بالضد من اللوائح والمواثيق والعهود الدولية، بالضد من إرادة شعوب العالم واحتجاجها الشديد، بالضد من مواقف وإرادة المجتمع الدولي وتنديها، بالضد من مصالح وسلام منطقة الشرق الأوسط وشعوبها، أقدم الدكتاتور العثماني الجلاد رجب طيب أردوغان على إرسال قواته المسلحة وبالتعاون مع جميع الميليشيات التكفيرية المسلحة التباعة لتنظيمي القاعدة وداعش بمسميات مختلفة، والميليشيات السورية المسلحة العميلة للدولة التركية وصنيعة أردوغان، لاجتياح وغزو المناطق الكردية الشمالية من أراضي الدولة السورية وتهجير جماعي لسكانها وقتل الكثير منهم واحتلالها وفرض الأمر الواقع.
لم تتم هذه العملة الجبانة من جانب الدكتاتور أردوغان لولا خيانة الولايات المتحدة الأمريكية لوعودها وتعهداتها بالدفاع عن الكرد في سوريا، في هذه المنطقة الحدودية الحساسة بين الدول الثلاث المتجاورة تركيا والعراق وسوريا، وتخليه وسحب القوات الأمريكية على وفق مساومة قذرة بين أردوغان ودونالد ترامپ التي لم تفاجئ العالم لمعرفتهم الدقيقة بهذه الشخصية الكاركاتيرية التجارية التي أشاعت الفوضى في منطقة الشرق الأوسط والعالم والذي لا يفكر بمصالح الشعوب بل بكمية النقود التي تدخل جيبه أولاً، والخزينة الأمريكية ثانياً.
والغريب بالأمر أن تهديدات ترامب وعنجهيته لأردوغان ذهبت ادراج الرياح، بل وأكثر من ذلك صرح وزير خارجيته بومبيو، بأن من حق تركيا ضمن أمنها وحدودها، بهذه الخسة والدناءة يتركون حليفهم في الحرب ضد داعش، فهل حقاً تحارب الولايات المتحدة داعش، أم إنها البعبع الذي تخيف به شعوب الدول العربية وذات الأكثرية المسلمة!
إن من مهازل القدر أن يتعرض شعب مثل الشعب الكردي في القرن الحادي والعشرين، وقوامه يزيد على 40 مليون نسمة، إلى مثل هذه المجازر البشرية على ايدي حكام الدول الأربعة، تركيا وإيران والعراق وسوريا، التي توزعت عليها شعوب الأمة الكردية وبالتناوب، فمرة على أيدي حكام إيران، وأخرى على أيد حكام تركيا، ثم حكام العراق لاسيما صدام حسين بعملياته الأنفالية والإبادة الجماعية، وأخيراً على ايدي حكام تركيا ومن جديد، وعلى أيدي المليشيات التكفيرية المسلحة أيضاً التي تأتمر بأوامر العضو القيادي في تنظيم الأخوان المسلمين الدولي رجب طيب أردوغان. إنها من مهازل القدر أن تضطر أجزاء من الأمة الكردية أن تتحالف مرة مع هذه الدولة أو تلك لتنتزع حقوقها المغتصبة من دولة أو أخرى، ثم تصاب بالخيانة من الدولة التي تعهدت لها بالدعم كما حصل في خياة شاه إيران عام 1974/1975 في اتفاقية الجزائر الخيانية بين الدكتاتور صدام حسين وشاه إيران وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
لقد بدأ الاجتياح والغزو ليلة العاشر من شهر أكتوبر 2019 مدعما بقصف مكثف للطائرات الحربية التركية، مما أدى إلى سقوط خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات وهجرة جماهير واسعة من منطقة القتال. لقد تصدت وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) للاجتياح التركي والعصابات المرافقة لهذا الاجتياح والغزو، وهي تقدم المزيد من الضحايا دفاعاً عن حقوق وحرية الشعب الكردي في سوريا ودفاعاً عن حرمة الأراضي السورية. ورغم استعداد قوات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية بالتفاوض مع الحكومة السورية لمواجهة الاجتياح والغزو التركي، إلا إن النظام السوري والدكتاتور الأرعن بشار الأسد رفض التفاوض وادعى نائب وزير خارجيته كما ورد في الأخبار: “هاجم نائب وزير الخارجية السوري قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها أكراد وتدعمها واشنطن قائلا إنها خانت بلادها واتهمها بتبني أجندة انفصالية منحت تركيا ذريعة لانتهاك سيادة البلاد، وأكد رفض دمشق الحوار معهم“. (أخبار دويتشة فيلة DW، 11/10/2019)، وهذا التصريح الخبيث يدرك بأن كرد سوريا قالوا دائماً بأنهم لا ينوون الانفصال عن سوريا وهم يدافعون عن وحدة سوريا.
والغريب بالأمر أن الدكتاتور التركي هدد الاتحاد الأوروبي بأن أي إدانة لتركيا لاجتياح سوريا سيطلق اللاجئين الموجودين بتركيا لتزحف صوب دول الاتحاد الأوروبي فأسكت بذلك ألمانيا، في حين ندد الرئيس الفرنسي ماكرون بالاجتياح. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي ترك نفسه رهين بيد هذا الدكتاتور العثماني الجديد!!
إن من واجب شعوب العالم والمجتمع الدولي إدانة هذا العدوان الاجتياحي والغزو الإجرامي لسوريا والعمل على إيقافه فوراً والإصرار على انسحاب القوات المسلحة التركية الغازية والقوى العميلة المرافقة لها من سوريا.
لن يحصد العدوان التركي سوى الخذلان في مستقبل الأيام ولن يفرح الدكتاتور بأفعاله الإجرامية في سوريا وفي الضربات التي وجهها إلى سكان العراق القاطنين في المناطق الجبلية من كردستان العراق. ولكن إلى ذلك ستسقط الكثير من الضحايا وسيتعرض الاقتصاد التركي إلى الكثير من الخسائر المادية، إضافة إلى الخسائر البشرية، التي ستصيب الترك كما تصيب الشعب الكردي عموماً وفي سوريا خصوصاً.
ليسقط الاجتياح التركي للأراض السورية، لا للحرب، لا للدكتاتور التركي، لا للظلم وإرهاب الدولة التركية، لا للتجاوز على اللوائح والمواثيق والقوانين الدولية من جانب الدولة التركية، ومن جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي تخلت عن عهودها ووعودها للشعب الكردي في سوريا.