والغازي، وعدمية الديمقراطية والوطنية؟
فحتى لو لم يكن للملاكين أو الفلاحين الكرد سندات تمليك رسمية، لكنهم يسكنون معظم هذه القرى، المستولية عليها، كحضر أو نصف حضر منذ أكثر من ثلاثة قرون، بل وفي بعضها قبل ظهور الغزوات الإسلامية العربية، وهي أراضي كردستان ومراكز حضاراتها الأولى. ونتمنى من الذين نشروا عن سكان محافظة الحسكة وقراها في الويكيبديا، أن يقدموا لنا أسم قرية عربية واحدة قبل العشرينات من القرن الماضي، ليس فقط في المحافظة المذكورة بل وفي كل منطقة شمال الفرات حتى حدود الأنبار مع العراق، وهي موجهة لصاحب المنشور الذي أرسل الإحصائيات المبنية على الاحتلال العربي ومسيرة التعريب الطويلة، المبنية على مراسيم وقوانين استثنائية متتالية، وهو يعلم تماما أنه لم تجرى إحصائية رسمية طوال التاريخ السوري عن نسبة الكرد أو عن الشعب الكردي وقراهم، باستثناء ربما ما قدمته المربعات الأمنية للسلطة، وهي مطعونة في مصداقيتها، بعد الإحصائية الفرنسية التخمينية في الثلاثينات من القرن الماضي على خلفية الانتخابات البرلمانية، والتي بلغت حينها نسبة الكرد في سوريا أكثر من ربع سكان سوريا.
وبالمناسبة عملية الأجانب والمكتومين الكرد الذين بلغوا قرابة ربع سكان محافظة الحسكة، كان قد تم بشكل عشوائي، وهو ما أدى إلى أن يدرج رئيس أركان سوريا ضمن قائمة المكتومين، وعائلتنا أحفاد عباس محمد عباس الذي أستشهد في عام 1923م في قرية بياندور في عداد الأجانب، والأمثلة كثيرة. ذاكرا صاحب الدراسة في الويكيبديا أن عدد القرى في المحافظة 1717 قرية، عام 2013م، منها 1161 عربية، بالتأكيد أحصي ضمنهم مستوطنات وبيوت الغمريين الموزعين على كل أراضي القرى الكردية المستولية عليها، وفي الوقت الذي وردت في جميع المصادر العثمانية والفرنسية وفي كتب الرحالة أمثال الإنكليزية الليدي آن بلنت في كتابها، قبائل بدو الفرات، أنه لم توجد قرية عربية حضرية واحدة في كل منطقة شمال الفرات، و453 قرية كردية، متغاضياً عن الهجرة الكردية الكارثية من المنطقة، والمعاكسة إليها من المكون العربي، و50 قرية سريانية، و53 قرية مختلطة.
فليت هؤلاء الكتاب والباحثين وأصحاب الفيديوهات من الأخوة العرب، يبينون لماذا، لا تزال هناك قرى كردية رغم الحصر الكلي على اللغة الكردية، واقتطاع أملاكهم، ومنعهم من البناء، والتدمير الممنهج للبنية التحتية والثقافية والسياسية والاقتصادية، والتعتيم على القومية الكردية وضرب الحراك الكردي. ولماذا لم يكن بين المكون العربي هجرة مماثلة للهجرة الكردية، ولا تدهور في المعيشة، بعد صدور المرسوم 49؟ (سنأتي على هذه القضية في الحلقة القادمة) ولماذا لا يتحدثون عن الاستيطان المتزامن مع هجرة الشعب الكردي حينها إلى الداخل، من قبل عشائر الغمريين الذين كانوا في مناطق الرقة والطبقة والبادية الشمالية ضمن المناطق الكردية، والمؤدية إلى تزايد المستوطنات من 42 إلى أكثر من 150 مستوطنة حتى قبل بدايات الحرب؟! وللعلم نحن لا نتحدث عن الهجرات الحالية ما بعد الحرب الأهلية، وهجرة الأخوة العرب إلى المناطق الكردية، أو هجرة الكرد نحو الخارج، أو غيرهما من التغيرات الديمغرافية على خلفية الفرار من دمار الحرب وكوارثها ومظالم السلطة وجهالة منظمات المعارضة التكفيرية، بل عن التبريرات الساذجة لإرهاب الدولة والتعتيم على احتلال الشعوب والجغرافيات، والمطالبة بقليل من المصداقية والوطنية النقية …
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
15/9/2019م