- تمهيد
لا تسقط الدول إلا بالظلم. وواحدة من أدهى ممارسات سياسة الدول العظمى هي دفع الحكومات إلى قمع شعوبهم لقيام حالة الظلم التي تشكل دوماً مؤشراً على قرب سقوط الدولة أو الحكومة، في الأقل. وحوادث التاريخ كثيرة في هذا المجال، وأنظمة الحكم في دول الشرق الأوسط زاخرة بالعديد من تلك الحالات.
وهذا ما حدث مع الدولة العثمانية بداية الحرب العظمى عام 1914، فتعاملت مع تطلعات شعوبها بالقسوة والقمع، مما ولَّد الظلم الذي كان سبباً في سقوط الدولة وإنهيارها وتمزقها.
ويكشف لنا وثائق عصبة الأمم الملغاة والمحفوظة ضمن أرشيف الأمم المتحدة، عن خفايا تلك الحالات، وتفاصيلها الكثيرة والمثيرة.
وهذه هي الوثيقة الثالثة ضمن سلسلة وثائق عصبة الأمم التي دأبنا على نشرها مؤخراً. وهي عبارة عن رسالة وجهها أهالي مدينة قرقوش 1 في أطراف لواء الموصل إلى لجنة عصبة الأمم حول قضية الموصل وتحديد
1 بخديدا أو بغديدا أو قره قوش (بالسريانية: ܒܓܕܝܕܐ) هي بلدة سريانية تقع في محافظة نينوى شمال العراق على بعد نحو 32 كم جنوب شرق مدينة الموصل و60 كم غرب مدينة أربيل، على الضفة الشرقية لنهر دجلة الذي يشكل مع نهر الخازر المنطقة الجنوبية من سهل نينوى بالقرب من مدينتي نينوى وكالح الأثريتين. تتوسط بخديدا سبع كنائس وعددًا من الأديرة التاريخية والتلال والمناطق الأثرية. في السبعينات من القرن العشرين بدّل اسم بغديدا رسمياً باسم آخر وهو الحمدانية استناداً إلى (الحمدانيون) الذين حكموا الموصل ما بين 890 م. و1004 م. بالرغم من الاختلاف في كتابة كلمة قرة قوش فتكتب أحياناً (قرقوش أو قراقوش) إلاّ أنّه هناك إجماع عام وقناعة ثابتة بأنّها لفظة تركية تعني (الطير الأسود) وأطلقت هذه التسمية أبان حكم الأتراك وهناك من يقول أنّ الزي الأسود الذي كان يرتديه سكان بغديدي من كلا الجنسين آنذاك كانت تسمى بهذا الاسم. أما بغديدا – بخديدا بالسرياني (ܒܓܕܝܕܐ) فهو الاسم السائد استعماله بين أبناء البلدة. تعتبر البلدة كذلك مركز قضاء الحمدانية أحد الأقضية الخمسة للمحافظة. تمكن العثمانيون من السيطرة على المنطقة في القرن السادس عشر، حيث أصبحت بخديدا جزءا من ولاية الموصل واتسمت هذه الفترة بالهدوء النسبي حتى مجيء الأفشاريون سنة 1743 بقيادة نادر شاه الذي نهب البلدة وأحرق أربع من كنائسها. غير أن معظم سكانها تمكنوا من النجاة بعد أن تحصنوا داخل أسوار الموصل حيث ساهموا في الدفاع عن المدينة. وكمكافأة على صده لهجوم نادر شاه أهدى السلطان العثماني محمود الأول مبلغ 800 قرش لحاكم الموصل حسين باشا الجليلي لكي يشتري بلدة بخديدا بأكملها فلما علم الأهالي بالأمر قرروا هجر البلدة. غير أن حسين باشا أعدل عن الأمر وقرر أن يكتفي بعشر مدخول الأهالي سنويا بدلا من ذلك. من أهم أحداث القرن التاسع عشر مجاعة سنة 1828 أهلكت العديد من سكانها. بانتهاء الحرب العالمية الأولى آلت المنطقة إلى الإمبراطورية البريطانية التي سرعان ما ضمت ولاية الموصل إلى المملكة العراقية المشكلة حديثا. وشهدت السنين التالية معركة قضائية شهيرة بين أيوب الجليلي أحد أحفاد حسين باشا الجليلي وسكان البلدة. حيث ادعى أيوب الجليلي أحقيته بأراضي البلدة استنادا على نظام الإقطاعية السائد آنذاك. تمكنت عائلة الجليلي من ربح القضية في 21 تشرين الثاني 1949، غير أن الأهالي استأنفوا الحكم فأعادت المحكمة العليا في بغداد البلدة لأهاليها 15 آذار 1954 وثبتت محكمة أخرى الحكم نهائيا لصالح الأهالي. في بداية تموز 2014، حاول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) احتلال بغديدا ولكن قامت قوات بيشمركة الكردية وهيئة حراسات بغديدا بردع الهجوم ولكن العوائل لجئت إلى كردستان العراق والمدن المسيحية المجاورة لينظموا إلى بقية اللاجئين المسيحين من الموصل. قامت داعش بقطع الماء عن القرية وباحتلال حقول النفط المجاورة مما أدى إلى انسحاب البيشمركة من المدينة ودخول داعش إليها في اليوم التالي. وبقت بغديدا تحت احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى 19 أكتوبر 2016 بعد معركة الموصل حيث بدأ بعض أهالي بغديدا الرجوع إليها. وحسب الإحصائية الأخيرة للمنظمات فإن الآشوريين/السريان/الكلدان الذين ينقسمون إلى سريان كاثوليك ويمثلون أكثر من 90% وسريان أرثوذكس 7% بالإضافة لذلك وصل للبلدة مؤخرا أكثر من 15,000 نازح نتيجة العنف في مدن عراقية، وينتمي هؤلاء إلى مختلف الطوائف المسيحية وبخاصة الكلدانية للبلدة مؤخرا أكثر من 15,000 نازح نتيجة العنف في مدن عراقية، وينتمي هؤلاء إلى مختلف الطوائف المسيحية وبخاصة الكلدانية والسريانية الأرثوذكسية وكنيسة المشرق الآشورية. أنظر، بغديدا، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.
وكتب عنها المؤرخ عبد الرزاق الحسني، قائلا: ناحية الحمدانية تتألف من 118 قرية، يقطنها زهاء 21,000 نسمة. جلهم أصحاب زرع وضرع، ومركزها قرية “قرقوش” التي تبعد 33 كيلومتراً عن الموصل شرقاً. عبد الرزاق الحسني، العراق قديما وحديثا، ط 3، صيدا 1958، ص 254.
عائديتها، إما لتركيا أو لدولة العراق الحديث، بتاريخ 15 شباط 1925، موقعة من عدد من رجال الدين المسيحيين ووجهاء المدينة.
- مضمون الوثيقة
” قد تشرفنا وكتبنا لكم قبلا وطلبنا مواجهتكم وتنازلكم لزيارة قريتنا. والآن نرانا مضطرين لأن ندنو منكم بأحترام وثقة ونعلمكم بأننا ولفيف الذين نتكلم بأسمهم إنما نحن سكان قرية قرقوش القريبة من الموصل وذات الشهرة التاريخية. وإننا من صنف الزراع وأصحاب المواشي. ومن طائفة السريان الكاثوليك ومن القومية العراقية. ونحن نعتقد فيكم حتماً العدل والرحمة لتمثيلكم جمعية عصبة الأمم المحترمة المعروفة كشريعة قويمة ودستور منظم لمهام العالم كله.
بمناسبة وجودكم بيننا مثل حكَم فاحص ومدقق قضية حدود الموصل وما يتعلق بها فمن شأننا أن نرفع إليكم أمرنا معربين عما حلّ بنا من الأضرار في زمن الأتراك وما إحتملناه من جورهم بتوالي الأعوام ولا سيما مدة الحرب 1914-1919 من التعديات التي لا يمكن السكوت عنها بتّةً.
فمع كل خضوعنا لأوامرهم وتحكماتهم الخارجة عن الوسع البشري قد إرتكبوا بحقنا جرائم شتى قد ذُكر بعضها في الجدول المقدم لكم من طيه البالغ 48290 ليرة ذهباً تقاضاها الأتراك بدون رحمة. وقتلوا وأبادوا منا ثلاثين شخصاً ومن جملتهم كاهنين جليلين مع تخريبات أخرى توجب الأسف، حتى أصبحت قريتنا الكبرى المضاهية لمدينة وحاوية من الكنائس فقط نحو السبعة في أشد حالات الاضطراب.
فإليكم يا فخامة الرئيس وإلى لجنتكم الموقرة نرفع شكوى بتألم من مظالم الأتراك ونطلب منكم أن تتنازلوا وتبلغوا رسماً عصبة الأمم المحترمة في جنيف صدى صوتنا الأسيف لتتأمل في مصيرنا وترثي لحالنا وتنصفونا جميعاً بإلزام الأتراك بالتعويض بدل الأموال التي سلبوها والأنفس التي قتلوها منا بسوء نية مجرداً لأننا مسيحيين وعراقيين.
ولا جناح إن قلنا إننا نتعجب كيف إن العالم المتمدن يسكت إلى الآن عن محاكمة الأتراك ومعاقبتهم وتضمينهم ما إقترفوه من الجرائم المدهشة مع الإنسان والكائنات. وعن لزوم أخذهم تحت المراقبة إصلاحاً لنفوسهم غير المنكفة عن السوء.
لعمر الحق إنه لم يسمع قط إن حكومة ما، صنعت برعيتها وأبناءها ما صنعته تركيا مع الأبرياء من الإيقاع والشرور وهذا دليل كافي على إن حكومة الأتراك بعنصريتها التورانية هي غريبة عن هذه الديار ومعادية لعنصريتها العربية وتعمل على إستئصالها. ولا يهمها حياة أو ممات الشعب العراقي، بقاء أو دمار الموصل. ومع ذلك فتبلغ بهم الشجاعة وبالأحرى الجسارة بل ويفسح لهم مجالاً للتشبث بالرجوع ثانيةً إلى هذه البلاد العراقية التي لا حق لهم فيها ولا علاقة طبيعية كانت أو مكتسبة فضلاً عن الذكر الردي وآثار الخراب التي تركوها هنا وإنصرفوا غير مأسوف عليهم. فالتاريخ والعنعنات القومية، واللسان وأدبياته، والعنصرية العربية المنتهية إلينا من الأجداد العظام تردُ تطلباتهم وتُنكر عليهم قولهم. فهذه مقررات المؤتمرات الدولية في مدّة الحرب وبعده مع قواعد ويلسن المعلومة المؤيدة بتصديق وحكم جمعية الأمم نفسها تبطل مدعياتهم وتنبذها بعدما تقرر بالإجماع إن كل أمّة أو شعب ذات قومية عريقة وماضي دولي يحق له الإنسلاخ من حكومة شدّدت عليه الخناق وأعدمتْه التمتع بالحرية والإستفادة من بلاده. وله أن يحيي قوميته ويستعيد حكومته وليستقل في بلاده.
فَمن هو أحقُ منا بذلك نحن الشعب العراقي والتاريخ يشهد والآثار تؤيد بماضياتنا المجيدة. وسيادة دولتنا العربية الراقية المعظمة أجيالاً طوالاً في عهد الخلفاء العباسيين فاتحي الأقطار وممصِّري البلاد.
فماذا يقصد الأتراك من محاولة الرجوع ثانية إلى بلادنا ولا شيء يجمعنا معهم، أهَلْ لكي يكملوا سيئاتهم معنا أو ليواصلوا فينا ضغائنهم ووقائعهم الدموية الوسيفة التي أوقفتها يد الله العادلة وحطمتها بإخراجهم من هنا حاسرين. فنحن نرفض بتاتاً إحتمال ظهورهم بيننا ثانية وتدّخلهم في شؤون بلادنا التي أخذت تتنفس قليلاً بتواريهم عنّا.
ومن جهة أخرى فلا نرضى قَط ولا يجدر أبداً أن ينفصل شيئاً من الموصل ومحيط أقضيتها. لأنه كما إن العراق وضمنه بغداد لا يمكن أن يعيش بدون الموصل. فالموصل يمكنها بتّةً أن تعيش بدون أقضيتها وملحقاتها بما فيها. ولا مندوحة من إسترجاع حدودها القديمة الواسعة المعروفة عند كل جيوغرافي ومؤرخ ذي خبرة وإطلاع الكافلة بصيانة منافعها الطبيعية والإقتصادية والإدارية والسياسية والعسكرية إلخ. وغَني عن البيان إن سكان جبال الموصل هم قوم أكراد لا نسب ولا صلّة لهم مع الأتراك أو للأتراك معهم. ومن قديم الدهور آغاهم مشتركون وتابعون أهل الموصل بإتحاد تام في سائر شؤونهم الاقتصادية والإدارية والإجتماعية. وفوق ذلك فإن فيهم من هم من أصل عربي كالمضري وغيره مثل قبائل المزورية والبروارية فيشهد على نفسه أميرها مفتخراً بأنه من نسل العباسيين.
وبالإفتراض إذا وجد أحد يعود إلى الأتراك فينطبق عليه لا محالة أصول مبادلة السكان الجاري عندهم. فيذهب مِن هنا مَن يريد الإلتحاق بهم ويأتي إلينا من إخواننا الساقطين في بقعتهم وهم يأنون متنهدين من سيطرتهم وشدّة الجفاء وأنواع العذاب الذي يتجرعوه عندهم. فإنهم بلا ريب، إذا ما جرى هذا التبادل مع إخواننا المعتقلين هناك ويمّموا ديارنا فينظر إليهم بصفة من يقدم على حجّ وطني ويكونوا قد أتوا أهلاً ووطئوا سهلاً.
هذا وإن قريتنا قرقوش منذ عرفتْ بقدوم لجنتكم المحترمة يا فخامة الرئيس قد أخذ ينكشف عنها شيئاً من ستر المأتم الذي أنزله عليها الأتراك بتعدياتهم الفظيعة. لأننا كلنا نعتقد بسلامة نواياكم وحسن إستعدادكم بما فيه حفظ بلادنا وصيانة وطننا والرفق بالضعيف ومعاضدة الأقليات نظيرنا التي ما تناقصت ولا قلّت إلا بفتك تلك المظالم. وتأمين حياتنا بعدم السماح لظهور الأتراك مرة أخرى في هذه بلادنا العربية العراقية. وما نحن قاطنوها إلا ساميون عرباً وسرياناً، إسلاماً ومسيحيين يجلّون حكومتهم العراقية ومليكها المعظم ويحترمون الدين ويعبدون الله القادر على كل شيء.
ثم من واجبنا أيضاً أن نعلن بأننا نذكر بالمعروف حكومة بريطانيا العظمى لأنها حافظت على بقية حياتنا وموجوديتنا في تلك الأوقات العصيبة بظهورها بيننا كحليف منقذ ساعة خروج أنفاس الحرب ونجّتنا من القتل العام الذي كان قد هيأه الأتراك. ونشكر لها حسن تعاملها منذ نهاية الحرب إلى حين تشكيل دولتنا العراقية المعظمة. حتى وقد عقدنا معها معاهدة لمدة أربع سنين لفائدة البلاد وعند لزوم الحال فسوف نمدها بقدر الإحتياج. وبهذا كله يبدأ الدور الجديد لحياتنا الاجتماعية والسياسية بحرية الإدارة ورائد الإستقلال حيث نحن الآن مع حكومتنا العربية الجليلة بعناية جلالة مليكنا المعظم بإستراحة تامة وسعادة. ولا نريد تركها أو الإنفصال عنها بوجه من الوجوه لا سمح الله.
وعلى هذا الأمل نتشرف ونقدم لكم يا فخامة الرئيس وبكم إلى اللجنة الموقرة جزيل إحترامنا وعظيم إعتبارنا ونكون لفخامتكم مدى الحيوة.
قرقوش 15 شباط 1925 الداعون الحقيرون
هيئة الرؤساء الروحانيين ومقدمهم في قرقوش
-
الموقعون على الوثيقة
وقّع على هذه الوثيقة مجموعة من رجال الدين المسيحيين يتقدمهم القس جبرائيل حبش، وخمسة كهنة أخرين يمثلون الرؤساء الروحانيين لأهالي القرية، إلى جانب مختارين لقرقوش هما: سمعان زكو، وعبد الله منصور، بالإضافة إلى (26) أخرين من وجهاء قرقوش وختياريتها، وبذلك يكون العدد الكلي للموقعين على هذا الطلب هو (34) شخصاً. وهم: –
أولا. الرؤساء الروحانيين
1 القس جبرائيل حبش (1854-1932) هو أصغر الأبناء لـ يوسف حبش: ولد القس جبرائيل عام 1854 ميلادية وتلقى علومه الدينية على يد الشمامسة والكهنة. تزوج من مريم بهنام ياكو وفي عام 1888 تمت رسامته كاهنا بوضع يد المطران (قورلس بهنام بني) أيضا البطريرك فيما بعد
وبما أن رئاسة الكهنة والشعب كانت كلها تابعة للسلطة الدينية لذلك إستلم الرئاسة في عام 1906 وذلك بعد فترة من وفاة القس ميخائيل القس موسى. (في فترة رئاسته تم إنشاء نظام الحراسات في البلدة) وبذلك احتفظ القس جبرائيل برئاسة الكهنة والشعب وأصبح يدير شؤون البلدة بالتعاون مع المختار ووجهاء البلدة من الشخصيات التي كانت معروفة آنذاك حتى وفاته في الرابع من آب 1932هو ابن يوسف حبش وأخو القس يعقوب. ولد في قره قوش عام 1854. سيم كاهنا في كانون الأول عام 1888. وخدم الرعية في قره قوش مدة اثنتين وخمسين سنة، قضى 35 سنة منها في رئاسة الكهنة والشعب. وقد امتاز بدماثة الأخلاق وطول البال والعدالة في قضائه. توفاه الله في 4 آب 1930 في شيخوخة موقرة. أنظر، كتاب (تاريخ وسير) للمطران ميخائيل الجميل.
2 القس اسحق موشي هو ابن شمعون موشي (وهو جد راعي الأبرشية سيادة المطران مار يوحنا بطرس موشي والقس إسطيفان بن حنا زكريا) ولد في قره قوش عام 1879 وتعلم في مدرستها وتربى في العلم على يد عمه القس توما بن متي بن بولس بن القس متي موشي جد السيدة أمينة والدة المطران ميخائيل الجميل. إستعد للكهنوت في القصادة الرسولية بالموصل مدة عدة أشهر وسيم كاهنا في 15 أيار 1915 بوضع يد المطران بطرس هبرا.. أبدى نشاطا أجتماعيا وفكريا ملحوظا، وكان في الحرب العالمية الأولى مستشارا في الهيئة الاختيارية فأنقذ قره قوش بذكائه من الدمار المحتوم حين أحاطت بها مدافع القوات العثمانية عام 1918. كما أبدى همة منقطعة النظير في دعوى الأراضي بين الجليليين وأهالي قرقوش
في سنة 1950 انكسرت احدى ساقيه بالموصل وهو يتعقب قضية الأراضي المذكورة لدى المحاكم، فلازم داره حتى توفاه الله في 14 كانون الثاني 1968. موقع بغديدا هذا اليوم، الرابط:
https://www.facebook.com/Baghdida.Life/
رُسِم كاهنا في دير الشرفة عام 1910. أنظر، إحصاء الكهنة المتخرجين من إكليريكية الشرفة في جبل لبنان. مجلة رابطة الشرفة، الرابط:
http://alshurfeh-mag.com/احصاء–الكهنة–المتخرجين–من–اكليريكية–ا/ وتُعد إكليريكية دير الشرفة أم جميع الإكليريكيات وأقدمها في جبل لبنان. وقد أسسها البطريرك مار أغناطيوس ميخائيل الثالث سنة 1786 وافتتحها لقبول التلامذة في 14 أيلول 1787. تخرج منها حتى الآن 267 كاهناً.
-
يعقوب توما
-
ججو القس يوسف
-
متي حنا حبش
-
حنا موما
-
منصور متي إيو
-
أبراهيم عبا
-
بطرس شيتو
-
عبد المجيد بهنان هدايه
-
يعقوب متي عولو
-
جرجس بهنان أوسو
-
موسى جبو
-
يعقوب جبو
-
يعقوب موسى حنونا
-
كرومي هدايه
-
سمعان فرنسيس
-
متوكا سمعو
-
قائمة بأضرار القرية
ضمّت الوثيقة ملحقين لها، تضمن الأول بياناً بالخسائر البشرية التي ألحقها الأتراك بأهالي القرية أثناء الحرب (العظمى) العالمية الأولى 1914-1919، فيما تضمّن الملحق الثاني بياناً بالأضرار المادية وحيوانات النقل والأموال والأرزاق التي أجبرت القرية على دفعها للجيش التركي (الجندرمة) لإدامة الحرب، والتي بلغ إجماليها (48290 ليرة ذهب). وهذا ما سنبحثه بشيء من التفصيل.
الملحق الأول/الأضرار البشرية
جاء الملحق الأول متضمناً الخسائر البشرية بالإضافة إلى أضرار مادية توثيقاً لبعض لحالات محددة، ونصَّ على ما يلي:
الملحق الثاني/الأضرار المادية
أما الملحق الثاني المرفق بالشكوى فقد تضمّن بياناً بالأضرار المادية التي ألحقها الأتراك بقرية قرقوس طيلة سنوات الحرب العامة (الكونية) 1914-1919، مع الطلب إلى عصبة الأمم بالسعي لتحصيل تلك الأموال وإلزام الأتراك بتقديم تعويضات مادية وأدبية (معنوية) عن تلك الجنايات والمظالم الفظيعة التي جرت بحقهم. وكما يلي:
-
تحليل الوثيقة
إن نظرة فاحصة على الوثيقة المذكورة تثير عدد من الملاحظات، وهي: –
-
إن الوثيقة مكتوبة بلغة عربية فصيحة وبخط يد أنيق.
-
إن رجال الدين هم في طليعة الموقعين على الطلب، ما لم يكونوا هم من دعا إليها ووجه بتقديمها. وهذا يعطي مؤشراً على مدى نفوذ رجال الدين -على مختلف الأديان- في المجتمع العراقي.
-
إنها تعرب عن رغبة أهل قرقوش في ضَم الموصل إلى العراق، وبقائهم تحت سلطة المملكة العراقية.
-
إنها تتضمن وصفاً شاملاً لإنتهاكات الأتراك ومظالمهم تجاه أهالي قرقوش، حيث بلغ مجمع القتلى (30) شخصاً من أهل القرية، بضمنهم إثنين من الكهنة هما: القس يوسف جبو سكرية والقس بهنام خزيمة 1، وثلاثة من المدنيين هما: داود بن يعقوب عيسو وحودي بن فتوحي عيسى، وسمعان بن يوحنا مقدسي شمعون، إلى جانب 25 شخصاً آخرين.
-
إنها تتضمن جرداً لمعظم الخسائر والأضرار المادية والتي بلغت إجماليها (48,290 ليرة ذهبية)، طالبت الوثيقة عصبة الأمم الشكوى من الأتراك لتعويضهم. وتثير هذه الفقرة بحد ذاتها، جملة من الملاحظات، مثل: –
-
إن الإدارة الحكومية التركية كانت على قدر كبير من الفساد.
-
إن الجيش التركي كان يسلب الناس أموالهم وممتلكاتهم، ويفرض عليهم الأتاوات.
-
إن أفراد مخفر الشرطة التركية (الجندرمة) في قرقوش كانوا مرتشين وفاسدين ويقتلون الناس لأتفه الأسباب، لا بل يأخذون أهالي القرية كلهم بجريرة المذنب.
-
إن إدارة الجيش التركي كانت تعتمد في تجهيزاتها على أفراد الشعب، فتسلبهم ما يملكونه من حيوانات للتنقل، مثل البغال، وكذلك في توفير العلف لهذه الحيوانات. لذا فإن الخسارة كانت مضاعفة وثقيلة على كاهل الأفراد في ظِل الحكم العثماني.
-
من الضحك أن أهالي القرية في شكاواهم يطالبون عصبة الأمم بتعويضهم عن الكحول (العرق) الذي إستولى عليه الشرطة من أهالي القرية وشربوه. وهذا يلقي الضوء على واحدة من الممارسات المتناقضة لأنظمة الحكم الديني الإسلامي، والتي نراها واضحة في عراق اليوم في ظِل الحكم الإسلامي.
6. إن طلب أهالي قرقوش، وهم في غالبيتهم من المسيحيين السريان، يفيض بممارسات القمع التي مارستها السلطات العثمانية. وإن ممارسات الدولة العثمانية المذكورة في أعلاه، قد ألحق بها سمعة سيئة، وصلت حد الكره والحقد عليها، وهذا ما أكسب رغبة البريطانيين والعراقيين بالوصاية، في إبقاء الموصل ضمن العراق قبولاً لدى عصبة الأمم والدول الأعضاء فيها، ساعد إلى حد كبير في إتخاذ قرار العصبة الشهير بإلحاق الموصل بدولة العراق الحديث. كما رغب الملك فيصل الأول في دمج ولاية الموصل بالعراق، نظراً لغالبية
1 هو القس بهنام خزيمة من الموصل، رُسِم كاهنا بتاريخ 22 تموز 1906 في دير الشرفة – لبنان.
السكان السنية، وأعتقد أنه بحاجة لها لتحقيق التوازن مع السكان الشيعة.1 ولولا ذلك، لكان العراق دولة شيعية منذ قيامها حتى يومنا هذا.
وختاماً، فإن إضطهاد المسيحيين ومعاناتهم زمن الدولة العثمانية، ومناشداتهم الكثيرة، كما تدّل عليها رسائلهم، كان لها الأثر الكبير في بقاء الموصل ضمن دولة العراق.
د. رياض السندي
كاليفورنيا 13 تشرين الأول 2019
1 مشكلة الموصل، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.