الخميس, نوفمبر 21, 2024
Homeمقالاتكاظم حبيب جامعة الدول العربية وموقفها المناهض لحقوق الإنسان!!

كاظم حبيب جامعة الدول العربية وموقفها المناهض لحقوق الإنسان!!

بيان الإدانة الذي أصدرته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ضد الدولة الكندية بسبب إدانة وزيرة خارجيتها تجاوز المملكة السعودية على حقوق الإنسان، يكشف بجلاء عن الوجه المتخلف والرجعي للسياسات التي تمارسها الأمانة العامة للجامعة العربية إزاء قضايا الشعوب في الدول العربية ودعمها للحكم الاستبدادي السعودي، ولاسيما موقف الجامعة السلبي من الحريات العامة والحياة الدستورية والديمقراطية وحقوق الإنسان!!!

منذ أن تأسست جامعة الدول العربية في شهر أذار/مارت 1945 حتى يومنا هذا لم تلعب أمانتها العامة دورها المطلوب في التزام قضايا الشعوب في الدول العربية، سواء أكانت شعوباً عربية، أم شعوباً أخرى، مثل الكرد والأمازيغ والتركمان والكلدان والآشوريين، التي تشارك الشعوب العربية الأرض وما فيها وما عليها، في هذه المنطقة من العالم، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما لم تلتزم هذه المنظمة الإقليمية ولم تدافع عن حقوق الإنسان الأساسية الواردة في اللائحة الدولية لحقوق الإنسان التي أقرت في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. بل كانت جميع القرارات والتوصيات والإجراءات التي اتخذتها الجامعة العربية تؤيد، دون أي لبس أو إبهام، سياسات النظم السياسية الحاكمة في هذه الدول وتعبر عن إرادتها لا عن إرادة شعوبها. وكثيراً ما كتب عن هذه السياسة الخائبة والمضرة بشعوب المنطقة التي تنتهجها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وبغض النظر عن تغير الأمناء العامون، فكلهم كانوا على الدوام إلى جانب الحكومات وضد شعوبها المضطهدة. وكان المونولوجست العراقي المعروف وفقيد الفن المتميز عزيز علي على حق كبير حين وضع في مونولوج “منّه منّه” مقطعاً يقول “والعتب على جامعتنه جامعتنه إلما جمعتنه”، بل ساهمت في بعثرة الجهود والانحياز ضد الشعوب. والغريب بالأمر أن هذه الجامعة وقفت إلى جانب الحروب التي شنت في المنطقة مؤيدة النظم السياسية الاستبدادية التي شنتها، أو دعت للمشاركة فيها، دون أن تعمل على وقفها أو كبح جماح التجاوز على حقوق الشعوب أو منع نشوب الحروب الإقليمية. ويمكن إيراد الكثير من الأمثلة على سياسات التأييد للنظم الرجعية والمستبدة والفاسدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنها التدخل ودعم النظام البحريني في مناهضته لحقوق الإنسان والحريات العامة ورفض التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو المذهب، أو الحرب المدمرة في اليمن التي تنفذها السعودية بتحالف مع عدد من الدول، ولاسيما العربية، أو الموقف السابق من مطالبة جنوب السودان بقوقه المشروعة وساهمت بسياساتها في دفع الأمور باتجاه الّا عودة وحصول الانفصال بين الشمال والجنوب.

وفي المملكة العربية السعودية يمارس النظام السياسي القبلي الثيوقراطي المتخلف منذ تأسيسه حتى اليوم نهجاً استبدادياً مناهضاً للإنسان وحقوقه المشروعة، ومنها حرية التعبير والتنظيم والتجمع والتظاهر، وحرية المرأة وحقوقها المشروعة والعادلة ورفض مساواتها بالرجل، كما يمارس أحكاماً سادية الطابع ومن مخلفات القرون البالية، بما فيها قطع الرؤوس والأيدي …الخ. وشارك في تكوين وتمويل المنظمات الإرهابية كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ومدّها بمقومات البقاء منذ الثمانينيات حتى الآن. كما أن الكثير من المناضلين والمناضلات في المملكة الجائرة، الذين يناضلون في سبيل حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية، يقبعون منذ سنوات في سجون النظام ويتعرضون لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي. وليس هناك أي مجال في السعودية لممارسة النقد ضد النظام القائم، بل يكون مصير من يتجرأ على ذلك الهلاك على أيدي الجلادين. وفي الآونة الأخيرة تم اعتقال جمهرة من مساندي حقوق الإنسان وحقوق المرأة بصورة غير شرعية. وإذ وجد هذا السلوك الجائر الصمت المخزي من جانب النظم العربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، انبرت سيدة كندية محترمة هي وزيرة الخارجية، وفضحت بصوت مرتفع وحزين ما يجري في السعودية من انتهاك فظ وتجاوز شرس على حقوق الإنسان وطالبت الدولة السعودية بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات فوراً.

لم تحتمل الدولة السعودية الاستبدادية هذا الموقف من دولة تحترم الإنسان وحقوقه في بلدها وتدعو إلى احترامها في كل بلدان العالم، واعتبرته تدخلاً في الشؤون الداخلية للمملكة المستبدة، فعمد حكامها إلى اتخاذ إجراءات غير اعتيادية فقرروا إبعاد السفير الكندي من الرياض وطلبوا مغادرته البلاد خلال 24 ساعة، وأوقفوا كل أشكال التنسيق والتعاون الاقتصادي والتجاري، وأنهوا العقود الموقعة مع كندا، وطالبوا سحب الطلاب والبعثات السعودية من كندا وعودتهم إلى السعودية أو الانتقال إلى دول أخرى، وكذلك على من يقطن كندا أو يزورها من السعوديين مغادرتها فوراً، كما سحبت سفيرها من أوتاوا. وكل متتبع للعلاقات بين الدول يدرك بأن مثل هذه الإجراءات الاستثنائية تشير وكأن البلاد على أبواب حرب مع كندا. والحقيقة هي أن حكام المملكة يخشون وهم مرعوبون من تداعيات هذا النقد الجريء والمطلب العادل بإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين واحتمال ممارستهما من جانب دول أخرى، وبالتالي تتعرض سمعة الحكام السيئة أصلاً إلى الأسوأ، رغم ادعاء الملك وولي عهده، الذي يهوي الحروب والتدخل في شؤون الدول الأخرى، أنهما ينويان التجديد والإصلاح، ولم يفلحا حتى الآن إلا بالسماح للمرأة بقيادة سيارة، والتي تخضع بدورها لإرادة الرجل!  

والأغرب من كل ذلك، وبدلاً من إدانة الجامعة العربية للاعتقالات والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، أصدرت الأمانة العامة بياناً سيئاً يدين الدولة الكندية ويعتبر ذلك تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي السعودي!! إذ جاء في البيان المشؤوم ما يلي:      

إن “الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تراقب باهتمام كبير التطورات الحالية للخلاف الدبلوماسي القائم بين المملكة العربية السعودية وكندا، وهو الخلاف الذي يأتي انعكاسا لوجود نهج غير إيجابي يشهد توسع بعض الدول في توجيه الانتقادات والإملاءات لدول أخرى فيما يخص أوضاعها أو شئونها الداخلية”. وأضاف البيان، أن “الأمانة العامة، تؤكد في هذا الصدد مساندتها لموقف السعودية، في رفض التدخل بشئونها الداخلية، وهو ما يأتي تأسيسا على الموقف الراسخ للأمانة العامة في رفض التدخلات الخارجية في الشئون الداخلية للدول الأعضاء في الجامعة العربية في إطار إعمال واحترام مبدأ عدم التدخل المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، والمستقر في ساحة العلاقات الدولية، بما في ذلك ما يتعلق بعدم التدخل أو توجيه إملاءات بشأن الإجراءات القانونية والقضائية التي تتخذها الدول في إقليمها اتساقاً مع قوانينها الوطنية”.. (موقع صوت العراق في 07/08/2018).

إنها سياسة سيئة من جانب الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، هذه السياسة التي تتناغم مع سياسات ومواقف النظم الاستبدادية والرجعية، التي لا هم لها سوى إسكات أفواه الناس واغتصاب إرادتهم ومصادرة حقوقهم المشروعة التي تقرها جميع الوثائق واللوائح الدولية بشأن حقوق الإنسان، وهي إساءة صارخة وخذلان مروع لنضال الشعوب في الدول العربية وطلائعها في سبيل إقامة الدول الديمقراطية والعلمانية وبناء المجتمعات المدنية الحديثة وتأمين الحياة الدستورية والديمقراطية وممارسة وحماية حقوق الإنسان والفصل بين السلطات وحقوق المرأة…الخ.

أن الإدانة وحدها للملكة السعودية في موقفها من حقوق الإنسان ومن اعتقال ناشطات وناشطين في هذا المجال غير كافية، بل الواجب يفرض على كل الشرفاء في العالم، وكل الدول التي تحترم نفسها وتحترم حقوق الإنسان، وكذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ولجنة حقوق الإنسان في جنيف، المطالبة العاجلة بإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين في المملكة السعودية فوراً، وتعويض المتضررين منهم وحماية أرواحهم، وتأييد موقف الدولة الكندية ووزيرة الخارجية وشكرها على إدانتهما لنهج العداء للإنسان وحقوقه ومطالبتهما بإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين، كما يستوجب إدانة واستنكار موقف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية على موقفها غير الإنساني وغير الملتزم بالوثائق واللوائح الدولية والإقليمية ولائحة الجامعة العربية ذاتها الصادرة حتى الآن بشأن الالتزام والتنفيذ الفعلي والاحترام الكامل لمبادئ وشرعة حقوق الإنسان، ومطالبتها بالكف عن هذا النهج التدميري والسير صوب تأييد قضايا الشعوب ومصالحها واحترام إرادتها لا اللهاث وراء إرادة الحكام المستبدين والطغاة في المملكة السعودية أو في غيرها من الدول الأعضاء فيها.   

07/08/2018

RELATED ARTICLES

Most Popular