تمتاز الأنظمة الشمولية والقمعية دوما بقدرتها على إستخدام توصيفات ومصطلحات ضد مناوئيها من أحزاب ومنظّمات سياسيّة تتّهمهم فيها “بالخيانة والعمالة” وغيرها من تهم، ففي العهد البعثي كان الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة على سبيل المثال عميلين في وثائق البعث وإعلامه وهو ينكّل ويعدم أعضائهما، كما كان مصطلح ” الجيب العميل” هو وصف البعث في إعلامه ووثائقه لأقطاب الحركة الكوردية. بل ذهب البعث بعيدا جدا في توصيفاته لمناوئيه، عندما وصف جماهير شعبنا بالغوغاء وإنتفاضته الآذارية في العام 1991 من أنها صفحة للغدر والخيانة. علما أنّ البعث نفسه كان عميلا وغدر بشعب العراق وهو يدفعه لحروب لا ناقة له فيها ولا جمل، وخائنا للعراق وهو يتنازل عن أراضيه ومياهه وسماءه ويجلس بذل في خيمة صفوان.
وحزب الدعوة الحاكم ومعه التيار الإسلامي الشيعي يسيرون اليوم على خطى نفس المدرسة البعثيّة ليثبتوا لشعبنا من أنهم تلاميذ بررة لمعلميهم البعثيين وهم يستخدمون توصيفات ومصطلحات تليق بهم لينالوا بها من جماهير شعبنا التي تتظاهر في مدن العراق المختلفة ضدهم ومنها البصرة حيث إنتفاضة الماء. فمنذ تظاهرات العام 2011 ولليوم لم تكف الآلة الدعائية للدعاة والإسلاميين الآخرين والعمائم التي معهم، عن إتّهام المتظاهرين من أنّهم بعثيون تارة ومنفذّين لأجندات معادية للوطن تارة ثانية ومدسوسين تارة ثالثة. علما أنّ الكثيرمن أعضاء هذه الأحزاب كانوا بعثيين قبل الإحتلال، الا أن ما غفر ويغفر لهم بعثيّتهم هو أنهم بعثيون شيعة. كما وأنّ تهمة تنفيذ أجندات دول أجنبية التي يتهمون المتظاهرين بها، تنطبق عليهم أكثر من غيرهم كونهم ينفذون أجندة طهران، ولم نرى إسلاميا واحدا يشعر بالحرج حينما نواجهه بعمالته لإيران فمنهم من يريد أن يُدفن فيها، ومنهم من يصرح علنا بوقوفه الى جانب إيران لو أندلعت الحرب بين” بلده” وإيران. أمّا الإندساس، فالإسلاميون خير مندسون في بلدنا لتخريبه، وما فسادهم وسرقاتهم وهدرهم للمال العام الا دليل على إندساسهم هذا، إذ من غير المنطقي ومن غير المعقول أن تكون تجربة حكمهم بالعراق بهذا السوء، إن لم يكونوا مندسين وهدفهم خراب البلد.
أنّ الإسلاميين اليوم يتبادلون المراكز في إستخدامهم لمصطلح ” مندس”، فبفضلهم أصبح لدينا “مندس” يتظاهر من أجل الماء والكهرباء وفرصة عمل شريفة لايجدها، و مندس يحمل بندقية ليقتل بها ” المندس الأول”!!
فالمتظاهرون في البصرة اليوم هم “مندسون” وفق وجهة نظر حزب الدعوة الحاكم والميليشيات المتحالفة معه، وهناك مندسون ضمن القوات الأمنيّة والعصابات الشيعية التي تستخدم الرصاص الحي في مواجهة إنتفاضة الماء وفق ما جاء بتغريدة مقتدى الصدر التي قال فيها ” ينتابنا الحزن ونحن نرى المأساة في “بصرتنا” المظلومة..
وما أثار غضبي هو التعدي بغير وجه حق من قبل بعض المدسوسين في القوات الأمنية على المتظاهرين العزّل الذين لا يريدون الا لقمة العيش بكرامة. فلا بد من تظافر الجهود لانتشال البصرة من افكاك الفساد والطائفية والميليشيات، فبصرتنا عزنا وفخرنا وهي قلب العراق النابض فكفاكم تعديا على البصرة واهلها .. وأنصح ان لا تختبروا صبرنا”.
السيد مقتدى الصدر: لقد جاء في معجم المعاني إنّ: “تعدَّى / تعدَّى على يَتعدَّى ، تَعَدَّ ، تعدّيًا ، فهو مُتعدٍّ ، والمفعول مُتعدًّى – للمتعدِّي. و تعَدَّى عليه : ظَلَمَهُ”. والمُتَعدّى عليه يكون مظلوما، إن تعرّض لإعتداء من آخر دون وجه حق. والمتظاهرين في مدينة البصرة أو ” المندسين” وفق الإعلام الشيعي تعرضوا ويتعرضون دون وجه حق للرصاص الحي والغازات المسيّلة للدموع والهراوات والصعقات الكهربائية من قبل القوات الحكومية والميليشيات الشيعية التي ترافقها، وعليه لا أدري ما تعني من قولك ” التعدي بغير وجه حق من قبل بعض المدسوسين في القوات الأمنية على المتظاهرين العزّل الذين لا يريدون الا لقمة العيش بكرامة”. وهل هناك تعدي بوجه حق وتعدي دون وجه حق، بحق متظاهر في سبيل قطرة ماء!؟ وهل من الممكن البحث عن تعدي بوجه حق وتعدي دون وجه حق في قرائتنا لموقف الإمام الحسين وهو كما أهل البصرة كان يبحث وعياله وأصحابه عن قطرة ماء، حينما كان يتعرّض وقتها لقمع جيش الأمويين بزعامة إبن زياد؟ وهل تقبل مقالة ” يزيد بن معاوية” إن كان قد قال كما قلت في تغريدتك ” أنّ هناك مندسين في جيش إبن زياد هم من تعدّوا على الحسين؟”.
السيد مقتدى الصدر: قوات حزب الدعوة الحاكم والتي تسمّى زورا بالجيش العراقي ومعها الميليشيات الشيعية في قاطع البصرة لا يوجد بينهم مندسون، فهم ينفذّون أوامر صادرة لهم من قيادات حزب الدعوة والذي بدوره ينفذ أوامر صادرة له من خلف الحدود. فالقائد العام للقوات المسلحة والذي يُصْدر الأوامر دعوي، والميليشيات الشيعية تحت مسمى الحشد الشعبي متحالفة مع هذا الحزب، وهي الأخرى تنفذ الأوامر الصادرة لها من البلد الذي يمولّها بالسلاح الذي تدربت عليه في معسكرات خاصّة هناك.
السيد مقتدى الصدر: لا ضرورة في أن يختبروا صبرك، فها هي بغداد أمامك فإملأ شوارعها وساحاتها بالمتظاهرين إن كنت حزينا فعلا على ما يجري بالبصرة من جرائم بحق أهلها الطيبين. فشيعة العراق هم أبناء وطنك وليس شيعة البحرين، ومثلما دعوت لمظاهرة حاشدة أمام سفارة البحرين ببغداد وحذّرت من إنجرار المنطقة الى ما لا يحمد عقباه في الثالث والعشرين من شهر أيار/ مايس من العام الماضي، إدعوا الى مظاهرات مليونية في ساحة التحرير ومقابل المنطقة الخضراء، فالبصرة قلب العراق النابض حسب وصفك، وليست المنامة، البصرة عطشى وليست المنامة. أهل البصرة شاركوا الإمام علي معاركه وليس أهل المنامة، مع جلّ إحترامنا وإعتزازنا بنضال الشعب البحريني ضد سلطة العائلة الحاكمة فيها.
صلّى وصام لأمر كان يطلبه، …. حتّى حواه، فلا صلّى ولا صاما
” بيت شعر قيل بحق عبد الله بن الزبير من قبل شاعر شيعي وقتها”. ولعمري فأنه ينطبق على ساسة الشيعة وعمائمهم في عراقنا المنكوب والمبتلى بهم اليوم.
زكي رضا
الدنمارك
6/9/2018