الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Homeمقالاتفي العراق.. ثوّار إلى آخر مدى : أ.د. سيّار الجميل

في العراق.. ثوّار إلى آخر مدى : أ.د. سيّار الجميل

يعيش العراق معضلة كبيرة، وهو في زقاق مسدود لا منفذ له، ويريد الأحرار فيه أن يشقّوا لهم شقّا بأيديهم. وعلى الرغم من كلّ العوامل غير المباشرة التي يدركها الجميع، والتي فجّرت ما حدث في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إلّا أن الشرارة قد انطلقت بعد الإهانة التي سدّدها رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، لأحد أبرز قادة الجيش العراقي، الفريق عبد الوهاب الساعدي، الذي له مكانته في قلوب كلّ العراقيين. وبدلاً من معالجة الأمر بكلّ ذكاء وحنكة وعدم الانصياع لإملاءاتِ مراكز قوى غير وطنية، راح رئيس الوزراء يبرّر قراره بمنتهى السذاجة، وكأنّه يحكم دولةً لها مؤسساتها المحترمة، وتقاليدها العسكرية المنضبطة، ونحن نرى والعالم يتابع ما آلَ اليهِ الوضع المزري في العراق ومؤسساته الفاسدة، وما وصل إليه مجتمعه من تمزقات وتعاسة جراء سياسات هذا النظام  ، ناهيكم عن تدخّلات الآخرين في شؤون العراق علناً، وعلى رؤوس الأشهاد.

انطلق العراقيون في بغداد وستّ محافظاتٍ في الجنوب ليعبّروا عن سخطهم سلمياً، ولأوّل مرّة يُرفَع شعار “إسقاط النظام”. وإذا كان المتظاهرون قد بدأوا حراكهم واحتجاجهم سلمياً، فإنّ  هناك من يطمح إلى أن تكون هناك “ثورة شعب” تقتلع النظام الفاسد من جذوره وأن يتبلور بديلٌ مؤقّتخطيئة الحكومة أنها واجهتهم بالسلاح الحيّ، وسقط عشرات الجرحى مع عدد من القتلى لم يعلن عنهم رسميّاً، إذ ستدين الحكومة نفسها في هذه الحالة، ولكن الأخبار تناقلت عن مقتل ثلاثة متظاهرين وإصابة مائتين بجراح على الأقل.

وعليه، فإنّ الحكومة هي التي غيّرت مسار ذلك الحراك السلمي إلى أشبه بـ”ثورة”، ولكنّ الثورة بحاجةٍ ماسّة إلى قيادة وخطط، مع تنازع العراقيين واختلافهم بصدد نوع التغيير، فهناك من يطمح إلى أن تكون هناك “ثورة شعب” تقتلع هذا النظام الفاسد من جذوره، وأن يتبلور بديلٌ مؤقّت عنه، وهناك من يقول بعدمِ تشويه هذا الحراك، فالعراق لا يحتاج ثورة، بل تظاهراتٍ تطلب الإصلاح والتغيير، والقصد واضح، الاكتفاء بإسقاط الحكومة التي يقودها عادل عبد المهدي، كونه أثبت فشلهُ، وهذا ما ينبغي التنبيه عليه. كيف؟

مؤكّد أنّ هناكَ حيتان فساد تنتظر المشاركة في الوليمة لضرب عصفورين بحجر، أولهما قمع هذا الحراك من داخله، لأجل إسقاط عبد المهدي، وهذا ما يريده رئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي، ورهطه، كي يعودوا إلى السلطة. وثانيهما الوصول إلى السلطة، وإبقاء الوضع على ما هو عليه، أي استلاب الحكم بأيّة طريقة. ويبدو أنّ الحكومة تصرّفت بغباءٍ شديد، باستخدامها القوّة الغاشمة، أو أنها تنفّذ أجندات خارجية ضدّ الشباب العراقيين الذين ازدادوا حنقاً على تصرّفات الحكومة، نظراً إلى خيانتها وعمالتها بتحويل الحراك السلمي إلى مذبحة دموية. وعليه، فإن سقوط الحكومة لا يكفي أبداً، إذ سيخرج عبد المهدي من الباب، ويدخل رهطه من الشباك! بمعنى أنّ المعضلة ليست في عبد المهدي، بل في النظام برمّته ، وهذا  ما يدركه كل  وطني  غيور  .

العراقيون جميعاً اليوم أمام لحظةٍ تاريخيةٍ حاسمة ، وما سيفرز من حقائق على الأرض، علماً أنهم ينقسمون بين من يريد الإصلاح وبقاء النظام ويائس من النظام القائم، ويريد تغييره بأيّ شكلٍ من الاشكال . ولكن ثمّة أسئلة مطروحة على كلّ مواطن عراقي: هل أنت مع الشعب والوطن والتغيير الحقيقي، أم مع نظام هذه السلطة الفاسدة التي أذلّت البلاد والعباد؟ هل يمكن لأيّ عراقي أن يثق، بعد اليوم، في جميع الأحزاب الدينية والتكتلات السياسيّة في العراق، من دون استثناء، أم لا؟

رسائل سياسيّة عدّة تزدحم بها  الاخبار  وما  يسري في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تعبّر عن الأمل الكبير لمسيرة ثوار أحرار من الشرفاء نذروا أنفسهم للثورة حتى النصر، ولكن من ينصرهم إلّا الله؟ فهل سيخذلهم إخوتهم في الجيش والشرطة والأمن بفتح النار عليهم؟ هل ستخذلهم المرجعية الدينية ( الصامتة حتى الان ) في نهاية المطاف؟ هناك من يتوقّع أنّ ما يحدث مجرّد فقاعة صابون ستركد، أو زوبعة في فنجان سترقد، أو موجة بحر طاغية ستهمد.. أو من سيقوم بمهمّة سحب البساط من تحت أرجل المنتفضين لاستلاب إرادتهم أو خداعهم أو استخدام القمع المفرط.

وعليه، نشير إلى تأسيس مبادئ في التعامل مع الحدث، كما تتضح الرؤية من خلال الرأي العام:

أولاً: لا بدّ من تنسيقيات للثورة، أو الانتفاضة، فهذا الحراك يجتاح بغداد حتى البصرة، بما فيها  واسط والديوانية وميسان وبابل وذي قار ومدن أخرى. وحسناً أن يكون كذلك، من دون أيّ تدخّل من العراقيين السنّة، كي لا يتهموا بتهمٍ جاهزة، كما ثبت فشلهم سياسياً.

ثانياً: على المجتمع الدولي أن يدرك إرادة العراقيين وطبيعة حراكهم الثوري، وأن يتحمّل مسؤوليته الأخلاقية تجاه الشعب العراقي.

ثالثاً: حذار من الأحزاب المسيطرة والقوى الفاسدة ومافيات الفساد الشريرة سلب الأحداث وتدجينها لصالحها.

رابعاً: مهما كانت قسوة المواجهة الحكومية والقوى المندسّة والاستهتار السياسي للسلطة الغاشمة وذيولها، على المحتجين والمتظاهرين والثوّار عدم التراجع عن الأهداف السامية التي نذروا أنفسهم من أجلها.

خامساً: على كلّ الظلاميين والفاسدين والعملاء الذين تخلّوا عن وطنيتهم لصالح دول أخرى، واستخدموا الرصاص والغازات، وتعاملوا بهمجية وأساليب قمعيّة ضدّ الثوار، أن يدركوا أنّ ذلك سيزيد من إصرار العراقيين الأحرار على إسقاطهم، حتى لو كانوا في بروجٍ مشيدة.

سادساً: لا تكتفوا، أيها الثوار الشرفاء، بإسقاط الحكومة أبداً، بل نادوا بالتغيير الحقيقي، وتخليص البلاد والعباد من كلّ الأشرار والعملاء والفاسدين ومحاكمتهم على  جرائمهم .

سابعاً: لا يمكن أن تتطوّر الأحداث من دون تنسيق وولادة خلايا قيادية سياسية نظيفة، بعيداً عن الأحزاب الفاسدة، من أجل صناعة مصير قادم وغد مشرق.

وأخيراً، العالم كلّه يعلم صعوبة الوضع الداخلي في العراق، خصوصاً أنه مرتهن الإرادة لإيران إقليمياً، إذ أنّ نفوذها كبير فيه، كما صرّح رئيسها علناً، فضلاً عن ارتهان العراق سياسياً لأميركا دولياً.. ولكن لا سبيل أمام العراقيين بعد مرور 17 عاما على مشهدهم التاريخي المأساوي إلا الخلاص والتحرّر من ربقة نظام فاسدٍ، وأن يكونوا ثواراً إلى آخر مدى، يصنعوا تاريخهم بأنفسهم، والبدء بصفحةٍ جديدةٍ تتوفّر فيها المساواة والعدالة والحياة الكريمة، وما ذاك عليهم ببعيد.

نشرت في العربي الجديد / لندن  ،  الاربعاء  3  اكتوبر / تشرين الاول 2019  ، ويعاد نشرها على  الموقع الرسمي  للدكتور سيار الجميل

http://sayyaraljamil.com/

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular