الحديث عن العدالة الأجتماعية من الناحية النظرية بمقارباتها البورجوازية وأهم منظريها في فلسفة الأخلاق الذين يعتمدون المقبولات الأربعة ( الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة ) والتي تشكل العدالة الأجتماعية أحدى أضلاعها المهمة ومن نظريات منظري البورجوازية : نظرية ( جون رولس) Theory of gustice التي نُشرتْ عام 1971 يعتبر ” العدالة الأجتماعية ” فكرة فلسفية لا سياسية ، أنها تعتمد الوثائق الأممية للأمم المتحدة في الحرية والمساواة بين بني البشر وأعتمدتها جميع أحزاب الخضر في العالم ،أنها نظرية رثة في نظري لكون الوثائق الأممية أصبحت غير ( ملزمة ) في عصر العولمة الحداثوية ، وكانت من مخرجات أفكارهم :
1-المدرسة التوفيقية فهي تعتمد المهارة الشخصية والأبداع فيكون توزيع المكافأة المالية حسب المهارة الفردية ، أي أن المال والمكافأة يجذبان الأفراد نحو أنجاز الأعمال والذي في أفتراضهم : أنعدام العدالة الأجتماعية يؤدي إلى أستقرار النظام الأجتماعي ، فأن هذه المدرسة التوفيقية خالية من الواقعية في الكثير من طروحاتها الآيديولوجية بحجة المنافسة بين الأفراد وغيبوا حقيقة الأنسان وخلجاته النفسية بحصرهم قيمة الأنسان بماله ومكانته الأجتماعية .
2- نظرية ” ماكس فيبر2–” نظرته الفلسفية تتلخص ب(أن فكرة نشوء الطبقات الأجتماعية لا تحصل نتيجة الصراع الطبقي كما يقول كارل ماركس بل تحصل نتيجة عوامل ثلاث (الثروة والقوّة والمكانة الأجتماعية ) فهو بالضد من النظرية الماركسية .
والذي أكتشفتهُ في قراءاتي لهذه المدارس البورجوازية : أن هم الطبقة الرأسمالية تجميع الثروة الفائضة من الأنتاج الأجتماعي الكلي من جشعها أصبحت مصدر من مصادر أنعدام ” العدالة الأجتماعية كما في نموذج اللبرالية الأقتصادية الجديدة القائمة على نموذج السوق الأجتماعي الذي يقوم به الأفراد والشركات بحرية تبادل السلع حسب العرض والطلب ، وهو نظام أقتصادي رأسمالي ولبرالي كلاسيكي ظهر بعد الحرب الثانية وكان العالمان الألمانيان من أبرز منظريها هما (الفريد أرماك و ولودفيغ أرهارت ) وحسب رأي أنهُ رديف للرأسمالية لكونها تعتمد الملكية الخاصة في وسائل الأنتاج ، ولن ينسى العالم بتسببهِ لأزمات وهزات أقتصادية التي عصفت ببعض دول الغرب وأمريكا ، وثم لعبت الرأسمالية لعبتها الشيطانية مع طبقة العمال بسياسة ( الترضية ) بتقليل ساعات العمل وزيادة الأجور لتمتص نقمتها وزاد الأنتاج بشكل تراكمي وثورة صناعية التي أدت إلى تقليل البطالة وتحسين ظروف العمل إلى ظهور ( دولة الرفاه ) كما يحلو لهم تسميتها فهي طُبقت في بعض دول الغرب بعد الحرب الثانية حسب تنظير رأسمالي لبرالي ، ووجدتُ فيها عيوباً مثل : الفساد الأداري والهدر الذي لا مبرر لهُ ، وسوء أستخدام الموارد وهو تحميل عبأ ثقيل للمواطن ، أهتزاز النظم عند تعرضها للأزمات الأقتصادية وهبوط أسعار النفط ، الألتجاء إلى القبضة الحديدية للسيطرة الأمنية ،مما تؤثر، على الخدمات المجانية التي تقدمها دول الخليج المعنية بدول الرفاه الأجتماعي ، لأنها لا تسمح بالمشاركة في صنع القرار لحماية النظام أولا ، كما أن منطق ( الشمولية ) لبعض الأنظمة العربية يتعارض كلياً مع قيم المجتمع المدني ، ولنأخذ النموذج التركي الحديث لحزب التنمية والعدالة القائمة على الأخونة الذي يجسد الممارسة السياسية من منظور أسلامي ويقوم على أساس الجمع بين معطيات الحداثة المفروضة من الواقع الدولي الجديد وبين الخصوصية الحضارية الأسلامية بيد أنها أوصلت أردوغان إلى التخبط السياسي داخليا وأقليميا لكون الحزب ينادي بالشعبوية العثمانية وقيادة البلاد بعيداً عن نظامها العلماني نحو أسلمة المجتمع ، وبأعتقادي حزب التنمية والعدالة الوجه الثاني في عملة الأرهاب فلا ينتظر منهُ ” عدالة أجتماعية “.
العدالة الأجتماعية من وجهة نظر يسارية ماركسية:
يمكن تناول هذا الموضوع من ناحية مجتمع أنساني أكثر عدلا وأنصافاً في مواجهة الظلم والأستغلال والتمييز بين البشر وبين الجماعات في سياقات الصراع على الخيرات العامة الثروة والسلطة ، وأنهُ من بين الأقتراحات الأكثر رواجاً حتى يومنا هذا ” العدالة الأجتماعية ” التي تقوم على أعادة توزيع الثروة والديمقراطية التي تتأسس على تفويض السلطة القائمة على أساس الحرية والكرامة الأنسانية بعدالة أجتماعية تواجه الفساد والحرمان ومواجهة الأستبداد والطغيان.
ويمكن معالجة الموضوع من ناحيتين ( منظور ماركسي أشتراكي ثوري ومنظور اليسار الديمقراطي )
الأول /مأخوذ من رأي ماركس في البيان الشيوعي 1848 ويتلخص :بزوال الأغتراب والظلم والأضطهاد ، والملكية الخاصة تؤدي إلى الأستغلال الطبقي ، الثروة مجتمعية من حق كل فرد .
الثاني/ هو المذهب الأشتراكي الديمقراطي ، كلما كان توزيع الدخل أكثر عدلا كلما عجّل وسهّل النمو الأقتصادي ، ولا يختلف عن الماركسية لأنهُ يؤكد على الديمقراطية وهو الأكثر تطبيقا في عالمنا اليوم .
وعلى كل حال أن المدرستين اليساريتين يؤكدان على الحرية في تحرير جوهر الأنسان ، بتطبيق الديمقراطية السياسية ، وهي أحدث النظريات لمعالجة ” العدالة الأجتماعية ” وكان من أبرز منظريها ( جون راولز ) في قوله : عما أذا كانت المجتمعات تقدم لشعوبها فرص كافية للمشاركة في الأنشطة الأنتاجية حسب أختيارها في سياق عالمي يسود فيه النسبية الأخلاقية والتعددية والثقافية .
العدالة الأجتماعية مغيّبة في العراق تواجه معوقات وتحديات عديدة أهمها :
– سلطة العشيرة هي الغالبة على سلطة القانون ، لا زالت مناطق عدة في العراق من مما يسمى بسلطة ( الدكة العشائرية)والتي أستقوت بعد 2003 حيث أنهارت المؤسسات الأمنية والقانونية .
– عدم المساواة بين الجنسين أن معدل النشاط الأقتصادي للمرأة أقل من الرجل بلغ 5-14 %مقارنة بالرجل 1-72% ، وتعتبر المرأة الأعلى نسبة في البطالة 2-32 %مقارنة بالرجل 21% .
– الفساد الأداري والمالي ، حسب التقارير الأممية للأمم المتحدة وصول العراق إلى المركز 169بين 180 دولة فاسدة ، سببه عدم الرقابة المالية للمال العام السائب وغياب القوانين الرادعة ، حيث فقد العراق حوالي 380 مليار دولار في السنوات ال15 الماضية .
– التمييز على أساس المكون الديني والطائفي والأثني ، وزاد الأمر سوءاً خصوصاً بعد ما تعرضت هذه المكونات إلى الأرهاب الداعشي .
– الأقتصاد الريعي الذي وضح جلياً غياب العدل الأجتماعي أفراد الجيل الحالي الذين يعملون مع الحكومة يحصلون على جزءمن العدالة الأجتماعية أما باقي الفئات الأجتماعية من كسبة وشغيلة اليد فأنها محرومة من هذه الثروة التي تشكل 90% من موازنتها التشغيلية ، وبهذا الوضع المزري يصبح شعار مقولة النفط ثروة وطنية عامّة للجميع فارغة المحتوى.
– غياب الأستقرار السياسي بفعل تدخل الميليشيات والأحزاب وتدوير الأزمات وغياب الدولة المؤسساتية وعشوائية في توزيع الخدمات بل أحياناً تهافتها وغيابها .
– عشوائية المدن : وقد تجاوز سكان العشوائيات 5-2 مليون نسمة حصة بغداد منها 40% ما يقارب 800 ألف نسمة تداعياتها تفقد وجود العدالة الأجتماعية عندما تكون سبباً لتعطيل مشاريع الأستثمار ، وأحتمال كبير أنها تبنى فوق خدمات البنى التحتية كالمجاري والصرف الصحي والماء وكيبلات الكهرباء والمواصلات ، أضافة إلى النزوح من الأرياف إلى المدن والذي يعمل على أضطراب التوازن السكاني .
التغيير هو الحل في ” العراق” دولة مدنية ديمقراطية أتحادية بعدالة أجتماعية
أن الطريق إلى الدولة المدنية دولة المواطنة والديمقراطية الحقة المفلترة من شوائب الديمقراطية المتأمركة الأستحواذية والمستلبة لحقوق الشعوب المقهورة يتحقق عبر نضال متواصل وتحالفات وأصطفافات وطنية عابرة للطائفية والأثنية والمناطقية ، وتسعى لترسيخ المصالحة الوطنية والوحدة الجغرافية ، وعدم توظيف الدين لأغراض سياسية ، والتأكيد على مبدأ ترسيخ متطلبات الأنسنة والسلام العالمي ، والأستبعاد الكلي عن أي شكلٍ من أشكال التعصب ، ورفض الترويج للعنصرية والشوفينية والأنغلاق والتخندق الطائفي والأثني ، وترسيخ ثقافة المواطنة الحقة والسلم المجتمعي ، فتتكوّن الدولة المدنية الديمقراطية وهو المطوب .
فالدولة المدنية الديمقراطية وبنظامها العلماني توفر جميع مسلماتها من حرية الرأي وحقوق الفرد في الدولة المدنية بشرط توفر قناعة آيديولوجية في عدم الجمع بين الدين والسياسة مطلقاً ، أن من أهم ما حققتهُ العلمانية على الصعيد الحضاري هو أنّها{أنهتْ الصراعات والحروب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك في بعض دول أوربا ، والخلافات الطاحنة في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ودكتاتورية ( بينوشيت )في تشيلي والنازية في ألمانيا والنظام الشمولي الصدامي
أما الدولة الدينية الثيوقراطية تعني : حكم الكهنة أو رجال الدين ، وهو نظام حكم يستمد الحاكم سلطته مباشرة من الآلهة ، أي أدارة شؤون العباد آخروياً ، وهم مندوبون لتوصيل تعاليم سماوية مثل : دولة الخلافة الأسلامية والأمبراطورية البيزنطية ، ودول معصرة تحمل سمات الحكم الثيوقراطي مثل : الفاتيكان وجمهورية أيران الأسلامية والسعودية والباكستان .
إذاً الدولة المدنية الديمقراطية وحدها المتمكنة من حماية الفرد ومعتقده ، وهي مظلة مشرعنة قانونية يتعايش تحتها الجميع دون أقصاء أو تهميش أو ألغاء ، لكون هذا النظام السياسي يستند على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وفيها الأحزاب السياسية ركيزة النهج السياسي ، الديمقراطي ، وحرية تكوين الأحزاب مكفولة .
أن تطبيقاتها في العراق سوف تواجه تحديات في رهانات الواقع العراقي بعد الأحتلال منها موروثات أشكالية مزمنة وأحتدام الصراعات الفئوية المزمنة ، ومئات من دكاكين الأحزاب بعضها ذات ولاءات أقليمية ودولية .
فعلينا فلترة هذا النظام ونحته من حيث :
–الحذر من الوجه الآخر للعلمانية المؤدلجة بالطائفية والعرقية وهي تتجه إلى الدكتاتورية .
– الحذر من أستبداد الأغلبية بالسلطة والثروة كما هو في النموذج السيء للحكم الراديكالي في العراق ما بعد 2003 .
– رفض أعتماد قانون سانت– ليغو 9-1 والذي رُفض من قبل غالبية الشعب العراقي في حراكهِ المدني ، ومن المحررالسياسي لجريدة طريق الشعب الغراء .
– الخلاص من المحاصصة إلى تشكيل حكومة كفاءات المؤهلة قيادياً ، وبشرط أن تشمل الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة .
– تشكيل مجلس الخدمة لتطبيق ضوابطها ومعايرها في أختيار العناصر الكفوءة والنزيهة .
– أعادة هيكلة مؤسسات الدولة في أبعاد الجيش والمؤسسات الدينية من التحزب .
– مكافحة الأرهاب الداعشي ، وأستثمار الأنتصارات الأخيرة لجيشنا الباسل في حب الوطن والولاء التام له.
– تبني أعلام ذو خطاب موحد في الولاء للوطن فقط والتأكيد على وحدة جغرافبة تراب العراق ، والوقوف بحزم أمام تقسيم البلاد ، وأرجاع النازحين إلى مواطن سكناهم ، وأعمار المناطق المحررة المدمرة ، ودمج التشكيلات الميليشاوية مع الجيش وحصر السلاح بيد الحكومة المركزية .
– الترشيق الوزاري والنيابي وتقزيم المستشارين وألغاء الأيفادات العبثية وتخفيض رواتب ومخصصات الدرجات الخاصة وتقليص حماياتهم .
– أصدار قانون أنتخابي عادل ونزيه ومنصف ، وتشريع قانون من أين لك هذا ؟ وتفعيله ليشمل الجميع ، وتأسيس مفوضية مستقلة للأنتخابات .
– أبعاد ظاهرة البيروقراطية عن مؤسسات الدولة لكونها من الطفيليات المدمرة للدولة ، وكما يعاني منها المواطن العراقي االيوم .
– تأطير دولتنا المدنية الديمقراطية بالتخطيط المركزي والأشتراكية العلمية والملكية الجماعية لوسائل الأنتاج .
————————————————
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
بعض الهوامش والمصادر
محمد فايز عبد أسعد/ الأسس النظرية لعلم الأجتماع السياسي / بيروت
العدالة الأجتماعية/إميل كيري– ترجمة سهيل ألياس –طبعة ألكترونية
كتاب ما بعد الرأسمالية/ د–سمير أمين
لينين / الدولة والثورة – موسكو1970