لليوم الثاني على التوالي تشهد شوارع العاصمة بغداد وبعض المدن الأخرى مظاهرات حاشدة لمئات آلاف العراقيين الذين خرجوا للتظاهر ضد سياسات الحكومة وضد الفساد والبطالة وانعدام الخدمات في البلاد.
مظاهرات ومنذ الساعات الأولى لانطلاقها، استخدمت فيها القوات الأمنية كل ما لديها من وسائل بطش وقمع بحق المتظاهرين ما بين الرصاص المطاطي والرصاص الحي الذي أطلق مباشرة على المتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، فهل سيفلح بطش الحكومة في قمع ارادة العراقيين؟
مظاهرات هي الأولى من نوعها
ينظر العراقيون إلى مظاهرات اليومين الماضيين على أنها تشكل نقلة نوعية في الوعي الشعبي في البلاد، إذ أنها ومنذ الغزو الأمريكي للبلاد في عام 2003، لم تخرج أي مظاهرة إلا وكان لها تنسيقيات معينة، وغالبا ما تكون مدفوعة من شخصيات سياسية أو حزبية، بحسب الناشط وأحد المشاركين في مظاهرات بغداد “مؤيد شاكر”.
“الصحة سجلت سقوط 7 قتلى، وأن غالبية مستشفيات بغداد استقبلت عددا كبيرا من الجرحى”
شاكر وفي حديث خاص لوكالة “يقين” أكد على أنه لا أحد يعلم من الذي يقود المظاهرات وهي عفوية بامتياز، ولا توجد أي سلطة دينية أو سياسية تحركها، لافتا إلى أن الحكومة كانت تعول على فشل هذه المظاهرات بعد إعلان رجل الدين الشيعي “مقتدى الصدر” عدم تبنيه لها.
وكشف شاكر قائلا: “سئمنا من كل ما له علاقة بالأحزاب الدينية والمرجعيات، كلهم كذبوا على الشعب وخدروه لسنوات، لم نعد نحتمل، سنتظاهر حتى نسترد حقوقنا رغم قمع الشرطة والجيش لنا، إنا صامدون وملعبنا شوارع بغداد”.
بهذه الكلمات التي تحدث بها شاكر لوكالة “يقين” يبدو أن المظاهرات في بغداد ستشهد اتساعا خلال الساعات القادمة إلى محافظات أخرى، إذ يقول الناشط البصري “ميثم التميمي” إن المظاهرات الشعبية التي بدأت في بغداد ستحرق ساسة المنطقة الخضراء.
ويضيف في حديثه لوكالة “يقين”: “لم يعد هناك أي بيت عراقي إلا ويرجب بالمظاهرات الشعبية التي ستطيح بالحكومة وجلاوزتها، سنتعرض للقمع من الأجهزة الأمنية، لكن لكل شيء ثمن، وثمن الحرية من استعباد الأحزاب الدينية لن يكون هينا”، بحسب تعبيره.
بطش وقمع منظم
في ظاهرة تعد الأولى من نوعها، شهدت مظاهرات بغداد منذ ساعاتها الأولى استخدام الأجهزة الأمنية القمع والعنف ضد المتظاهرين، إذ يقول الخبير الأمني والاستراتيجي “هشام الهاشمي” إن الاحتجاجات الحالية في العراق هي الأولى من نوعها التي لا يعلم لها رأس.
ويضيف في حديثه لوكالة “يقين” أن التظاهرات تتوسع تدريجيا إلى محافظات بابل وذي قار والنجف وميسان، واستخدام العنف سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان بين المتظاهرين.
أما الخبير الأمني العراقي “حسام الدين الهيتي” فيرى من جانبه أن هذه المظاهرات نوعية للغاية، وأي استخدام للعنف تجاه المتظاهرين سيؤدي الى نتائج عكسية على الحكومة وأجهزتها الأمنية، إذ أنه ليس هناك أي قيادة واضحة لهذه المظاهرات، وبالتالي بات صعبا للغاية على الحكومة وأجهزتها الأمنية فهم طبيعة تحرك المتظاهرين وخطواتهم المقبلة.
“الأيام القادمة ستحدد مستقبل المظاهرات الحالية ومصير ما ستؤول اليه أحداث البلاد”
وعن طبيعة المتظاهرين المشاركين في أحداث اليومين الماضيين، أكد الهيتي في حديثه لوكالة “يقين” على أن جميع المتظاهرين هم من الشيعة، وهذا يدل على تغير في الوعي الشعبي العراقي، متوقعا أن تشهد الأيام القادمة مزيدا من المظاهرات الدامية، خاصة أن الأجهزة الأمنية التي عنّفت المتظاهرين هم من الميليشيات التي ارتدت زي القوات الأمنية وزي قوات مكافحة الشغب.
وكاشف عن أن مستشار رئيس الوزراء المدعو “أبو منتظر الحسيني” وهو قائد عمليات الحشد يقود القوات التي تستهدف المتظاهرين بدعم من مقاتلين يتبعون عصائب اهل الحق وسرايا الخرساني، بحسب الهيتي.
واختتم الهيتي حديثه بالاشارة إلى أن الأيام القادمة ستحدد مستقبل المظاهرات الحالية ومصير ما ستؤول اليه أحداث البلاد.
7 قتلى ومئات الجرحى
تستمر المظاهرات ويستمر معها سقوط عشرات القتلى والجرحى، وكالة “يقين” حاولت مرارا التواصل مع المتحدث باسم وزارة الصحة “سيف البدر” إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل بعد امتناع البدر عن الرد على الاتصالات.
إلا أن مصدرا مسؤولا في وزارة الصحة العراقية أكد أن عدد الاصابات جراء العنف المستخدم ضد المتظاهرين يزيد على الـ 400 مصاب بينهم 55 مصابا لا يزالون راقدين في المستشفيات مع خروج عشرات المصابين من المستشفيات خشية الملاحقة الأمنية.
ويضيف المصدر في حديثه لوكالة “يقين” أن وزارة الصحة سجلت سقوط 7 قتلى حتى الآن، وأن غالبية مستشفيات العاصمة بغداد استقبلت عددا كبيرا من الجرحى، بحسبه.
أما النائب في البرلمان “أحمد الجبوري” فقد أكد على أن الدستور كفل للمتظاهرين حق التظاهر السلمي من دون الإضرار بالمال العام، لافتا في حديثه لوكالة “يقين” إلى أن استخدام الأجهزة الأمنية للعنف تجاه المتظاهرين غير مقبول وسيؤدي إلى مزيد من الاحتقان في الشارع الذي يغلي أساسا، محذرا الأجهزة الأمنية من مغبة الانجرار الى قمع المتظاهرين بالقوة في بقية المحافظات.
ودعا الجبوري رئيس مجلس الوزراء “عادل عبد المهدي” إلى تقديم استقالته فورا لحفظ ماء الوجه، وحقن دماء العراقيين، معربا عن أمله بأن لا يسقط مزيد من الضحايا.
أما محافظ نينوى الأسبق “أثيل النجيفي” فقد أعاد نشر تغريدة على موقع تويتر له كان قد نشرها قبل عام من الآن وتنص: “يا حكومة .. إذا عاد المتظاهرون لدورهم مكسوري الخاطر ويائسين من الاصلاح.. فانتظروا الأخطر.. افتهموا درس الموصل صح ولا تغترون”.
مآلات المظاهرات
لا يزال الغموض هو سيد الموقف في المظاهرات التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد وبعض محافظات الوسط والجنوب، إذ يقول المحلل السياسي العراقي “رياض الزبيدي” إن المظاهرات الشعبية التي يشهدها العراق الآن عفوية بامتياز، إذ لا مطالب واضحة ولا قيادة مركزية لهذه المظاهرات، وبالتالي فإن تصريحات عبد المهدي ووعوده بتحسين الاوضاع الاقتصادية لن تجدي نفعا.
ويضيف في حديثه لوكالة “يقين” أن الحكومة عاجزة عن توفير مزيد من الوظائف أو فرص العمل في ظل المديونية المليارية والفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة.
ويشير الزبيدي إلى أن المظاهرات الحالية تستهدف النظام السياسي الحالي بعد أن يئس المتظاهرون من أي بوادر للاصلاح، الأمر الذي يعني أن المظاهرات ستستمر وأن مزيدا من القمع سيواجه به المتظاهرون.
“عمدت الحكومة إلى قطع كافة الاتصالات والإنترنت في المحافظات التي تشهد مظاهرات”
أما الصحفي “عادل محمد” الذي يشارك في تغطية مظاهرات بغداد، فيؤكد أنه سبق أن غطى جميع المظاهرات الشعبية في البلاد، إلا أن هذه المظاهرات تختلف عن سابقاتها.
ويضيف في حديثه لوكالة “يقين” أنه بالتالي لا يمكن الجزم بنتائجها، خاصة أن المظاهرات بدأت خلال الساعات القليلة الماضية في عدة محافظات وسطى وجنوبية، الأمر الذي يعني انه وفي حال استمر الوضع على ماهو عليه، فإن الحكومة قد تفقد السيطرة على مدن بأكملها.
ومع حلول ساعات المساء، اندلعت مظاهرات حاشدة في محافظات النجف وميسان وذي قار وواسط، إذ تفيد الأخبار المتواترة، أنه تم إحراق عدة مؤسسات حكومية في هذه المحافظات من بينها مباني مجالس المحافظات وبعض المؤسسات الرسمية.
وعمدت الحكومة وأجهزتها الأمنية إلى قطع كافة الاتصالات والإنترنت في المحافظات التي تشهد مظاهرات، الأمر الذي حد من قدرة التواصل مع المتظاهرين ونشر مقاطع الفيديو التي يصورونها.
وهكذا تستمر المظاهرات في العراق وتتسع ساعة بعد أخرى، في ظل صمت برلماني وحكومي كبير، وسط حديث عن أن كثيرا من المسؤولين والنواب عمدوا إلى نقل ذويهم إلى دول مجاورة.