بغداد – أعادت موجة الاحتجاجات الدامية التي شهدها العراق طوال الأسبوع الماضي خلط الأوراق في المعسكر الشيعي الحاكم في البلاد، وعلى الأرجح لصالح الصقور المستعدين للذهاب باتجاه تثبيت وتعزيز سلطتهم للقضاء على “المؤامرة”، بحسب ما يقول محللون.
بالنسبة إلى العديد من الشخصيات، وخصوصاً أولئك المنضوين تحت لواء الحشد الشعبي الذي يضم فصائل شيعية موالية لإيران، فإن الحراك المطلبي الذي بدا عفوياً ليس إلا “مؤامرة خارجية”، بحسب ما يقول الباحث في مركز “شاتام هاوس” ريناد منصور.
وأثارت إيران نفسها مسألة “التآمر”، وأشارت إلى أن الهدف منها قطع العلاقات التي تربطها بجارتها والتي كانت تتحسن بثبات منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في العام 2003.
ويرى جناح الصقور أن الاحتجاجات التي طالبت للمرة الأولى في العراق بـ”تغيير النظام”، هي “تهديد وجودي يجب القضاء عليه”، وفق الخبير في الشأن العراقي فنر حداد.
و”للحفاظ على النظام القائم، اختارت جماعات مسلحة استخدام القمع (…) والتخويف”، بحسب منصور الذي يشير إلى أنه بعد أسبوع من الاحتجاجات الدامية الصيف الماضي في مدينة البصرة النفطية الجنوبية، استخدمت أساليب التخويف ذاتها.
وكثيرون ممن لم يتظاهروا العام الحالي في المدينة الحدودية مع إيران “قالوا إنهم خائفون” من القيام بذلك، وهو ما يفسر عدم امتداد الحراك إليها.
لكن أساليب القمع تصطدم بـ”مقاومة” في بغداد.
ويوضح منصور أن “فكرة أن إيران ستسيطر” على جارتها العراقية لا تمر بسهولة “في الشارع وبين مكونات مختلفة للدولة”. لكنه يلمح في الوقت نفسه إلى صلابة في الخط المقابل.
ويضيف “سواء تعلّق الأمر برئيس الوزراء، أو رئيس الجمهورية، أو رئيس البرلمان، أو رئيس المجلس الأعلى للقضاء، جميعهم لديهم أدوار مؤسسية من دون أن يكونوا قادة أقوياء. وبالتالي، في الواقع ليست لديهم مقومات السلطة”.
وفي هذا الإطار، يرى فنر حداد أن هذا الاختلال بالقوى والأحداث الأخيرة يمكن أن “تخدم العناصر الأكثر تشدداً في الحشد” الذي تشكل في العام 2014 بفتوى من آية الله علي السيستاني، المرجع الديني الشيعي الأعلى في البلاد، لصدّ تقدم تنظيم الدولة الإسلامية.
ويضيف “بعد تقديم أنفسهم على أنهم منقذو العراق، يمكنهم الآن تقديم أنفسهم على أنهم منقذو هذه الحكومة”.
واعتبر عدد من المتظاهرين أن السيستاني لم يتخذ موقفاً حاسماً نيابة عنهم، خصوصاَ أنه قادر على صنع وإسقاط حكومات في العراق.
وكان توجيه المرجعية الرئيسي للحكومة تشكيل لجنة من التكنوقراط لمراقبة عمل الدولة لصالح العراقيين الذين يعانون من البطالة والفقر.
بعد أسبوع احتجاجات دامية قتل فيه أكثر من مئة شخص، معظمهم بالرصاص، وأصيب أكثر من ستة آلاف آخرين بجروح، انتهى الحراك فعلياً.
وبقيت استقالة الحكومة التي دعا إليها رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر، حبراً على ورق. لكن الصدر لا يزال يمتلك ورقة في يده، وهي تعبئة مناصريه الذين سبق أن شلوا البلد سابقاً باعتصاماتهم.
وقد يضطر الصدر إلى استخدام الشارع، لأن هناك عقبة تنتظره في البرلمان، إذ يمكن لائتلاف الفتح الذي يضم قدامى قيادات الحشد الشعبي، أن يتحالف مع قوى أخرى لتجميد قدرات نواب الصدر الـ54 ووزرائه الأربعة في الائتلاف الحكومي.
وبالتالي سيعود إلى صفوف المعارضة مع الخط الشيعي المؤيد للإصلاح، كرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أو الزعيم الشيعي عمار الحكيم.
ويبدو أن حكومة عادل عبدالمهدي تمكنت من النجاة مع وعود بتعديلات وزارية ومحاربة فاسدين كبار.
لكن يشير الخبراء إلى أن عدم وجود إصلاحات جذرية يطالب بها العراقيون بعد أربعة عقود من الحرب في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم، ليس إلا تأجيلاً للمشكلة.
ويقول حداد إن السلطات استخدمت “العصا أكثر بكثير من الجزرة. والجزرة التي خرجت من اجتماعات الحكومة هي مرة أخرى إجابة دولة ريعية: نستخدم أموال النفط رغم العجز في الميزانية، لشراء قبول الناس”، معتبراً أنه “لا يبدو أن الطبقة السياسية شعرت بالصدمة، فيما كان عليها ذلك”.