.
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته كل من فيفيان يي وندى رشوان، تعلقان فيه على الاحتجاجات التي اندلعت في مصر على مدى الأيام الماضية، قائلتين إنها جاءت “مفاجئة جدا، وكذا الرجل الذي يقف وراءها”.
ويشير التقرير، إلى أن “مصر في ظل عبد الفتاح السيسي لم تتسامح أبدا مع المعارضة، وإن وجدت، فإن صاحبها يدفع ثمنا باهظا، ولهذا السبب كان خروج تظاهرات متفرقة في أنحاء البلاد يوم الجمعة تطالب برحيل السيسي أمرا صادما”.
وتقول الكاتبتان إن المحفز لهذه التظاهرات كان غير متوقع مثلها، وهو المقاول والممثل غير المتفرغ محمد علي (45 عاما)، الذي بنى ثروته من خلال المشاريع التي نفذها لصالح الجيش المصري، ثم هرب إلى إسبانيا للعيش هناك في منفى اختياري، حيث بدأ بنشر أشرطة فيديو ينتقد فيها السيسي، ويتهمه بالفساد والنفاق.
وتفيد الصحيفة بأنه منذ ظهور أول شريط له قبل ثلاثة أسابيع، أعاد علي تشكيل صورته بصفته رجلا محذرا أو “منذرا”، وخصما للسيسي وداعية للاحتجاج، وحولته الحكايات التي قدمها عن الفساد في القمة إلى صوت قائد في المعارضة للرئيس، مشيرة إلى أنه عندما خرجت التظاهرات كانت بناء على الوقت والزمن، الذي حدده علي من بعيد.
ويجد التقرير أن “السؤال حول ديمومة الاحتجاجات ومداها، وتأثير علي عليها وهو في المنفى، يظل قائما وأمرا محلا للنظر، بالإضافة إلى أن خروجه من المجهول إلى مركز الصدارة أثار أسئلة في مصر عن وجود جماعات لها مصالح تقف وراءه من داخل الحكومة أو من خارجها، تقوم بمساعدته أو استغلاله ضد السيسي”.
وتنقل الكاتبتان عن نائبة مدير مشروع الديمقراطية للشرق الأوسط إيمي هوثورون، قولها: “هذا أمر غريب.. من هو هذا الشخص وما هي ارتباطاته ومن يحركه ليطلق هذه الاتهامات؟ على ما يبدو فلديه ارتباطات جيدة، لكن ما هي بالضبط صلاته؟”.
وتقول الصحيفة إنه بالنسبة للمحتجين فإن محمد علي لا يمثل إلهاما بقدر ما هو فرصة للتعبير عن إحباطهم.
ويورد التقرير نقلا عن علي محمد (19 عاما)، الذي يعيش في منطقة بولاق في القاهرة، وبث لقطات للمتظاهرين في ميدان التحرير يوم الجمعة، قوله: “لقد خرجت للتظاهر لأن الطريقة التي يقود فيها السيسي البلد خاطئة ومخزية”، وأضاف: “تستحق مصر أفضل من بيع أراضيها وسجن أبنائها”، مشيرا إلى أن الناس ينتظرون الفرصة للتظاهر، ولم تكن فيديوهات محمد علي هي السبب الذي دفعهم للتظاهر، بل رغبة الناس بالتحرك.
وتلفت الكاتبتان إلى أن حوالي 200 متظاهر تجمعوا يوم السبت في مدينة السويس على البحر الأحمر، حيث أطلقت الشرطة عليهم الرصاص المطاطي، وذلك بحسب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي وشهود عيان، مشيرتين إلى أن القاهرة لم تشهد تظاهرات جديدة يوم السبت، بعدما تدفقت الشرطة على ميدان التحرير، الذي شهد تجمعات حاشدة في عام 2011 أطاحت في النهاية بحكم الرئيس حسني مبارك.
وترى الصحيفة أن الامتحان لتأثير محمد علي على الشارع المصري سيأتي هذا الأسبوع، فدعا في فيديو نشره يوم السبت إلى جولة جديدة من التظاهرات ضد السيسي يوم الجمعة، ودعا فيه للتوقف عن “تأليه الرئيس”، حاثا الجيش على التحرك وعزله من منصبه.
ويستدرك التقرير بأنه على الرغم من أن الشرطة لم تقتل أيا من المحتجين يوم الجمعة، إلا أن قوات الأمن لم تتردد في استخدام العنف في الماضي، مرجحا أن يأمر السيسي الأمن باتخاذ إجراءات صارمة وحاسمة في حال تواصلت التظاهرات.
وتنوه الكاتبتان إلى أن السيسي عزز قبضته على الحكم منذ انقلابه عام 2013، من خلال القمع والاضطهاد، وإسكات النقاد، والحد من حرية التعبير، لافتتين إلى قول المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يوم الأحد، إن 274 شخصا اعتقلوا في التظاهرات الأخيرة، وتحدث بعض المتظاهرين عن تعرضهم للضرب والغاز المسيل للدموع.
وتشير الصحيفة إلى أنه مع ذلك فإن المراقبين عبروا عن دهشتهم من خروج المتظاهرين الذين يعرفون العواقب الخطيرة لذلك، وحركهم رجل مغمور لديه “ويب كام”، ويخوض حملة ضد السيسي من مأمنه في إسبانيا.
ويستدرك التقرير بأن أشرطة الفيديو التي يضعها محمد علي على صفحته في “فيسبوك” تحت عنوان “أسرار محمد علي” أصبحت مشاهدتها واجبا على الشباب الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، الذين يفتحون صفحاتهم كل يوم أو يومين لتلقي الجديد من محمد علي، الذي يتحدث وهو يدخن ويصدر الإهانة تلو الأخرى للرئيس الذي يصفه بـ”القزم” و”المخزي”.
وتقول الكاتبتان إن علي يقوم من خلال لهجة الطبقة العاملة وبلغة عربية غير صحيحة بالكشف عن سيطرة الجيش على الاقتصاد المصري، واشتكى من عدم دفع الحكومة ملايين له لقاء مشاريع نفذها، واتهم السيسي بتبذير أموال الدولة على مشاريع ترضي غروره، مثل بناء قصور رئاسية بملايين الدولارات، وقال في فيديو إن النظام أفسد المصريين كلهم، ويجب تغييره واستبداله بنظام مناسب.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذه الحقائق التي عرت السيسي ونظامه ترددت بين الكثير من المصريين الذين شاهدوا النظام وهو يبني البنايات العملاقة فيما نضبت أموالهم، واعترفت الحكومة في تموز/ يوليو، بأن واحدا من كل ثلاثة مصريين يعيشون تحت خطر الفقر، مشيرة إلى أنه تم حذف المونولوجات التي وضعها محمد علي على “فيسبوك” في ظروف غير معروفة، لكن ليس قبل مشاهدتها من الملايين، وعلق المصريون على “تويتر” بسخرية، قائلين إن حلقاته كانت أفضل مما تقدمه “نتفليكس”.
وبحسب التقرير، فإن محمد علي دعا في الأسبوع الماضي المصريين للتظاهر بعد مباراة رياضية بين فريقين مصريين معروفين، وهو ما دفع بعض الشباب من أبناء الطبقة العاملة للخروج في احتجاجات متفرقة في ميدان التحرير والحي الفقير في جزيرة الوراق وكذلك الإسكندرية والسويس والمحلة الكبرى.
وتذكر الكاتبتان أنه بعيدا عن دعوته للتظاهر، ومعلوماته التي نشرها، فإن هناك نظريات عدة ظهرت حول شخصيته ومن هو وكيف خرج بهذه الطريقة ومن أين حصل على معلوماته، مشيرتين إلى أن بعض المراقبين يرون أن محمد علي ربما كان أداة في يد كيان، أو ربما أشخاص في حكومة السيسي يحاولون إضعاف بالرئيس الذي غادر البلاد ليشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو الإطاحة به.
وتنقل الصحيفة عن الصحافي خالد داوود، قوله: “القضية كلها تحوم حولها الشكوك.. فهو لم يقدم نفسه على أنه سياسي، وهو مجرد مبلغ معلومات، وقرر فجأة التحول لقائد ثوري”.
ويفيد التقرير بأن آخرين تساءلوا عما إذا كانت التظاهرات عفوية، أم أنها مدبرة من جماعة الإخوان المسلمين، التي قام السيسي بالإطاحة بأول رئيس لها عام 2013، وتعرضت للقمع والحظر في مصر، ويقول داوود إن المعارضة التي فقدت معظم قياداتها، التي سجنت أو خرجت إلى المنفى، تنتظر الكيفية التي ستتحول فيها التظاهرات قبل أن تقفز لدعمها، مشيرا إلى أن أنصار السيسي يتهمون جماعة الإخوان المسلمين بتنظيم التظاهرات.
وتورد الكاتبتان نقلا عن الباحث السياسي المؤيد للسيسي معتز عبد الفتاح، قوله إن المصريين عاشوا استقرارا في عهد السيسي، “فالقطار يحضر وينطلق في وقته ومنذ عامين ونصف.. غالبية المصريين تقول، توقف قليلا، لا نريد أن نرمي البلد في الشلال”.
وتقول الصحيفة: “يبدو أن غالبية الذين شاركوا في احتجاجات الجمعة هم من الشباب تحت سن العشرين، ممن كانوا أطفالا عندما أطاحت الاحتجاجات برئيسين، ومن هنا جذبهم محمد علي غير المتعلم، الذي صنع الملايين، ويبدو رجلا يريد إنقاذهم، وهو لا يتحدث بصفته ناشطا أو سياسيا بل كونه واحدا مثلهم”.
وينقل التقرير عن رباب المهدي، من الجامعة الأمريكية في القاهرة، قولها إنه “ترك صدى لدى قطاع واسع من المصريين بطريقة لم يفعلها أحد قبله.. ينظرون إليه على أنه نسخة ناجحة عن أنفسهم”.
وترى الكاتبتان أن دعم الشباب له ليس مفاجئا، فقد شارك في فيلم عام 2019، عن شباب يخاطرون بحياتهم للسفر عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، ونال جائزة لوكسمبرغ للسلام.
وتستدرك الصحيفة بأن دوافع محمد علي تظل غامضة، وكذلك مكانه في إسبانيا، ففي مقال نشرته النسخة الإسبانية لمجلة “فانيتي فير” قال إنه قرر الاستقرار في برشلونة وتنفيذ مشاريع فيها، مشيرة إلى أن مصداقيته في مصر كبيرة لأنه استفاد من النظام الذي يحمل المطرقة ضده.
ويورد التقرير نقلا عن مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ميشيل دان، قولها: “إنه ليس شخصا من المعارضة يريد تصفية حسابات.. يبدو رجلا عاديا وليس من النخبة ويتحدث مفاهيم تجريدية لها”.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أن السيسي ربما يكون قد ساعد على زيادة مصداقية محمد علي، عندما اعترف في مؤتمر للشباب بأنه بنى القصور وسيبنيها.