حين نشرت مقالي الأخير الموسوم “بشائر خير منعشة من شعب مصر“، وردتني عدة رسائل من إخوة وأصدقاء كرام، إضافة إلى بعض النداءات الهاتفية، التي أشارت باحتمال أن تكون جماعة “الإخوان المسلمين” وراء تلك المظاهرات، لاسيما وأن هتاف “ألله أكبر” قد احتل مكانه بين الهتافات أولاً، وأن دولة قطر وقناتها “الجزيرة” وتركيا” تؤيدان بحرارة تلك المظاهرات وتضخمان بها، وأن قادة الدولتين منتمون لتنظيم الإخوان المسلمين على الصعيد العالمي ومنحازون بالكامل لمسيرة وأفعال هذا التنظيم الدولي التخريبي.
لا شك قطعاً بأن هذا الاحتمال وارد، أي أن الإخوان المسلمين مشاركون فاعلون في هذه الأحداث الأخيرة. ولكن لا بد من الإشارة إلى عدد من الملاحظات المهمة:
-
إن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر تتدهور يوماً بعد آخر وبشكل متسارع، بحيث أصبح الفقر عاماً يشمل نسبة عالية جداً من الشعب المصري، وأن الفئة المتوسطة تعاني من الاضمحلال بحيث يمكن استخدام التعبير الذي سجله الاقتصادي المصري المتوفي الدكتور رمزي زكي بقوله “وداعاً للطبقة الوسطى في مصر“، كما إن مقص الفجوة بين مستوى المعيشة والدخل للفئات والطبقات الاجتماعية في مصر آخذ بالاتساع السريع والمريع بشكل لم تعرفه مصر في أي وقت من الأوقات.
-
إن الاستقرار الشكلي الراهن في مصر لم يأت بسبب تحسن الأوضاع المعيشة والسياسية والاجتماعية في مصر، أو سيادة الدمقراطية والحريات العامة، بل بسبب تفاقم الاستبداد والقسوة والتعذيب والتهديد بالاختطاف والاعتقال وامتلاء السجون المصرية بالمزيد من السجناء لا من أتباع الإخوان المسلمين فحسب، بل وبالأساس من القوى الديمقراطية والتقدمية واليسارية، ومن أولئك الذين أشعلوا الثورة ضد نظامي حسني مبارك وضد محمد مرسي وجماعته من التنظيم العدواني للإخوان المسلمين.
-
إن الدكتاتور المصري الجديد المدعو “عبد الفتاح السيسي” يهدر أموال الشعب المصري ببناء القصور والمدن الجديدة. وحين اتهم بذلك قال في مؤتمره الصحفي الأخير: نعم بنيت وأبني وسأبني قصوراً وقصوراً كثيرة، وهي ليست لي بل لمصر!!!”، هل سمعتم شخصاً عبيطاً مثل هذا الحاكم! ملايين المصريين يتضورون جوعاً، ملايين منهم يسكنون المقابر التي تحولت إلى مقابر كأحياء سكن للبشر، وهو يتبجح بأنه يبني القصور لمصر، وهو يباري في ذلك صدام حسين ومثيله رجب طيب أردوغان!
-
كل الدلائل والمعلومات التي تنشرها الصحف المصرية، حتى الحكومية، تتحدث عن هيمنة القوات المسلحة، وبتعبير أكثر دقة مجموعة من القادة العسكريين وعلى رأسهم السيسي ذاته، على الاقتصاد المصري، وينتشر الفساد المالي والإداري في صفوف القوات المسلحة والاقتصاد المصري على حساب قوت الشعب ومصالحه الأساسية. لم يكن الفيديو الذي نشره المقاول المهندس والفنان محمد علي وحده هو الذي حرك المظاهرات، بل واقع الحال في مصر هو الذي حرك وسيحرك دوماً احتجاجات الشارع المصري ومظاهراته وانتفاضاته ضد المستبدين الأشرار!
-
لقد كانت الأحزاب السياسية المعارضة قبل وقوع المظاهرات الأخيرة تبحث في إمكانية تنظيم مظاهرات ضد الفقر والبطالة والجوع والاستبداد. ويبدو إن الخبر قد وصل إلى أسماع السيسي ورهطه عبر جواسيسه وعيونه المنتشرة والمبثوثة في كل مكان بمصر، تماماً كما كان حال البشر في العراق في فترة حكم الدكتاتور الأرعن صدام حسين. فهددت قوى المعارضة بأن السلطة سوف تستخدم العنف وبأقصى صوره لقمع أي حراك جماهير ضد النظام. وهذا السلوك هو الديدن الدائم لكل المستبدين في الأرض.
-
أشرت في مقالتي المذكورة في أعلاه إلى الفقرة التالية: “هل ستحرك هذه الشرارة قوى المعارضة الديمقراطية المصرية الى التفكير بالتعاون والتنسيق والتضامن لمواجهة دكتاتورية النظام المصري؟ هل لها أن تفي بوعودها للشعب بأنها تناضل من أجل مصالحه ووحدته الوطنية وضد المستبدين من الحكام، وليس لأغراض حزبية خاصة؟ إنه السؤال الذي ننتظر الإجابة عنه من القوى الديمقراطية المصرية كما حصل في السودان الشقيق وانتصر حتى الآن على الحكام الظالمين، رغم إن المعركة في السودان لم تنته بعد! ولكن حذارى حذارى أيها المصريون والمصريات من محاولات الإخوان المسلمين استغلال التذمر المتعاظم للعودة إلى السلطة ثانية وممارسة ذات السياسات القذرة التي مارسوها بقيادة محمد مرسي وتحت شعار “الله أكبر“، و “الإسلام هو الحل“!!!”
إن التظاهرات الأخيرة التي يمكن أن شاركت فيها جمهرة من الإخوان المسلمين، إلا إن الجمهرة الأساسية ليست منهم، لأن الشعب كله متذمر من الوضع كله، وأن الغضب يتعاظم يومياً ضد السلطة السياسية والسيسي بالذات، بسبب سياساته، هي التعبير الواقعي المهم عن “كسر حاجز الخوف” الذي نشره السيسي خلال السنوات الأخيرة لحجم الاعتقالات وصدور الأحكام القاسية بالسجن وممارسة التعذيب الوحشي ضد المعتقلين والسجناء.
إن الشعب المصري الذي خبر حكم الإخوان المسلمين وعرفهم جيداً، حتى وهم خارج الحكم، لن يقبل بعودة وهيمنة قادة الإخوان المسلمين الأوباش على الحكم ثانية، ولكنه لم ولن يرضى بحكم العسكر وما يمارسه قادة القوات المسلحة من استبداد وفساد وظلم ضد المجتمع وقوى المعارضة السياسية في مصر.
ومن المحزن حقاً ألَّا تبادر القوى الديمقراطية، ومنها اليسارية والحزب الشيوعي المصري، وتتحرك لقيادة الجماهير لتحقيق مطالبها الأساسية ومصالحها التي داسها النظام الحاكم بأقدامه وتترك الساحة لجماعة الإخوان المسلمين الفاسدين لتنظيم التظاهرات. إن من واجب القوى الديمقراطية ألا تعيب على الغير لعب هذا الدور، رغم فسادها وعهرها السياسي، إن لم تبادر هي للعب هذا الدور، أو أن تخضع لتهديدات النظام بممارسة العنف ضد الحراك الشعبي.
أتمنى على القوى الديمقراطية المعارضة ألاَّ تكتفي بالتحذير مما يمكن أن يفعله “الإخوان المسلمون” وإشاعة الفوضى في البلاد، بل أن تتحرك لتوجه الجماهير المتظاهرة عفوياً بسبب تفاقم أوضاعها المزرية.
تحية طيبة
سبق لك وأن وصفتها بالمنعشة , واليم تتخوّف منها, ما الذي تغيّر في الموضوع ؟ ألا تعلم أن الإخوان منذ ردة 30 حزيران , يُحاولون الإطاحة بالإخواني العسكري ( السيسي) الذي إستأثر بكل السلطة لنفسه إضافةً إلى الفساد المالي, فالإخواني لا يُمكن أن يكون عصريّاً تقدميّاً أبداً , هو تلميذ المرسي الحقيقي الذي إختاره المرسي بنفسه وعينه قائداً للجيش , بدلاً من محمد طنطاوي القائد الحقيقي للإنقلاب الحر .